الثورة وامتحان المبادرة: لماذا لا تطرح اسماً لرئاسة الحكومة؟

أيمن شروف

السبت 2019/12/07

لم تعد الأمور على حالها في ما يخص الثورة. الكثير تغير ولعلّه لابد من الاعتراف اليوم أن الثورة في مأزق المراوحة، التي فرضتها السلطة بخبث. وهي اليوم أمام امتحان استعادة الحالة الثورية. استعادة الشارع، لكي يعود بإمكانها فرض شروط تحاول السلطة تمييعها، غير آبهة بما يعانيه الناس من ذل، وصل حد الانفجار، ووضع اقتصادي على وشك أن يتحول كارثياً، وهم غير مكترثين بما سيحلّ بالناس في حال حصول الانهيار. والمثال الفاقع على ذلك، مواطنون لبنانيون ينتحرون لأنهم غير قادرين على إعالة عائلاتهم، ولا من يستجيب. ولا من يُحرك ساكناً حتى استنكاراً من باب الحياء أقلّه.

هذا الواقع فرض على الكثير من المشاركين والفاعلين في الثورة أن يبدأوا محاولات "التفكير من خارج الصندوق". ما هي الخطوة التالية وكيف يخرجون من هذه المراوحة التي أُدخلوا إليها، والتي في مكان ما ساهموا أيضاً في تكريسها من حيث لا يدرون؟

لماذا نعم؟
هنا، آراء كثيرة تُطرح. آخرها، والذي لا يزال سؤالاً لا يملك أحد جواباً واضحاً عليه: لماذا لا تطرح الثورة اسماً لرئاسة الحكومة ولا تبقى في طور الانتظار والمتلقي؟ لماذا إلى اليوم لا يتم تبني مرشح لديه المصداقية الكافية لدى شريحة واسعة من الناس، يكون قادراً على نقل مطالب الناس من الشارع إلى المؤسسات، أي تحويلها إلى واقع ملموس؟ هذا فعلياً ما بدأ يدور بين كثير من المجموعات التي تحاول أن تقول إنه لا بد من تحرك ما لكسر هذا الجمود، خصوصاً أن البلاد مُقبلة على انهيار سيكون الناس ضحيته، طالما أن الأحزاب الحاكمة باستطاعتها أن تستغل ما تبقى موارد الدولة لتبقى صامدة إلى أكثر وقت ممكن.

يأتي هذا الطرح من حرص على الخروج من المراوحة، ولرمي الكرة في ملعب السلطة وحدها، كي تُسحب منها ذريعة أن العناد يحول دون تأمين مخرج ملائم لما نحن فيه، وللتأكيد على أن الثورة وناسها غير مسؤولين عن ما وصلت إليه البلاد، جراء سنوات مضت من النهب والفساد، والتي تحاول السلطة اختصارها بشهر من تظاهر أتى نتيجة سياسات هذا الطبقة، التي بالثورة أو من دونها كانت متجهة لا محال إلى انهيار حتمي، لنظام صار بحاجة لخضة كبيرة، لعل الانهيار الاقتصادي هو الوحيد الكفيل بإعادة إنتاج آخر قادر على الحياة، يلغي نظام المحاصصة القائم والذي يعيد إنتاج نفسه الآن مع سمير الخطيب أو غيره من أسماء مطروحة، بتمويه خبيث تمارسه السلطة مستفيدة من انكفاء الشارع إلى حد ما.

لماذا لا؟
إلى الآن يبدو أن هذا الرأي ينطلق من مكان صلب، قوامه العديد من المعطيات، وأهمها كسر المراوحة من جهة، وتأمين الحلول من جهة أخرى. لكن في مقابل هذه الإيجابيات والنية الحسنة إذا أمكن القول، هناك الكثير من الحواجز التي قد تعادل لا بل تتفوق على حجج الرأي القائل بطرح اسم مناسب لرئاسة الحكومة، لا تبدأ بالاسم ولا تنتهي بدستورية هذه الخطوة. والبدء بالاسم بحد ذاته قد يكون عائقاً، إذ إلى الآن لم تبرز شخصية سنّية مستعدة لأن تتولى هذه المهمة. هناك أسماء قد يكون من الجيد أن تخوض التجربة وما الذي يمنع التجربة، طالما أن التوجه هو للتكنوقراط؟ هنا وفي ما يخص الاسم، تبرز معضلة أخرى، إذ من الذي سيسمي أو سيطرح الاسم في حال توفر؟ هناك أكثر من علامة استفهام، إذ من الذي خوّل المجموعات طرح الأسماء؟ وهل سيرضى الناس عن هذا الاسم أو ذاك؟ لا بل هل هناك من سيقبل أن يأتي من يطرح عليه اسماً، من دون أن يشارك هو في انتقائه وفي وضع مواصفاته، وفي تقرير من هو المناسب ومن لا يلائم هذه المرحلة. فالناس المنتفضة تأتي من خلفيات متعددة، قد لا تلتقي على الاسم في حال دخلت السياسة مثلاً في تحديده، والمقصود هنا موقفه من مواضيع إشكالية لا يتفق عليها المنتفضون. وهم يدركون أنها مؤجلة وغير وارد طرحها الآن، لأن الأولوية للمطالب المعيشية في هذا الظرف.

ثم وفي ما خص التسمية، منذ أن انطلقت الثورة والرأي الغالب، أو الثابت الوحيد كان أنه ليس من واجب الثورة آن تجد الحلول لسلطة مسؤولة عن الواقع الذي وصلت البلاد إليه. لماذا اليوم على هذا الثابت أن يتغير؟ خصوصاً، أنه في مقابل هذا الثابت في حال تغير، دخول صريح في ما كان رأس الهرم يطالب به: هيئة تُفاوض. إذ منذ بادئ الأمر والناس رافضة للتفاوض، فكيف يُرفض كل شكل من أشكال التواصل مع السلطة، في حين تكون الخطوة الموازية، الذهاب أبعد من التفاوض. الذهاب إلى إيجاد حلول وطرح أسماء. يستتبع هذا الواقع أيضاً، قدرة السلطة على الانقضاض على هذا الرأس. وهو ما كانت تريده أساساً حين صارت تبادر إلى دعوة "الحراك" -كما تسميه- إلى تشكيل وفد والذهاب إلى بعبدا من أجل التفاوض.

الخروج عن السياق
أبعد من هذا الواقع، كانت حجة الناس في تصعيد تحركاتها في الأسبوع الذي تلا استقالة سعد الحريري من رئاسة الحكومة، الضغط على رئيس الجمهورية كي يدعو إلى استشارات نيابية لتكليف رئيس يقوم بالتأليف. تأخر الرئيس ومن خلفه كل أحزاب السلطة، لأن جبران باسيل ومن معه يريدون أن يكلفوا ويؤلفوا في الوقت نفسه، ضاربين بعرض الحائط ما نص عليه الدستور، وصلاحيات الرئاسة الثالثة. لهذا، تُصبح عملية التسمية برمتها، في الخانة نفسها التي وضع رئيس الجمهورية نفسه فيها، أي لا دستورية ما يقوم به. كيف نطالب بتطبيق الدستور ومن ثم نعود ونمارس ما هو عكس ذلك، وإذا كان هناك مشكلة في النظام نفسه، وهذا واقع، فلماذا لا يكون انتظام عمل المؤسسات مقدمة لاستعادة النظام أو لفحص شوائبه بعد انتظام فعلي لعمل مؤسساته. وهو ما لم يكن متواجداً منذ ما بعد تسوية الطائف حتى اليوم.

كلها أسئلة مشروعة. والأمور مفتوحة على كل شيء. لكن بين ابتداع الحلول والبقاء في الشارع، يمكن بسهولة اختيار الثانية. اختيار لا بد أن يكون مصحوباً بخطة واضحة، تعيد الزخم إلى الثورة. تعيد الناس إلى الأساس، إلى الانتفاض في مواجهة جلاديهم، إلى الضغط على الحكام من أجل تقديم الحلول وليس العكس. اختيار التظاهر والعنف الثوري على كل ما عداه، لأن السبيل الوحيد للانتصار، هو الشارع ولا شيء غير الشارع.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024