الصحافة العالمية عن لبنان: لا نجاة من السفينة الغارقة

سامي خليفة

الخميس 2021/04/08

أيام صعبة للغاية يعيشها لبنان، يئن فيها الشعب تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، مع بلوغ العملة المحلية مستويات قياسية في انخفاض قيمتها، وتدهور اقتصادي يعصف بالبلاد بعد استعصاء الحالة السياسية التي أفشلت جهود تشكيل الحكومة المنتظرة منذ أشهر عدة.

الخوف من الفاتورة الاستشفائية
اشتداد الأزمة وانعاكساتها على حياة المواطنين، دفعت صحيفة "أيريش تايمز" الإيرلندية، لإعداد تقريرٍ من بيروت يصف استشراء الغلاء الفاحش في المتاجر والأسواق، وعجز المواطنين عن تأمين أدنى احتياجاتهم الأساسية.

وتطرقت الصحيفة إلى ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية مرتين أو ثلاث مرات يومياً، وما يرافق ذلك من تقنينٍ قاسٍ للكهرباء، وصورة بشعة عبّر فيها الناس عن خشيتهم من دخول المستشفيات مع ارتفاع قيمة الفاتورة الاستشفائية وسط تفشي جائحة كورونا.

نحن في أسوأ أحوالنا
وأجمع الذين قابلتهم الصحيفة، بأن بيروت التي مكثوا فيها طوال الحرب الأهلية، لم تكن بهذا السوء كما هو الحال الآن. إذ وصف حمزة طحان، وهو سائق تاكسي في الخمسينيات من عمره، معاناته من الارتفاع الجنوني أسعار البنزين وقطع الغيار. ولخّص الواقع المرير بالقول "كنا نعيش في حلم من قبل، استمتعنا إلى حدٍ ما، كانت لدينا حياة جيدة واليوم نعيش الواقع".

من جهتها، عبرّت ديما دوغان (24 سنة) التي تخرجت من جامعة "هاغازيان" في صيف العام الماضي، عن رغبتها القوية في مغادرة لبنان بعد أن دمّر انفجار مرفأ بيروت الشقة التي أقامت فيها ورفيقتها في السكن. كما تحدثت عن يأسها من أي تغييرٍ محتمل قائلةً "ربما يتحسن الاقتصاد في غضون ثلاث إلى أربع سنوات، لكن طالما أن هؤلاء الأشخاص في سدة الحكم، فلن يكون هناك تغيير. النظام الطائفي يبقيهم في السلطة. وللأسف يرى الناس التغيير على أنه هجوم على الدين".

كما التقت الصحيفة شريف سماحة، الذي يدير فندق "ماي فلور mayflower" المملوك للعائلة، والذي كان يتردد عليه جنود حفظ السلام الأيرلنديون سابقاً. وبعد أن سُوي منزله اللبناني التقليدي بالأرض عندما دمر انفجار المرفأ الأحياء المجاورة، أضحى سماحة يعيش مع زوجته وولديّه في الفندق. ويختصر الصورة بإيجاز "لقد بدأنا إعادة الإعمار من الصفر. ونظراً لأن العمّال في عجلة من أمرهم للحصول على رواتبهم من الدولارات النادرة، فمن المفترض أن يكون منزلنا جاهزاً هذا الشهر. إلاّ أن فندقنا تضرر بشدة من تفشي الجائحة إضافةً إلى الأزمة الاقتصادية في البلاد، فليس لدينا مقيمين أجانب ولا منظمات غير حكومية".

البؤس والعبثية
وفي سياقٍ متصل بالانهيار الذي نعيش تجلياته، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، تقريراً يحمل عنوان "لا أحد يعلم قيمة العملة الوطنية الآن"، تحدثت فيه عن البؤس والعبثية التي يعيشها اللبنانيون يومياً بسبب  تدهور الليرة اللبنانية أمام الدولار، ووجود أربعة أسعار للصرف على الأقل.
ونقلت المجلة ما يقوله العديد من الصيارفة والاقتصاديين والمصرفيين بأن مدخرات اللبنانيين قُيدت على نطاق واسع لتقليل الخسائر المصرفية، مع الحفاظ على امتياز وصول النخبة إلى السيولة. وببساطة، لقد تم إنقاذ الأغنياء، بفضل العلاقات السياسية التي يحظون بها، والتي يُزعم أنها سمحت للكثيرين بإنقاذ مدخراتهم من النظام المنهار. في غضون ذلك، كان على المودعين اللبنانيين الصغار والمتوسطين، التعامل مع ضوابط رأس المال غير الرسمية والقبول بتجميد حساباتهم أو الانسحاب بخسارة فادحة.

الليرة ليست بخير
وشرحت المجلة الأميركية في حديثها مع صراف يُدعى "محمد"، يعمل في العاصمة بيروت، كيف تسير الأمور وكيف يُحدد سعر صرف الدولار في السوق الموازية. وكيف أن أسعار الصرف الزئبقية تعمل على حساب المستهلكين العاديين ويتم التحكم فيها بطريقة ترقى إلى السرقة غير المباشرة. إذ يقول "إذا كان الطلب على الدولار كبيراً، يرتفع سعر الصرف، وهذا هو الوضع الراهن اليوم".

يتتبع محمد المئات من أمثاله على مجموعات تطبيق "واتساب" حيث يتم تحديد سعر السوق الموازية، ثم يرسل نصوصاً مليئة بالرموز التعبيرية المبهجة لأولئك الذين لديهم دولارات مخبأة في منازلهم، كأن يقول لهم "صباح الخير للجميع مع رمز الشمس المشرقة". ولدى تلقيه رسالة تقول "اتصل بي"، يركب محمد دراجته النارية حاملاً في حقيبته رزماً من الليرات النقدية باتجاه أصحاب الدولارات النقدية، حيث يقوم بخدمة توصيل إلى المنازل.

دعم الفياغرا!
من جهته، قال نزار غانم، المحلل اللبناني في السياسة الاقتصادية ومدير مؤسسة "تراينجل" البحثية، إن تكلفة الأزمة المالية يتم إلقاؤها عمداً على الأضعف. ويوضح: "يتعمد البنك المركزي السماح بإجراء التجارة بأسعار صرف متعددة. من ناحية، يمنع الناس من سحب الأموال ويحافظ على البنوك آمنة، ولكن من ناحية أخرى، إذا قاموا بسحب الأموال، فإنهم سيخضعون لاقتطاع غير رسمي.. وبذلك وبدلاً من إعادة هيكلة البنوك، وهو ما كان يعني أن ينظر صندوق النقد الدولي في الميزانيات العمومية وإجمالي الخسائر لتحديد البنوك التي يجب أن تفلس، تم فرض التكلفة على صغار المودعين".

وفيما أشار نشطاء للمجلة بأن ملف الدعم أصبح أداة للطبقة الحاكمة الفاسدة للسيطرة على الغضب الشعبي، ويتم استغلاله بشكل أكبر للحصول على عمولات، ولدعم الحلفاء الإقليميين من خلال التهريب. أضاف غانم "لماذا يتم دعم الفياغرا؟ يسيطر عدد قليل من العائلات على صناعة الأدوية في لبنان، ويقررون ما يتم دعمه لتحقيق أرباحهم الخاصة. لقد مارسوا ضغوطاً مستمرة ضد ترشيد الدعم".

سفينة التيتانيك
وتحت عنوان "لبنان أسير أهواء سياسييه"، رأت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، أن لبنان ربما يغرق لبنان كما غرقت سفينة تيتانيك، لكن لا ناجين في هذه المرة، إلا إذا شكل سياسيو هذا البلد المتناحرون حكومة قادرة على التعامل مع الأزمات. ووجدت في تصريح رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تصفه "سمسار السلطة الأول في لبنان منذ الحرب الأهلية والموالي لسوريا والذي يحافظ على علاقات مع إيران والولايات المتحدة في آن واحد"، عن غرق لبنان، خطوة نوعية من الطقم المتحكم بسياسة لبنان ومن ملوك الطوائف والأوليغارشيين والمصرفيين، الذين أمضوا العامين الماضيين يصرخون على جبل الجليد ليبتعد عن الطريق عوضاً عن التوصل إلى حلّ.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول يرى رئيس الجمهورية ميشال عون بانتظام، قوله أن عون "ليس مستعداً لتقديم أي تنازلات على الإطلاق لأن باسيل فُرضت عليه عقوبات". ومع ذلك يضيف المسؤول "لا يمكن إيجاد حل لأزمتنا من دون صندوق النقد الدولي. إنه جواز سفرنا إلى المجتمع الدولي والأسواق المالية".

بدوره، وصف شخصٌ مقرب من رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري الأمر بشكل أكثر كآبة: "إذاً فهم يحتجزون البلد كرهينة، ويقولون للجميع: دعونا نرى ما إذا كان بإمكاننا الاستمرار لفترة أطول قليلاً - لكن لا أحد يعرف أين تكمن نقطة الانهيار".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024