مبنى الإهراءات: الهلع من سقوطه.. والتوجّس من سمسراته

نادر فوز

الثلاثاء 2021/04/06
في الدعوة إلى هدم مبنى الإهراءات في مرفأ بيروت، شيء مريب. بعد أكثر من 8 أشهر على مشهد التفجير، خرج تقرير عن شركة "أمان إنجينييرنغ" السويسرية، يقول إن مبنى الإهراءات "مشلّع، وهيكله غير مستقر ومتحرّك".
أكد التقرير السويسري أنّ "الأضرار التي لحقت ببعض الصوامع كانت شديدة لدرجة أنّ الصوامع تميل بمعدّل 2 ملم باليوم، وهو أمر خطير من الناحية الهيكلية". أي أنه، بعملية حسابية بسيطة، يمكن أن تكون الصوامع قد مالت في فترة 8 أشهر 492 ملم، أي ما يقرب نصف متر. وأشارت الشركة في الوقت نفسه إلى أنّ "برج بيزا كان يميل بمقدار 5 ملم في السنة قبل أن يتم معالجته بإجراءات هندسية خاصة". وتنهي الشركة، التي قامت بمسح المبنى باللايزر، تقريرها بالتأكيد على أنّ لا إمكانية لضمانة سلامة المبنى مع استمرار هذا الواقع الهندسي.

انسجام المواقف
تقرير الشركة السويسرية يحذّر فعلياً من كارثة جديدة قد تكون مقبلة على مرفأ بيروت، وينسجم فعلياً مع الدعوة المتكرّرة الصادرة عن وزير الاقتصاد في الحكومة المستقيلة بفعل مجزرة 4 آب، راوول نعمة. فالأخير، بعد أسابيع على الانفجار، دعا إلى هدم مبنى الإهراءات. وخرجت عنه دعوة علنية بهذا الخصوص يوم 5 تشرين الثاني الماضي. وينسجم موقف الوزير مع موقف الشركة السويسرية وتقريرها، لجهة خطورة وضع الإهراءات. إلا أنه على ما يبدو فإنّ قرار هدم المبنى لا يزال معلّقاً بانتظار خطوات تقنية ضروري تنفيذها قبل الشروع بذلك.

مفاوضات مع فرنسا
وحسب ما يشير خبراء ومطلّعين على هذا الملف لـ"المدن"، فإنّ عملية هدم مبنى الإهراءات يستوجب خطوات عملانية أساسية "أولها تفريغ الصوامع من المواد الموجودة فيها، على اعتبار أنّ القمح وغيره من الحبوب المخزّن فيها يمكن أن يشعل غازات تؤدي إلى حرائق أو حتى انفجارات في حال تفاعلت نتيجة عملية التخمّر". وفي هذا الإطار، تؤكد المصادر المطّلعة لـ"المدن" أنّ "وزارة الاقتصاد لا تزال تتفاوض مع شركات فرنسية متخصصة من أجل تفريغ الإهراءات أولاً، بمواصفات بيئية وصحية وتقنية ملائمة. إذ أنّ في لبنان لا تملك أي من الجهات أو الشركات القدرة على القيام بهذا الأمر". إلا أنّ هذه الخطوة لا تزال مؤجلة منذ أشهر.

فطرة سمسرات وتوجّس
إذا كان مبنى الإهراءات يشكّل هذا الخطر الفعلي والداهم على سلامة العاملين في مرفأ بيروت، فإنّ الدولة اللبنانية، حكومةً ووزارات وأجهزة أمنية ورقابية، لم تتحرّك بعد لاتخاذ خطوات استباقية تحول دون وقوع كارثة جديدة. وإنّ كان المسؤولون اللبنانيون يحاولون تكريس منطق "التقصير والإهمال الوظيفي" في جريمة 4 آب، فإن التقصير والإهمال يقودان فعلياً إلى واقع كارثي آخر. لكن، عدا خطورة انهيار مبنى الإهراءات، ثمة ما هو أخطر في هذا الملف، وهو في كون "مشروع هدم الإهراءات ملغوماً بجوانب سمسرات وصفقات". فالمسؤولون اللبنانيون يتعاملون بفطرة السمسرات مع الكوارث والمشاريع. وبات للمواطنين اللبنانيين بالفطرة أيضاً التوجّس من مشاريع مماثلة.

لا ثقة بالتقرير
وفي اتصال مع "المدن"، يؤكد نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت على أنه "لا ثقة بتقرير الشركة السويسرية. لا لشيء، إلا لأنّ المهندس المسؤول عن إعداده قال يجب هدم مبنى الإهراءات خلال ندوة في شهر أيلول 2020". يضيف تابت أنّ "المهندس المسؤول عن التقرير كوّن مسبقاً قناعة بهذا الخيار قبل إجراء أي اختبارات أو مسح". فيغذي تابت التوجّس الشعبي إزاء هدم الإهراءات، مؤكداً أنّ "مشروعاً مماثلاً فيه أموال طائلة. ولا يمكن الارتكاز على تقرير واحد"، داعياً إلى الاستعانة بفريق من الخبراء لتقديم تقرير وتقييم آخر لواقع المكان. ويضاف إلى ذلك، أنّ جزءاً من التقرير السويسري ربط الموضوع بالأمن الغذائي في لبنان. وهو ما يصفه عدد من المتخصّصين "تهويلاً، لكون القمح والحبوب، منذ 4 آب 2020، يدخل بشكل عادي ويتم توزيعه مباشرة على الأسواق. وبالتالي لا خوف على الأمن الغذائي لهذه الجهة".

قد يكون مبنى الإهراءات آيلاً للسقوط ويشكّل خطراً جدياً على السلامة العامة. ولا شكّ أن الميلمترات التي تحدّث عنها التقرير السويسري كافية لإثارة الهلع. لكن ما يمكن استخلاصه من كل سيرة مبنى الإهراءات منذ 4 آب إلى اليوم، ومن كل سياقات مشاريع إعادة إعمار المرفأ وتشغيله، أنّ الدولة اللبنانية غائبة عن السمع. في حين أنّ شركات فرنسية، ألمانية، كويتية وصينية تجهّز نفسها لطرح تصوّرات إعادة الإعمار. وسيكون أقربها يوم الخميس المقبل. إذ سيتقدّم ممثلون عن شركات ألمانية بالتعاون مع أخرى فرنسية بدراساتهم وتصوّراتهم لعملية إعادة إعمار المرفأ.

لكن قبل كل ذلك، هل من تصوّر لدى الدولة اللبنانية لمستقبل المرفأ؟ هل ستقبل المنظومة الحاكمة بالشروط السياسية والاقتصادية والإصلاحية التي ستفرضها دول أوروبية للاستثمار في مرفأ بيروت؟
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024