باسيل: دكتور جيكل.. مستر هايد

يوسف بزي

الإثنين 2020/09/14

يراهن "رئيس التيار الوطني الحرّ" على ضعف الذاكرة أو خداعها، ترويجاً لوجهه "الجديد". جبران باسيل 13 تشرين الأول 2019 الفاحش والمتنمر النهم والجشع ليس هو جبران باسيل 13 أيلول 2020 المتواضع الهادئ على كرسي مكتبته المنزلية. سنة سوداء عاشها المهندس في المذلة والمهانة العلنية والتقريع العمومي. سنة من الأرق وكوابيس الشتائم التي لا تتوقف. سنة من الصفعات اليومية والنبذ والاحتقار كأجرب أو مجذوم. سنة من دبق الكراهية الذي يغطيه ولا يستطيع الاغتسال منه. سنة شخصية خالية إلا من أصداء "هيلا هيلا هو" كُتبت بلغات العالم. سنة قضاها باسيل ينازع الموت كمداً وغيظاً وقهراً، ينظر في مرآة متموجة بالكآبة والحقد في آن واحد.

باسيل "مستر هايد" الشرير المتآمر في عتمة الكواليس السياسية القذرة.. يحاول اليوم أن يصير باسيل "دكتور جيكل" الجنتلمن الراقي الخلوق، السياسي المتحسس لآلام الناس ومداويها، المصلح الوفاقي الغيور على المصلحة العامة.

ليس مهماً أي شركة وأي خبراء دعاية يسعفونه في "صنع" الوجه الجديد. ليس مهماً جرّاح التجميل ذاك الذي يرمم جروح هذا البورتريه الممقوت والمنفر، طلة ونبرة وتعبيراً لئيماً وعدوانياً، كان الخبث متربعاً فيه بين العينين والشفتين. ليس مهماً ذاك المخرج المسرحي الذي يدربه "تمثيلاً" ميلودرامياً يستجلب التعاطف أو الإعجاب والتفهم. ليس مهماً المشعوذ الذي سيطرد روح "هايد" من قلب "جيكل". فمعضلة جبران باسيل تبقى أن الذاكرة العامة ليس قصيرة إلى هذا الحدّ، ليست نسّاءة بالقدر الكافي. أما المغفرة التي يطمع بها، فبعيدة المنال إزاء أطنان الذنوب الأضخم من مستودعات الأمونيوم والفيول، والسجل الهائل للاقترافات الأكبر من أرقام الديون والإفلاسات.

المعضلة الأسوأ أن الناس يطمئنون إلى "الشخصية الحقيقية" لا إلى "الدور المزيف". من الصعب أن نتقبّل مثلاً ذئباً مدجناً لطيفاً مسالماً. بل لا نحبّذ وجوده طالما أنه يعاكس رؤيتنا للطبيعة ويهدد نظرتنا إلى العالم وإلى أنفسنا. وبهذا المعنى، جبران باسيل "الجديد" الذي يقترح نفسه قائداً وناشطاً لمجتمع مدني، يكاد يكون مثيراً للخوف، ولبس القناع – مهما كان شكله – مثير لعدم الارتياح، مثير لتشويش عقولنا على نحو مزعج. باسيل الأصلي كما نعرفه يطمئننا إلى السوية التي عليها العالم.

وإذا كان انتفاء هايد وبقاء جيكل وحيداً ينفي أي معنى للرواية، فإننا لا نريد أن "نفقد" ذاك الذي يستحق "هيلا هيلا هو" صبحاً ومساءً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024