"كذبة" إحالة وزراء الاتصالات للمحاكمة أمام مجلس غير موجود

أكرم حمدان

الخميس 2019/11/21

للوهلة الأولى سيعتقد من سمع أو قرأ خبر ادعاء النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم، على وزراء الاتصالات السابقين، نقولا صحناوي وبطرس حرب وجمال الجراح، وإحالتهم على المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.. أن "ثورة اللبنانيين" أو "انتفاضة" 17 تشرين الأول، قد بدأت في تحقيق بعض مطالبها في محاسبة الفاسدين في السلطة، واستعادة الأموال المنهوبة من الدولة.

إلا أن من يتعمق بهدوء، في دور الجهة التي أحيل إليها الادعاء وواقعها، أي المسمى "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء"، سيُصاب حتماً بالصدمة واليأس، لأن هذا المجلس (وباعتراف خبراء في القانون والدستور وحتى ممن تم الادعاء عليهم) هو غير موجود أصلاً. كما أن الإحالة إليه لا تعني سوى حماية هؤلاء الوزراء وليس محاسبتهم.

تركيبة المجلس
فالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء يتألف، وفق قانون إنشائه الصادر عام 1990، من سبعة نواب، ينتخبهم المجلس النيابي مع كل ولاية جديدة، وثلاثة نواب آخرين كأعضاء ردفاء، إضافة إلى ثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبةً، حسب درجات التسلسل القضائي، أو بالنظر إلى الأقدمية إذا تساوت درجاتهم.

ويعتبر هذا المجلس المرجع الوحيد الذي يمكن أن يحاكم الرؤساء والوزراء، على عكس النواب الذين يحاكمون في المحاكم العادية.

وعلى الرغم من تأخره لمدة نحو سنة تقريباً، فقد انتخب مجلس النواب الحالي في جلسته التشريعية التي انعقدت في 6 آذار 2019، سبعة نواب أعضاء في هذا المجلس وهم: جورج عقيص (القوات اللبنانية)، علي عمار (حزب الله)، فيصل الصايغ (الحزب التقدمي الاشتراكي)، جورج عطاالله (التيار الوطني الحر)، سمير الجسر (تيار المستقبل)، أغوب بقرادونيان (حزب الطاشناق)، وإلياس حنكش (حزب الكتائب) أعضاء أصيلين، والنواب: رولا الطبش (تيار المستقبل)، سليم عون (التيار الوطني الحر)، وعلي عسيران (كتلة التنمية والتحرير) أعضاء رديفيين أو احتياطيين.

أما بالنسبة للقضاة، فقد أرسل في حينه الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى، القاضي جان فهد، إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، لائحة بأسماء جميع القضاة رؤساء الغرف، كممثلين في المجلس، إلا أن برّي طلب إليه الاختيار من بينهم ثمانية قضاة، وحتى الآن لم يتم الاختيار. لذا لا يزال استكمال أعضاء المجلس نائماً. وبالتالي، فإن هذا المجلس بحكم غير الموجود حتى الآن.

شروط مستحيلة
وبمعزل عن مواقف الجهات السياسية المختلفة، وخصوصاً الوزراء المعنيين، الذين رأى بعضهم في الإحالة استهدافاً سياسياً، كالوزير جمال الجراح، فيما أبدى الوزير السابق نقولا صحناوي استعداده للمثول أمام القضاء المختص.. فإن الموقف الأكثر جرأة كان للوزير والنائب السابق بطرس حرب، الذي قال: "كان يجب على المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم أن يكون أكثر شجاعة، وأن لا يتلطى وراء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لأنه كذبة كبيرة. كان عليه أن يدعي شخصياً، ويحيل الملف أمام ​القضاء​ العادي". مبدياً استعداده للمثول أمامه والتخلي عن أي حصانة.

وترى مصادر "المدن" أن الإحالة تمت على مؤسسة ليست قائمة إلا على الورق. وبالتالي، فقد منعت المحاكمة عن المدعى عليهم قبل التحقيق، وتمت تبرئتهم قبل المحاكمة. إذ كان يجب على القاضي إبراهيم إحالة الملف على قاضي التحقيق الذي يقرر إما منع المحاكمة، أو الإحالة على محكمة الجنايات.

وتشير المصادر إلى أن هذا المجلس عبارة عن هيئة برلمانية قضائية، لم يسبق له أن اتهم أحدًا منذ إنشائه، وآلية المحاكمة من خلاله معقدة وتتضمن شروطاً تعجيزية، وكأنها وُضعت بهدف تكبيل عمله.
ومن أبرز تلك الآليات تعقيدًا أنّ قانون المجلس يفرض تأمين ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب كشرط أساسي لتوجيه الاتهام وإحالة المتهم. أي يجب أن يصوّت 86 نائبًا لصالح اتهام رئيس أو وزير. وهو شرط مستحيل التحقق في ظل التركيبة السياسية والمذهبية للكتل البرلمانية، ولتبعية الأعضاء النواب الذين يتألف منهم المجلس، حزبياً وسياسياً وحتى مذهبياً.

كذلك، فإن جدلاً كبيراً لا يزال قائماً منذ صدور قانون إنشاء هذا المجلس، والمحاولات التي جرت لتعديله، خصوصاً حول ما إذا كانت الإحالة أمامه تشمل كل شيء أم الخلل الوظيفي فقط.

تعديل قانون المجلس
وبينت سوابق حدثت في المجلس النيابي، عدم فعالية قانون إنشاء هذا المجلس، وضعف قدرته على العمل، ومنها جلسة مجلس النواب التي عقدت بتاريخ 19 كانون الأول 2004 وخصصت لتفسير المادتين الدستوريتين 60 و70 المتعلقتين بأصول محاكمة الرؤساء والوزراء.

وكان من أبرز المطالبين خلالها بتعديل قانون المجلس، الرئيس السابق حسين الحسيني والنائب السابق بطرس حرب وغيرهم. كما جرت محاولات في العام 2007 من قبل لجنة الإدارة والعدل، برئاسة النائب السابق الراحل روبير غانم، لدراسة اقتراح قانون لتعديل قانون المجلس. وكان للنائب والوزير السابق والقانوني بهيج طبارة وهيئة تحديث القوانين دور في إعداد التعديلات التي تبناها غانم.
وكان لطبارة رأي في حينه حول سبب التباين والاختلاف في النصوص الناتجة عن نص المادة 70 من الدستور التي بقيت كما كانت منذ عام 1926.

وهو من القائلين بأن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء سيبقى "حبراً على ورق"، ما لم يتم تعديل قانون إنشائه وخصوصاً لجهة توضيح نص المادة 70 وعبارة "الإخلال بواجبات الوظيفة" الواردة فيها. ما أدى إلى وجود نظريتين: الأولى، تقول بأن كل جرم يرتكبه الوزير ما كان ممكناً ارتكابه لو لم يكن الشخص المعني وزيراً، وتطالب بمحاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وتدعو الثانية إلى اعتبار ما يرتكبه الوزير جرماً جزائياً، ما يستدعي محاكمته أمام المحاكم العادية.

في المحصلة، ما بين "الكذبة" و"الحبر على ورق" وغيرها من التوصيفات، تبقى عملية الادعاء وإحالة وزراء الاتصالات السابقين بطرس حرب ونقولا صحناوي وجمال الجراح أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مجرد خبر تتداوله وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، وفيه الكثير من الخداع للجمهور، وليس له أي مفعول جدي وحقيقي. كما أن هذا الادعاء يطرح أيضاً السؤال عن استثنائه وزراء آخرين تولوا إدارة هذه الوزارة، كالوزيرين السابقين شربل نحاس وجبران باسيل وغيرهما.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024