فضيحة دياب ولودريان: الخيار الأمني لتغطية الإفلاس السياسي والاقتصادي

منير الربيع

الثلاثاء 2020/07/28

لم تعد اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع تقتصر على بحث أوضاع البلاد، والإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة ومكافحة وباء كورونا. أصبح الهدف منها أبعد من ذلك: الإصرار على إبقاء الأجواء الأمنية المستنفرة حاضرة في البلاد.

العقلية الأمنية
عملياً، انطلقت حيوية المجلس بعد ثورة 17 تشرين. عند اندلاع الاحتجاجات، كان رئيس الجمهورية ميشال عون مصرّاً على عقد اجتماعات المجلس. يومها كان الرئيس سعد الحريري يرفض، لأنه لا يريد إضفاء الطابع الأمني والعسكري على مواجهة التحركات، معتبراً أن الحلّ يكون سياسياً وليس أمنياً. ولدى رئيس الجمهورية وحلفاؤه إصرار دائم على إضفاء الطابع الأمني على كل ما يجري في البلاد.

بعيد استقالة حكومة الحريري ومجيء حسان دياب، تفعّلت اجتماعات المجلس. وقبل أزمة كورونا، نشطت اجتماعات المجلس، وبدأ الحديث الأمني حول خطورة التحركات والتظاهرات. انقضّت الحكومة على المتظاهرين، أطاحت بخيم الاعتصام وأجهضت كل محاولات الاحتجاج. ومع أزمة كورونا، استفادت السلطة والحكومة من الوضع، لتكثيف اجتماعات المجلس، وإضفاء المزيد من الجو الأمني في البلاد. فاستمرت الألاعيب الأمنية، التي تحمّل الآخرين دوماً المسؤولية. تارة يجري الحديث عن مؤامرة خارجية تستهدف الحكومة ومسيرتها، وطوراً تتهم خلايا إرهابية بالتحضير للعبث بالوضع الداخلي. 

الاجتماعات الثلاثة أو الأربعة الأخيرة للمجلس، انطوت على الكثير من المواقف الأمنية، تركزت بمعظمها على تحميل مسؤولية ما يجري للأتراك! وتحديداً بما يخص طرابلس. سربت أجواء عن التحقيق مع أتراك متمولين وسوريين تم توقيفهم. وفيما بعد تم إطلاق سراحهم لأنه لم يثبت عليهم أي أمر. لكن الانطباع العام أخذ مسراه على أن هناك مخططاً تركياً للتخريب.

ضوضاء واتهامات
أكّد رئيس الحكومة حسان دياب أن "البلد يواجه تحديات استثنائية، وهناك تفلت للسلاح واعتداء على مراكز الأمن. وكأن الأمور ليست تحت السيطرة". وسأل خلال جلسة المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا: "أين الأجهزة الأمنية؟ وأين القضاء؟ أين دورهم بفرض هيبة الدولة؟ كيف يمكن أن نفرض الأمن في منطقة ولا نفرضه في منطقة أخرى؟"، قائلاً: "يلي عم بصير ما بده توافق سياسي. بده قرار أمني جدي وحازم". موقف دياب واضح، ما يجري يحتاج إلى قرار أمني، بمعنى أن لا حلّ إلا بالأساليب الأمنية، التخويفية والتخريبية. في كل الاجتماعات يثار موضوع تركيا والخلايا التي تحركها في لبنان، لا ينسى قادة الأجهزة الحديث عن البطولات في تفكيك شبكات الإرهاب واستعادة تجربة مرحلة العام 2014 مع تنظيمي داعش وجبهة النصرة. مثل هذه المعارك، لا تظهر فيها الحقائق، فلطالما أوقف أشخاص لا علاقة لهم وحمّلوا مسؤولية تفجيرات. وفيما بعد، أُطلق سراحهم بكل صمت وبلا ضوضاء على عكس إثارة الضوضاء لحظة توقيفهم وإدعاء الانتصارات والإنجازات.

كلام دياب ليس كلام رئيس حكومة، بل كلام شخص في المعارضة. مؤشر كلام دياب وقبله كلام جبران باسيل عن أن ستة رؤساء أجهزة أمنية يسهلون الدخول التركي، ويغضون النظر عنه، وتحصل وشايات على بعضهم البعض، أخطر ما يكون. الشعبوية هنا قاتلة، تكرّس انقساماً بين الأجهزة الأمنية، تماماً كما هو الحال بالنسبة للانقسام حول ملف الكهرباء بين القطاع الرسمي وقطاع المولّدات، وفي ملف الفيول ومحطات المحروقات. وما ينطبق على ثنائية الجيش من جهة وحزب الله من جهة أخرى، هناك من يسعى بهذه الخفّة أو الخبث ربما، لإرساء منطق الثنائيات الأمنية المنقسمة، لأهداف بظاهرها تظهر تافهة أو شعبوية، لكنها في باطنها تنطوي على مخاطر كبيرة، بمعزل عن الغاية المصلحية منها، باعتبار أن "الجسم التركي لبيس"، وتلقى الاتهامات لتركيا ترحيباً لبنانياً وعربياً، خليجياً بالتحديد.

خطايا ديبلوماسية 
من يطلع على مضمون كلام الرؤساء الثلاثة في لقاءاتهم مع وزير الخارجية الفرنسي يؤكد انعدام المسؤولية. كانت النميمة هي الطاغية في اجتماع كل واحد منهم مع لودريان، رئيس الحكومة حمّل رئيس الجمهورية والمجلس النيابي المسؤولية، رئيس مجلس النواب اعتبر أنه سلطة تشريعية وليس تنفيذية، أما رئيس الجمهورية فاعتبر أن رئيسي المجلس والحكومة يعرقلان الكثير، ولم ينس (كالعادة) تحميل المسؤولية إلى اللاجئين السوريين!

دياب الذي يريد أن يصارع الجميع، يمعن في تناقضاته. هو الذي كان يعوّل إلى حدّ كبير على زيارة وزير الخارجية الفرنسي، ها هو اليوم يفتح اشتباكاً جديداً معه، يعتبر أن لودريان غير مطلع على حيثيات مسيرة الإصلاح التي تقودها الحكومة. اتهم الرجل بقصور النظر وعدم التحضير الكافي لملفاته، معتبراً أن لديه نقصاً في المعلومات، ليستخلص في النهاية أن لا قرار دولي بمساعدة لبنان، طالما أن هناك شرطاً واحداً لهذه المساعدات، وهو أن تمر من خلال صندوق النقد الدولي. 

مضمون كلام دياب يوضح عدم إيمان الحكومة ولو للحظة بجدية التفاوض مع صندوق النقد. وما يجري ينطوي على مخاطر كبيرة، أصبح مؤكداً أنها تنطلق من هدف إفشال أي مفاوضات جدية أو أي خطة دولية. هذه ليست الخطيئة الديبلوماسية الأولى لدياب. فهو يريد مقاتلة الجميع في الداخل والخارج. اصطدم بكل القوى السياسية. اشتبك مع السفيرة الأميركية. وصارع كل القوى. الإلتباس مع لودريان ليس الأول من نوعه. بعيد تكليفه بتشكيل الحكومة تلقى دياب اتصالاً من وزير خارجية فرنسا، فأصدر مكتبه الإعلامي بياناً مغايراً بشكل كامل لمضمون البيان الفرنسي. تلك التجربة تكررت اليوم. وذلك بالتأكيد سيكرس جواً من انعدام الثقة ليس بأداء الحكومة فقط، بل على صعيد العلاقات مع الدول والشخصيات. وما ينطبق على ذلك ينسحب على كل ما يتم الإعلان عنه من مكائد ومؤامرات.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024