مئوية انتخابات نقابة المحامي: حاجة لبنان لجيش "الطيالسة"!

نادر فوز

السبت 2021/11/20
قد تكون نقابة المحامين في بيروت من أقدم الهيئات أو المؤسسات، ومن أعرقها. سبقت ولادة لبنان الكبير ودستوره وقوانينه وكل تاريخه الحديث. عمر النقابة أكثر من مئة عام، تأسست مطلع عام 1919، وجاء إحياء مناسبة مئويتها عام 2019 مقتضباً بفعل التخبّط السياسي والأزمة التي انطلقت شرارتها حينها. وعلّ أسرع نتائج انتفاضة 17 تشرين جاءت في انتخابات نقابة المحامين وفوز النقيب ملحم خلف في الانتخابات التي تمّت يوم 17 تشرين الثاني بعد شهر من اندلاع الانتفاضة. مع العلم أنّ انتخاب خلف كان سابقة من نوعها، إذ تمّ من خلالها كسر العرف السائد في النقابة بأنّه على المرشحين لمنصب النقيب أن يكونوا أعضاء سابقين في مجلس النقابة.

تحديات النقابة
اليوم، يجدّ اللبنانيون عموماً، والمحامون خصوصاً، أنفسهم أمام استحقاق نقابي جديد في نقابة المحامين. وعلّ استحقاق هذا العام يتّسم بتحديات خطيرة ومسؤوليات كبرى موضوعة على كتف النقابة. فمن أوليات المجلس النقابي والنقيب سلسلة من الملفات والقضايا الأولى والأساسية التي يئنّ منها اللبنانيون من مختلف الانتماءات الطائفية والأهواء السياسية. بدءاً من ملف أموال المودعين في المصارف اللبنانية وصولاً إلى جريمة انفجار مرفأ بيروت والمطالب الإصلاح وأبرزها في القوانين والقضاء، إضافة إلى الهموم الخاصة بالمحامين أنفسهم وصناديقهم وخدماتهم الصحية والاستشفائية والمهنية. كما أنّ الانتخابات هذا العام تأتي في الذكرى المئوية لأولى الدورات الانتخابية التي جرت في النقابة عام 1921. والأكيد أنه أمام نقيب المحامين الحادي والخمسين الذي سيتم انتخابه الأحد، الكثير من المهام والمسؤوليات. 

الولادة الطبيعية
ولد المجلس الأول لنقابة المحامين في كانون الأول 1919. حتى أنّ المجلس الأول سبق ولادة محكمة التمييز التي تم إنشاؤها في حزيران 1919. ولادة المجلس الأولى جاء نتيجةّ طبيعية للنشاط الحقوقي منذ النصف الأول من القرن التاسع عشر في وضع نظام المتصرفية وما تلاه من إصدار منشورات وجرائد رسمية وتدوين سجّلات أسّست لما وصلنا إليه في عهد الانتداب. بعد تعيين سلطات الانتداب لرئيس المجلس الأول وديع الدوماني، جاء القرار الأول عن المجلس برفض مبدأ تعيين الرئيس واعتماد مبدأ الانتخاب. فكانت هذه الخطوة باكورة الانتفاضات التي خاضها المحامون ونجحوا في الكثير منها، وتمّت أولى الانتخابات النقابية قبل مئة عام، في حزيران 1921.

دور نقابة المحامين
سلسلة من المراجع القانونية والتوثيقية، أهمها كتاب "المئوية الأولى لنقابة المحامين في بيروت.. ذاكرة قرن" تشير إلى تاريخ النقابة وتشكيلها وأبرز إنجازاتها. ومن خلال كل ذلك تلمّس الأدوار التي لعبها المحامون ونقابتهم في بناء الدولة اللبنانية. في صياغة مسودة الدستور والقانون الأساسي لدولة لبنان الكبير ومبادئ حقوق الإنسان والمساواة وحرية الرأي والتعبير والاعتقاد. إضافة إلى دورها في الدفاع عن الحريات السياسية وفي ردّ السطوة الأمنية عن اللبنانيين. ودورها في تنظيم السلك القضائي والمحاكم القانونية وإصلاح النظام القضائي، منذ عهد الانتداب إلى الاستقلال وصولاً إلى الألفية الحالية. فقبل أشهر كان الإضراب الأخير لاستقلالية القضاء وإرساء الاحترام المتبادل بين القضاة والمحامين وتطبيق المواد القانونية التي تحمي المحامين.

تاريخ حافل بالإضرابات
بعد أشهر على إنشاء نقابة المحامين، نظّم المحامون إضرابهم الأول ضد المحاكم الأجنبية. وكرّت بعدها سلسلة التحركات الاعتراضية الأخرى والتّي اتخذت العديد من العناوين والأهداف. ففي عمر النقابة تحركات وإضرابات تاريخية، أبرزها: إضراب ضد المحاكم المختلطة التي أنشأتها سلطة الانتداب عام 1924. إضراب ضد إهانة وجهها قاض فرنسي لنقيب المحامين وديع نعيم عام 1925. إضراب إصدار قانون تنظيم مهنة المحاماة عام 1935. الدعوة والمشاركة في الإضراب العام عام 1943 للإفراج عن الرؤساء والوزراء المعتقلين والإعلان عن استقلال لبنان. إضراب إسقاط معهد الحقوق العربي (التابع للجامعة العربية)، عام 1961، في ظل أزمة سياسية كبيرة في البلاد وسقطت حكومتان بغضون أشهر. إضراب عام 1992 احتجاجاً على خطف محامين والاعتداء عليهم، ودام لستة أشهر متواصلة. عام 1997، ضد قرار منع التظاهر، والتشدّد الأمني في حقبة الاحتلال السوري ضد المعارضين السياسيين، وتم خلاله كسر قرار السلطة في منع تنظيم المظاهرات.

النقيب بطريرك مدني
بين كل تلك التحركات والإضرابات والاحتجاجات، كان من الإضرابات الأكثر توهجاً في تاريخ نقابة المحامين الإضراب المفتوح ضد قانون الأحوال الشخصية عام 1951. واجهت النقابة قانون صلاحيات المحاكم المذهبية الذي أصدرته الحكومة في نيسان ذلك العام، فوضعت في تشرين الأول مشروع قانون مدني للأحوال الشخصية وأعلنت الإضراب المفتوح لحين إحالته إلى البرلمان. ويومها تصدّرت عناوين بعض الصحف أنّ "حُرماً كنيساً صدر بحق نقيب المحامين وصدّه الإكليروس". وأعلن المحامون النقيب نجيب الدبس بطريركاً مدنياً للموارنة.

المحامية الأولى والمحاميات
عام 2009، انتخبت المحامية أمل حدّاد أول نقيبة للمحامين في تاريخ النقابة. ويعود تاريخ نشاط المرأة على مستوى نقابة المحامين إلى عام 1931، مع المحامية بوليت التامر التي كانت أول امرأة تدخل إلى النقابة، وتم عام 1932 تكريس حق النساء في مزاولة المهنة. أما أول عضوة في مجلس النقابة، فكانت جاكلين مسابكي عام 1965.

ميثاق الشرف
عام 1991، أطلقت النقابة ميثاق الشرف والذي فيه تأكيد على أنّ "المحامين اللبنانيين قادرون في مسارهم التاريخي على تجاوز كل عارض ظرفي أو صعوبة.. وهم يتصدّون دوماً بنجاح لأية محاولة تمس وحدتهم ومناعة نقابتهم وسلامة التمثيل فيها". فانطلق حينها بفعل الميثاق، انسحاب أحد المرشحين المسيحيين الفائزين لأول الخاسرين المسلمين في الدورات الانتخابية بهدف تجسيد التنوّع الطائفي داخل مجلس النقابة. فنجح المحامون بتجاوز موضوع التمثيل الطائفي والمذهبي، من خلال هذا الميثاق وهذا العرف، وحافظوا على نقابتهم.

قدّمت نقابة المحامين في بيروت، منذ مئة عام، نموذجاً لعمل نقابي ومهني ووطني وسياسي وأخلاقي. قبل ستين أو سبعين عاماً، تجرّأت على كسر حرمات وتابوهات سياسية ودينية واجتماعية، تعجز عن تقديمها اليوم حتى مجموعات أو أحزاب سياسية في البلد. فدور النقابة، كما دور نقابات وتجمّعات أخرى، أكبر من محافظة على مصلحة موظّف هنا أو عضو هناك. وعلى ما كتب وغنّى عمر الزعّني عام 1930 "عالهوب الهوب الهوب.. القاضي لابس روب، والعدل آخذ مجراه.. وما عاد في ظلم بنوب". وكان ذلك إثر نقاش عميق بين المحامين حول الزامية ارتداء الروب أو حتى اعتماد تسميته بالفصحى "الطيلسان". اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، الحاجة ملحّة لجموع الطيالسة في عملية استكمال ما بدأ في انتفاضة 17 تشرين. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024