حركة نجيب ميقاتي الدؤوبة: كأنه رئيس الحكومة غداً

منير الربيع

الأحد 2019/05/12

لا يهدأ رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. يختار مواقفه عند كل محطة وحدث وكأنه يخوض انتخابات، أو كأنه في خضم حملة انتخابية. هذه الحال هي أسلوبه في العمل. نشاطه الدائم يبدو متسقاً مع هدف أساسي يضعه نصب عينيه. فهو تارة يظهر - كما في هذه الآونة - كأنه يسعى إلى العودة رئيساً للحكومة، وطوراً يظهر وكأنه مهجوس بإثبات زعامته الطرابلسية وتوكيد وجوده. في كلا الحالتين، لا ينفصل الهدف الأول عن الثاني، وإن كان هو أول العارفين بارتباط هكذا طموح ودور بالظرف المحلي والإقليمي، والذي لا يبدو حالياً سانحاً لعودته إلى السراي الحكومي. وربما أكثر ما يبعد ميقاتي عن السراي الكبير، هو وجود شخص إسمه ميشال عون، رئيساً للجمهورية، وجبران باسيل فاعلاً ومؤثراً بالمجريات السياسية.

عائق عون وباسيل 
يعرف نجيب ميقاتي أن التحالف بين عون والحريري غير قابل للاهتزاز حالياً، لكنه معرّض للسقوط في أي لحظة مستقبلاً، حالما تتغير الأوضاع، ويتكرر مشهد إسقاط حكومة الحريري في العام 2010. ويعرف أيضاً أنه ليس المفضّل لدى عون وباسيل، بناء على تجربة سابقة معه، اختصرت آنذاك بتقديم ميقاتي لاستقالته من رئاسة الحكومة، تحت ضغط معادلة رفعها عون آنذاك، وهي معادلة "لا أشرف ولا إشراف". في إشارة إلى عدم التمديد للواء أشرف ريفي على رأس قوى الأمن الداخلي، وعدم تعيين هيئة الإشراف على الانتخابات.

يوم جرى تكليف ميقاتي رئيساً للحكومة بعد إقالة حكومة الحريري، كان لدى عون خيار تفضيلي آخر. وحتّى بعد استقالة الحريري من المملكة العربية السعودية، لم يكن ميقاتي في حسبان خيارات عون، بل فضّل يومها الوزير السابق محمد الصفدي. وبما أن رئيس "تيار العزم"، عازم على الحركة دوماً، ولا يهدأ، فهو لا يتوانى عن محاولة تسجيل النقاط والتذاكي على الحريري، مع التنويع في الأسلوب واللغة طبعاً. فهو تارة يكون هجومياً "حرصاً على الموقع والصلاحيات"، وتارة أخرى يكون مسانداً للحريري على القاعدة نفسها، فيما بظروف أخرى تقوده إلى "التمايز" وبهدوء. ولأن طبيعته السياسية هي الحركة الدائمة (بعيداً عن الأضواء في أحيان كثيرة)، يحاول ميقاتي أن يكسب المزيد في الشارع السنّي، انطلاقاً من صورته كشخصية غير مقبولة لدى عون وباسيل.

مواجهة "العهد" لا الحريري 
في الانتخابات النيابية الأخيرة في طرابلس، أظهرت الأرقام أن ميقاتي هو الأول في الحاضنة السنية. وثمة من يعتبر أن الرجل حقق هذه الأرقام ليس بسبب الخدمات والمساعدات، ولا حتى بسبب المواقف السياسية أو السيادية، بل في جانب أساسي من شعور الناخبين، بأنه خارج "عباءة عون". وهذا ربما أفضل ما يتمناه الشارع السنّي، الذي يعارض الحريري على توجهاته.

كان ميقاتي قد بدأ حملته الانتخابية باكراً جداً، افتتحها بافتعال سجال مع الرئيس سعد الحريري على الصلاحيات، بعد إحدى جلسات مجلس الوزراء، التي عقدت في قصر بعبدا، وترأسها رئيس الجمهورية، الذي اضطر إلى المغادرة في منتصف الجلسة، فأولى رئاستها إلى الحريري، ما دفع بالأخير إلى التغريد شاكراً لرئيس الجمهورية على ثقته. عندها ثارت ثائرة ميقاتي، فرّد مغرّداً على الحريري بوجوب أن يعرف صلاحياته، لأنه هو رئيس الحكومة و"ليس بحاجة لشكر رئيس الجمهورية على ثقته". فذلك حسب ميقاتي مثّل ضرباً للرئاسة الثالثة، وكان من واجب الحريري أن يغادر ويعلن انتهاء الجلسة، أو يعقدها في السراي الحكومي، ولا يبقى مترئساً إياها على طاولة القصر الجمهوري.

غيّر ميقاتي من مساره التصادمي مع الحريري، وفق ما تقتضيه معاركه السياسية والانتخابية، فعند اشتداد أزمة الصلاحيات، كان ميقاتي من فريق رؤساء الحكومات السابقين الداعمين للحريري، دفاعاً عن صلاحياته في عملية تشكيل الحكومة. وهذه مواقف يتخذها غالباً، ليكون لها مردود شعبي في الشارع السني، فيراكمها إلى جانب مراكمات أخرى ضد "العهد"، الذي يُعتبر عند السنّة مسرحاً لإحباطهم وتطويقاً لفعاليتهم.

إلى رئاسة الحكومة
وكما افتتح ميقاتي معركته الانتخابية عام 2018 باكراً، ها هو اليوم كأنه يفتتح معركته الانتخابية مبكراً، من خلال جولات عديدة يقوم بها في طرابلس، على قاعدة الإنماء والتنمية وافتتاح الأسواق وتعزيز المشاريع.. ولا يتوانى عن شكر الحريري، الذي سيدعم العديد من المشاريع التي يتقدم بها رئيس العزم لصالح المدينة. فيظهر نفسه بأنه العامل على تحييد الخلاف السياسي في كل ما يصب في صالح المدينة وأبنائها. لكنه في المقابل أيضاً لا يتوانى عن التمايز في المواقف، كما هي الحال بالنسبة إلى توقيع نائبين من كتلته النيابية على الطعن المقدّم ضد خطّة الكهرباء، بخلاف الحريري الذي يوافق عليها.

يبقى ميقاتي مرشّحاً دائماً لرئاسة الحكومة، وطامحاً دوماً للدخول من باب السراي الكبير، لكن مشكلته هنا مثلثة الأضلع، أولاً أن أزمته من أزمة السنّة في البلد، على صعيد الخيار السياسي والقرار، وثانياً بسبب الظروف الإقليمية والدولية، وغياب أي رؤية جديدة قابلة لتغيير "الستاتيكو" القائم، ما يعني أن الحريري باق رئيساً للحكومة. فالحريري وحده يحظى بالدعم السعودي لهذه المهمة، بمعزل عن أي تفاصيل أخرى قد تعبّر عن عدم رضى السعودية على أي من الزعامات السنية في هذه المرحلة، لكن الحريري يبقى حاجة للجميع. وثالثاً، القوى القادرة على التغيير السياسي في لبنان، وفرض رئيس الحكومة الذي تريده، لا تعتبر أن ميقاتي يلبّي لها ما تريد، بناء على تجربة سابقة معه. فهو غير قادر على تقديم أي تنازل. لأن أي تنازل قد يضرّه شعبياً وسياسياً، ويضرب مشروع زعامته، بينما تلك القوى تجد في بقاء الحريري مصلحة أكبر، لأن المشروعية الشعبية التي يتمتع بها تسمح له بتقديم ما يريد من تنازلات، من دون أن يتضرر كما يتضرر ميقاتي.

لكن، ومع الضعف الظاهر والصعوبات المتفاقمة عند الحريري، بل ومع احتمال توسع الاضطراب في الشارع، بسبب الموازنة والأزمة الاقتصادية، لربما حدثت مفاجأة من نوع أن يُسقط الشارع وفوضاه الحكومة الحريرية.. وربما لهذا السبب، يبدو نجيب ميقاتي في هذه الأيام "متأهباً" و"جاهزاً".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024