انتقام حزب الله من أميركا: بداية حرب الأشباح

سامي خليفة

الجمعة 2020/01/17

لا تزال الصحافة ووسائل الإعلام الأميركية منكبة على تحليل عواقب اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني. والحديث بات يتكرر أن لبنان قد يكون واحداً من المسارح التي يمكن أن تلجأ إليها إيران في الرد على الأميركيين. ما يجعل كل الاحتمالات واردة، خصوصاً أن هذا الاغتيال جمّد كل نشاط سياسي في بيروت وطغى على خطاب حزب الله بعيداً عن الأولويات اللبنانية. 

تنفيذ استراتيجية إيران
رغم أن الأولوية يجب أن تُعطى للانكباب على معالجة أزمات الناس الاقتصادية والمعيشية، ووضع لبنان على سكة النهوض، وإعادة ضخ الحياة في العروق، إلا أن معهد " أتلانتيك كاونسيل" الأميركي يرى أن حزب الله لن يخضع لضرورة الركون الجدّي والفاعل في اعتماد سياسة النأي بالنفس عن صراعات المحاور.

قبل حوالى عامين، ألقى قاسم سليماني خطاباً في حفل أقيم في طهران بمناسبة مرور عشر سنوات على مقتل عماد مغنية، القيادي البارز في حزب الله. متوجهاً لجمهور من كبار المسؤولين الإيرانيين، فضلاً عن ممثلي الميليشيات الإيرانية في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية وسوريا واليمن، أشاد سليماني بمغنية "الأسطورة" المسؤول عن جميع إنجازات ما يُسمى محور المقاومة الإيراني، والتي شملت تأسيس حزب الله وحركة  "حماس" وتفجير شاحنة عام 1983 في مجمع لمشاة البحرية الأميركية في بيروت، والذي تسبب بمقتل 241 من أفراد الخدمة العسكرية الأميركية.

نفذ سليماني ومغنية وأمين عام حزب الله حسن نصر الله، حسب المعهد، إستراتيجية إيران في الشرق الأوسط تحت قيادة المرشد الأعلى علي خامنئي. ولذلك، فمن الصعب وصف وتقدير حجم الضربة التي أحدثها موت سليماني. وكما هو الحال بالنسبة لمقتل مغنية، فإن الرد على مقتل الجنرال الإيراني لن يقتصر على هجوم صاروخي وحيد أو ضربة متبادلة، فإيران لن تتوقف عند هذا الحد بعد هذه الضربة القاسية.

حرب الأشباح
في صيف عام 2012، قتل مهاجم انتحاري من حزب الله خمسة سياح إسرائيليين وسائق بلغاري في هجوم في مدينة بورغاس البلغارية. واشتبه المسؤولون الأميركيون والإسرائيليون حينذاك أن هذا الهجوم الذي وقع بعد مقتل مغنية بأربع سنوات، كان انتقاماً لاغتيال القائد العسكري لحزب الله، وكذلك لاغتيال العلماء النوويين الإيرانيين، الذين اتُهمت إسرائيل بتصفيتهم.

يشير المعهد أنه وبسبب المشاكل التي تعاني منها إيران، فمن المرجح أن تركز في المدى القصير، على تقييم تأثير مقتل سليماني، وسد الثغرات ومواطن الضعف في جهاز الاستخبارات والأمن، وإعادة تقييم استراتيجيتها ونهجها، وتبسيط عملياتها في جميع أنحاء المنطقة. كما ستحاول طهران التقرب من المملكة العربية السعودية، والعرب السنّة في المنطقة، الذين تفاقم العداء معهم، بعد أن تعاونت مع الرئيس السوري بشار الأسد لسحق انتفاضة سوريا.

ومع مرور الوقت، ستواجه الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤها، وجميع الذين يُنظر إليهم على أنهم يضرون باستراتيجية إيران الإقليمية، الانتقام، في شكل عمليات وأفعال سرية يكون من الصعب نسبها إلى طهران. إذ ستعود، بطريقة ما، إلى الأعمال "التقليدية" كالتفجيرات والاغتيالات وأساليب حرب الأشباح المنسوبة منذ فترة طويلة إلى مغنية.

حملة الاغتيالات والتفجيرات
أكد الأمين لحزب الله حسن نصرالله، في مناسبة ذكرى الأسبوع على اغتيال قاسم سليماني، أن الردّ على اغتيال سليماني ليس عملية واحدة بل مسار طويل. وانطلاقاً من خطاب نصر الله، يرى المعهد الأميركي، أن الحزب لن يخجل من القيام بعمليات ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بل وربما يلجأ إلى حملة الاغتيالات والتفجيرات التي شهدها لبنان ابتداءً من عام 2005، عندما شعر بالحصار واضطر للدفاع عن وجوده.

وعلى الجانب المقابل، يمكن لطهران بعد المصالحة مع حماس، إثر الخلاف حول دعم إيران للأسد، اللجوء إلى هذه المجموعة لتصعيد المواجهة مع إسرائيل في غزة. وفي سوريا، ستسعى إيران وحزب الله إلى الحفاظ على وجودهما ونفوذهما. فالأسد يعرف أن بقاءه يتوقف على رعايته من إيران وروسيا؛ وتنظر طهران إلى سوريا كثاني أهم بلد في محور مقاومتها، بعد إيران نفسها. أما في العراق، فإن "الميليشيات العميلة لإيران" لديها ما يكفي من الإمكانات والخبرة لتصعيد الوضع وتسديد ضربات مؤلمة للولايات المتحدة. ويمكن أن تركز على حشد فرق الاغتيالات وشن عمليات خاصة أخرى، بدلاً من شن الهجمات التقليدية على القوات الأميركية.

جيل يواصل القتال
روى سليماني باعتزاز، في مقابلته التلفزيونية الأخيرة في شهر تشرين الأول 2019، كيف سافر في عام 2006 عبر الطرق الوعرة للوصول إلى بيروت من دمشق خلال حرب تموز، التي استمرت 33 يوماً بين إسرائيل وحزب الله، وكيف أشرف على المعركة مع مغنية ونصر الله من الضاحية الجنوبية لبيروت.

ويذكر المعهد في الختام بما ألمح إليه سليماني في المقابلة ذاتها، بقوله أنه حتى لو فارق الثلاثي الذي قاد معركة حرب تموز الحياة، فإنه قد أعد جيلاً كاملاً لمواصلة القتال، في حرب غير متماثلة، محذراً من أنه لا توجد جبهات تقليدية، وأنه يجب على العدو أن يتعامل مع مجال واسع وذكي من الألغام الأرضية.

الرد في لبنان؟
من جهتها، رأت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، أن الحزب قد يجد نفسه مضطراً للرد خشية استعداد الولايات المتحدة وإسرائيل لمهاجمته، وقد تتخذ حملة الحزب ضد الولايات المتحدة أشكالاً كثيرة، من المحتمل أن تتكون من سلسلة من أعمال العنف المحسوبة التي تتصاعد بمرور الوقت.

يمكن للحزب، وفق المجلة، استخدام الأدوات العسكرية والمخابراتية والإلكترونية، ويمكنه القيام بذلك بشكل علني أو سري، عبر مجالات متعددة، اعتماداً على أهداف المراسلة الاستراتيجية أو الحاجة إلى إمكانية الإنكار المعقولة.

من المرجح أن تبدأ مثل هذه الهجمات على أرض الحزب في لبنان، حيث يوجد عشرات الجنود الأميركيين في قواعد متعددة، في جميع أنحاء البلاد، لتدريب ومساعدة الجيش اللبناني. وبدلاً من مهاجمة هذه القوات مباشرة والتعرض لرد فعل مدمر، يمكن للحزب أن يستخدم الصواريخ التي يُنكر علاقته بها لتعطيل العمليات الجوية الأميركية، واستخدام العبوات الناسفة، التي يمكن اتهام الجماعات المتشددة بزرعها، لتقييد التحركات الأميركية على الأرض.

إضافةً إلى ذلك، يمكن أن تُستخدم الهجمات الإلكترونية للتشويش على الاتصالات الأميركية وفضح هويات مسؤولي المخابرات الأميركية ومصادرهم في لبنان. كما يمكن للحزب محاولة خطف أو اغتيال مسؤولين أميركيين، إذا تصاعدت التوترات بشكل كبير.

سوء التقدير
وتوسعاً في تحليل مجالات الرد، تضيف المجلة الأميركية، أنه يمكن للحزب أن يختار الانتقام في الشرق الأوسط أو خارجه، حيث يمتلك عشرات الخلايا في القارات الخمس. وتذكّر بتقييم مجتمع الاستخبارات الأميركي العام الماضي، الذي أشار لاحتفاظ الجماعة اللبنانية بالقدرة على تنفيذ مجموعة من خيارات الهجوم ضد المصالح الأميركية في جميع أنحاء العالم.

قد يكون الحزب مُحفزًا بشكل خاص على الانتقام، لاحباط الاحتجاجات التي شارك فيها مئات الآلاف من المواطنين اللبنانيين، اعتراضاً على دوره ودور الطبقة السياسية الحاكمة في تفكك اقتصاد البلاد. لذلك توجه "فورين أفيرز" تحذيراً للحزب بأنه يواجه خصماً في الولايات المتحدة لا يمكن التنبؤ به. إذ أنه من غير المعروف ما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستلتزم بالقواعد غير الرسمية للعبة بين الحزب وإسرائيل. بالتالي أي سوء تقدير حول استعداد الولايات المتحدة لاستيعاب الهجمات، يمكن أن يؤدي إلى تصعيد سريع يهدد مصالح المجموعة في لبنان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024