يوم لبناني بائس: أطنان المدح والردح.. والمقاومة

المدن - لبنان

الإثنين 2019/09/09

كان يوم الأحد. لا حدث ولا عمل. مع ذلك "السياسة" حسب التعريف والممارسة في لبنان لا تتوقف عن فصاحتها ولا تنزل عن منابرها ولا تصمت عن ميكروفوناتها. كان يوماً نموذجياً في "لا شيء يحدث هنا" لكنه نموذجي أيضاً بفائض الضجيج والكلام الملقي هنا وهناك، أطناناً لا أكياس كافية لتعبئته.

ابن الشهيد
في أثناء حفل تخرّج طلاب مدارس في بلدة بقاعية، ولكي يكتسب هذا الجيل الجديد درساً مفيداً، ومباشراً من فم أحد وجوه السلطة، راح وزير الاتصالات محمد شقير يقول: "الرئيس سعد الحريري رجل على قياس وطن، ولن يدخل في زواريب السياسة، وبكل تأكيد لن يقف متفرجاً على غرق البلد. إنه ابن الرئيس الشهيد الرئيس رفيق الحريري الذي ضحى بالغالي والنفيس من أجل لبنان، لذلك سيبقى الرئيس الحريري رأس حربة في الدفاع عن لبنان ومصلحة جميع اللبنانيين من دون استثناء. والأهم كذلك الحفاظ على هوية لبنان كمركز للعلم والثقافة والسياحة والاستشفاء والاقتصاد في المنطقة". وبعد هذا المديح جاء الهجاء، فتوجّه إلى "المزايدين" بالقول: "الرئيس الحريري أكبر منكم ومن أحلامكم الفارغة".

البعثي والدولة المدنية
وعلى منبر آخر، كان النائب البعثي قاسم هاشم، ينافح في فضائل الرئيس نبيه برّي، قبل أن يتحف الحضور بخلاصة تاريخية: "إذا كانت الطوائف والتنوع غنى لهذا الوطن، فالطائفية نقمة، وهي أساس علة هذا الوطن، ولم ولن تستقيم الأمور ونصل إلى وطن العدالة والكفاءة إلا بالدولة المدنية. والسبيل إلى ذلك ليس بما يتفق عليه البعض من أصحاب العبقريات والاجتهادات بل باعتماد قانون انتخابات يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق النسبية وخارج القيد الطائفي. وهكذا تبني الأجيال الطالعة مستقبلها واستقرار الوطن على دعائم سليمة".

"طمث" الحقيقة!
وكان نائب حركة أمل وعضو مكتبها السياسي، هاني قبيسي، قد أبلغ الحاضرين في مجلس عاشورائي أن "العقوبات التي تفرض على لبنان هي حصار اقتصادي لمشروع المقاومة وللمغترب اللبناني ولكل دولة تريد أن ترسل مالاً للبنان بل لكل فرد يرسل مالاً للبنان. عقوبات تفرض على أشخاص ومؤسسات ومصارف ونواب". واستنتج: "هذه العقوبات هي إرهاب وسعي لطمث الحقيقة. وهذا الحصار على ثقافة المقاومة ورسالتها. وما تتعرض له المصارف لا يمكن مواجهته إلا بالصمود كما صمدنا في ساحات القتال والحرب. فقوتنا بوحدتنا وتماسكنا". ثم ظهرت علامات الأسف لأن "الدولة ليست على مستوى المواجهة. لأنها جزر ومقاطعات وكل يسعى إلى ربح خاص. والدولة ككيان ومؤسسة في مهب الريح والفساد والهدر ولا سيما في مؤسسة الكهرباء والجمارك والمرفأ والمطار وأخيراً في مؤسسة البريد".

"الاحتلالان الأميركي التركي"
طبعاً ليس مهماً هنا التساؤل عن قفزاته من حال إلى حال، على منوال البيان الذي أصدره الحزب السوري القومي الاجتماعي، ودان فيه "قيام الولايات المتحدة الأميركية وتركيا بتسيير دوريات مشتركة في منطقة الجزيرة السورية"، معتبراً "أن في هذا التطور الخطير إصراراً من الاحتلالين الأميركي والتركي على مواصلة العدوان الإرهابي ضد سوريا (..) إن مقاومة الاحتلال والعدوان حق مشروع، ونحن متمسكون بهذا الحق، وخيارنا المقاومة حتى تحرير كل شبر محتل من أرضنا".

عظة جبيل ويقظة مرهج
وهناك في بلاد جبيل، كان المطران الناشط هذه الأيام، ميشال عون، يعظ: "وطننا بحاجة لعودة كل واحد من أبنائه إلى الرب وليس فقط المسؤولين فيه، فالواجب علينا كبير في اختيار المسؤولين، أناس يتمتعون بالقيم والايمان وتوكيلهم عنا في إدارة شؤوننا الوطنية على ان نحاسبهم عندما يخطئون".

واستيقظ من سبات التسعينات النائب والوزير السابق بشارة مرهج، ليقدم مطالعة: "الدستور اللبناني يعتبر في بابه الثاني أن القضاء اللبناني هو السلطة الثالثة، ويعترف ضمنا بإستقلاليته واستقلالية القاضي في إصدار الأحكام باسم الشعب اللبناني. لكن السلطة السياسية بدلا من أن تحترم السلطة القضائية وتسعى لتكريس هذه الاستقلالية بالابتعاد عن التدخل الفظ في شؤونها تشدد قبضتها على القضاء. في هذا السياق نشهد اليوم احتدام الصراع بين الكتل السياسية وداخلها على إجراء التشكيلات القضائية والتدخل السافر في عملية تعيين القضاة، وفقاً لمصالحها الفئوية".

القضاء والقدر
هذا وكان رئيس الهيئة التنفيذية في حركة "أمل"، مصطفى الفوعاني، خلال المجلس العاشورائي في حسينية بلدة شعت، أعلن أن "حركة وثورة الإمام القائد السيد موسى الصدر هي امتداد لثورة جده الإمام الحسين. نحن عندما نتحدث عن المقاومة لا نتحدث على أنها مجرد سلاح وخبرات عسكرية في الميدان، وإنما نتحدث عنها أنها أصبحت قدراً وقضاء وثقافة، وهي التي أسست لمجتمع متماسك لا في لبنان فحسب، وإنما على امتداد هذا العالم العربي والإسلامي، وصارت أيضا هدفاً ونهجاً لكل الشرفاء في العالم".

نائب حزب الله، حسن فضل الله، وخلال مجلس عاشورائي أيضاً في مدينة بنت جبيل، خطب قائلاً: "لبنان لم يعد الساحة المستباحة أمام العدو الإسرائيلي، وهذا ليس كلاما لرفع المعنويات، وإنما هذه وقائع، وتكاملت الأدوار، ففي العام 2006 لم نجد موقفا منسجما للحكومة اللبنانية كما نرى اليوم بالرغم من بعض الأصوات التي نسمعها من هنا وهناك، والتي لا معنى ولا تأثير لها (..) إن المقاومة التي ارتقت ببلدها إلى هذا المستوى، معنية بأن تسعى وتسهم في إصلاح مؤسسات الدولة اللبنانية، وهذا الإصلاح يحتاج إلى وقت وصبر، لأن حجم الانحراف في مؤسسات الدولة كبير، وحجم الالتواء في موازنات الدولة متراكم من سنوات طويلة".

معجزات الرئيس ونجاة سوريا
وفي حفل فطور للتيار العوني، كان النائب إدي معلوف يطنب في وصف الرئيس ميشال عون: "هذا الرئيس الذي اطلق عملية تحرير الوطن، وأنجزها. هذا الرئيس الذي اتخذ قرار الوقوف إلى جانب المقاومة، فانتصرت وشاركها الانتصار. هذا الرئيس الذي وعد باسترجاع الحقوق واعادة التوازن، وحققهما. فعندما يطمئن هذا الرئيس بأن الوضع الاقتصادي سيتحسن ويعد بأنه سيسلم خلفه وطنا افضل من الذي استلمه، فإنني مثل كثيرين منكم كلي ثقة بأن هذا الرئيس الاستثنائي سيضع البلد على السكة الصحيحة وسيوصله إلى بر الأمان."

بالطبع، لا يمكن إغفال خطبة الشيخ نعيم قاسم الذي قال أن لبنان يقوم على دعامتي المقاومة والإعمار، وروى كيف "مرت الأزمة السورية بطريقة صعبة جدا منذ العام 2011، والحمد لله أن سوريا نجت في نهاية المطاف، ولكن مع كل الغليان في المنطقة، بقي لبنان مستقرا على المستوى الأمني والسياسي، وهذا ببركة ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة. وبالتالي، على المسؤولين أن يعملوا بالدعامة الأخرى التي لها علاقة بالاقتصاد ومستقبل الناس".

وبعد هذا كله، ربما علينا الأخذ بنصيحة وزير حزب الله محمد فنيش، التي قالها في خطبة عاشورائية: "ضرورة أن نكون دائما على مستوى مسؤولياتنا، لأنه بحضورنا نستطيع أن ندحر مخططات الأعداء، وبثقتنا بالله سبحانه وتعالى، وباقتدار مجاهدينا، وبجهوزية مقاومتنا، قادرون على مواجهة العدو الإسرائيلي وإلحاق الهزيمة به".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024