افتراق عون - حزب الله اليوم.. والعناق غداً

منير الربيع

الأحد 2018/11/04

 

أن تبرز العقدة السنّية بهذه الحدّة والإصرار لدى حزب الله، وأن يقابلها رئيس الجمهورية ميشال عون بإصرار مضاد، رافضاً توزير سنّة 8 آذار.. يعني ذلك أن ثمة رسائل "مفخخة" متبادلة بين الحليفين الإستراتيجيين.

قد تكون مقتضيات المرحلة إيرانياً وشيعياً ، والحسابات الحسّاسة فيها محلياً وإقليمياً، هي التي فرضت هذا النوع من الإفتراق. لكن ما لا شك فيه، أن حزب الله أراد إيصال رسالة أساسية إلى عون من وراء الإصرار على توزير سنّة 8 آذار، كما يريد إيصال رسالة مشابهة إلى الحريري. فإذا كانت الرسالة السنّية تهدف إلى تحقيقه تقدّماً في ساحة الخصم، والقول للحريري إنه لم يعد الممثل الوحيد للطائفة السنية، ولا يمكنه الإستئثار بقرارها. فالحزب يوّجه أيضاً رسالة بالخطورة ذاتها إلى عون، مفادها: "لا يمكنك أن تكون الحاكم المستحكم بأمره في مجلس الوزراء، ولا يمكنك امتلاك صفتين، صفة رئيس الجمهورية، وصفة رئيس حكومة". لأن استحواذ عون على أحد عشر وزيراً يمنحه صلاحية إسقاط الحكومة والتحكّم بمسارها.

 

المرحلة الصعبة التي يمرّ بها حزب الله حالياً، تخلق بعض الإشكالات على الصعيد الداخلي اللبناني، بما فيها مع حلفائه، وبخاصة مع رئيس الجمهورية. وليس بالضرورة أن ينجم هذا التصادم عن قصد وتعمد، بل نتيجة إفتراق في المصالح، بسبب توجهات الحزب. قد يكون حلفاء الحزب مستعدين للدخول في مواجهة مع العرب كرمى لعيون الحزب، ولكن لا يمكن اتخاذ الخيار ذاته مع الأوروبيين والأميركيين، لا سيما في ظل الضغوط التي تمارس على لبنان.

 

عمق العلاقة بين الطرفين، قد يميل إلى توزيع الأدوار أكثر من مبدأ المواجهة أو الافتراق الفعلي. لكن لا يمكن تغييب الواقع الحرج الذي وصل إليه عهد الرئيس ميشال عون، خصوصاً أن لبنان مقبل على إستحقاقات جدية لا يمكن التلاعب فيها أو التساهل معها. وهذه قد تؤدي إلى إفتراق في نظام المصالح لدى الطرفين عند أحد المنعطفات. هذا لا يعني أن نظام المصالح المشتركة وشبكتها قد انتهيا. وهناك اعتبار آخر جدير بالانتباه: لا يريد عون في هذه المرحلة أن يظهر بمظهر التابع لحزب الله، بل يحرص على تقديم صورة الحكم الجدّي، على نحو لا يسمح بالتهاون أو الاستخفاف بالإستحقاقات الداخلية وواجبات الدولة.

 

صحيح أن عون محرج نسبياً، إذ أنه لا يريد قطع العلاقة مع الحزب، وفي الوقت ذاته لا يريد (أو لا يقدر) على إدارة ظهره إلى المجتمع الدولي. هذا قد يضع لبنان أمام مرحلة صعبة في سياق المنازعات الداخلية حول وجهة البلد وموقعه، خصوصاً وأن حزب الله لا يمكنه التخلي عن نفوذه الداخلي أو أدواره الخارجية، في لحظة يستعد فيها لمواجهة حملة "كونية" تسعى إلى تحجيمه وتقويض دوره الخارجي.

 

لذا، يقف حزب الله مجدداً أمام خيارين، إما الانضواء في الحياة السياسية اللبنانية حصراً، مع ما يستدعي ذلك من تسليم بشروط الدولة، لو محتفظاً بخصوصية معيّنة وامتيازات محددة... وإما أن يبقى على واقعه الحالي، ما سينعكس تهديداً لأحوال لبنان. إذ بقاء الحزب على سابق هيمنته وسطوته وأدائه يعني إستمرار الحزب بفرض سياسة خارجية، تستجر تلقائياً عقوبات خارجية على لبنان.

 

هناك من يعتبر أنه على الرغم من الأسلوب السيء والخاطئ بطرح توزير أحد نواب سنّة 8 آذار، فلهؤلاء شرعية شعبية أظهرتها الانتخابات تستأهل تمثيلاً وزارياً. وعلى هذا الأساس كان المبرر لتشدد حزب الله بمطلبه، حتى ولو كان اختيار التوقيت والتكتيك لاعتبارات خارجية.

 

أن يخرج ميشال عون ويقول إن هذا التصرف غير مسؤول وغير مقبول، فهذا ما دفع حزب الله إلى الإنزعاج إلى حدّ بعيد، وصولاً إلى الهمس بوجوب تذكير عون بما فعله الحزب لأجل وصوله إلى الرئاسة، وتعطيل البلد لأكثر من سنتين في سبيل حيازته لهذا المنصب.

 

 على أي حال، وبالرغم من كل هذه التباينات حالياً، فما بين عون وحزب الله علاقة وطيدة أبعد من أن تنتكس. الحزب بحاجة إلى غطاء عون المسيحي، الشعبي والرسمي. وبالمقابل، عون يريد "قوة" الحزب قريبة منه وإليه، ولن يكون الإفتراق إلاً مرحلياً، وحين يتعزز اللقاء مجدداً، فسيكون حتماً على حساب سعد الحريري والبلد برمّته.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024