نواب يحملون المواطنين مسوؤلية أضرار "نورما"

أكرم حمدان

الجمعة 2019/01/11

هدأت العاصفة "نورما". وينتظر اللبنانيون عاصفة جديدة خلال الأيام المقبلة، من دون معرفة ما إذا كانت العواقب الآتية ستكون شبيهة بما خلفته "نورما"، التي استنفرت "نواب الأمة" بعد هدوئها، خصوصاً في لجنة الأشغال العامة والطاقة والمياه.

وكالعادة، عندما تقع الواقعة تتحرك مختلف السلطات، لكي تقوم بواجبها من أجل "سلامة المواطن"، وإصدار التوصيات المناسبة وفقاً للواقعة. وبما أن العاصفة "نورما" تتحمل مسوؤلية الإنهيارات التي حصلت في بعض الطرقات والأوتوسترادات الرئيسية العامة، وكذلك الفيضانات، التي ربما تشترك في المسؤولية بسبب ارتفاع نسبة المتساقطات غير المتوقعة، حسب توصيف بعض النواب لواقع حال إجتماع اللجنة، الذي خُصص للبحث في نتائج العاصفة "نورما"، في ساحة النجمة.

وهنا يسري الرأي القائل إن المواطن يتحمل المسوؤلية، نتيجة المخالفات والتعدي على الأملاك العامة في أماكن كثيرة، وفقاً لتصنيف وتحديد المسوؤليات خلال الاجتماع. إلا أن المفارقة كانت في تجاهل أو ربما نسيان بعض نواب الأمة ومشرعيها لاقتراح قانون إنشاء هيئة إدارة الكوارث، المقدم من الرئيس والنائب السابق للجنة الأشغال محمد قباني، منذ العام 2012، والذي تحول إلى اللجان النيابية المشتركة ثم شُكلت له لجنة فرعية وبُحث ودُرس حتى العام 2013، حين توقف، بسبب الخلاف على رئاسة الهيئة، التي اقترح البعض أن تكون برئاسة رئيس الجمهورية، فيما ينص الاقتراح على أن تكون برئاسة رئيس مجلس الوزراء.

توصيات وتجاهل لـ"هيئة الكوارث"
وحسب رئيس اللجنة، النائب نزيه نجم، فقد أوصت اللجنة بعد اجتماع "نورما" بتشكيل لجنة دائمة لتوقع أخطار الكوارث وإدارتها، تتمثل فيها كل الوزارات والإدارات المعنية،ووضع خطة للتوقعات والمعالجة على المستوى العاجل، والبعيد المدى، لمعالجة أسباب الفيضانات، والتأكيد على ضرورة إجراء التحقيقات اللازمة في الفيضانات التي حصلت، وملاحقة المسببين والمذنبين ومحاكمتهم، وإعلان الحقائق للمواطنين، سواء على مستوى الخلل المحتمل في التخطيط أو التنفيذ، أو لجهة الاعتداءات على مجاري الأنهر.

وشكلت اللجنة لجنة فرعية تضم النواب: نزيه نجم، حسين الحاج حسن، شامل روكز، حسين جشي. مهمتها المتابعة على الأرض، مع وزير الأشغال، ومتابعة الإجراءات من الضرر ومنع تكرار ما حصل ومحاسبة المقصرين. 

وانتهى تصريح رئيس اللجنة من دون الإشارة من قريب أو بعيد إلى إقتراح قانون إنشاء هيئة إدارة الكوارث، الذي يتضمن في مواده ما هو أوسع وأكبر من توصيات اللجنة، لجهة تفادي تكرار هكذا أضرار، فيما لو أصبح قانوناً نافذاً الآن.

روكز والمتابعة الميدانية
عضو اللجنة الفرعية لمتابعة الإجراءات، وعضو تكتل "لبنان القوي"، النائب شامل روكز قال لـ"المدن": "جرى خلال الاجتماع تحديد للمسوؤليات، على مستويين. الأول، وهو مسؤولية المواطن عن المخالفات في البناء والتعدي على الأملاك العامة، الذي قد يساهم في الفياضانات. والثاني، كمثل حال ما جرى في الضبية مثلا، فهو ربما يكون شبيه بما حدث في الرملة البيضاء. ولكن، قد يكون عن طريق الخطأ وليس مقصوداً. وهو ما ستكشفه التحقيقات، إضافة إلى عامل كميات المياه الغزيرة التي لم تكن عادية".

وتابع روكز:" إن الجهد والعمل اللذين ظهرا من قبل الوزارات والإدارات كان فردياً، وبطريقة غير منظمة. بينما المطلوب في هكذا حالات، هو تشكيل خلية أزمة بإدارة رئاسة مجلس الوزراء لمتابعة كل الوزارات والإدارات"

وأكد أنه من موقعه في اللجنة الفرعية سوف يتابع ميدانياً، للتأكد من حسن سير وتنفيذ التوصيات، التي أقرت في اللجنة خصوصاً في الأيام المقبلة. وما هو متوقع بالنسبة للطقس.

تقاذف المسوؤلية والمرامل والكسارات
أما عضو كتلة التنمية والتحرير، النائب محمد خواجة، فقد ألمح لـ"المدن" بأنه ربما يكون الحق على "نورما"! مؤكداً أنه طالب بإجراء تحقيق لتحديد المسوؤليات، على الرغم من السرد الذي قدمه النواب عن الأضرار، كل في منطقته. وكذلك، ما عرضه وزير الأشغال العامة والنقل يوسف فنيانوس عن الطرقات العامة، التي تضررت، والإصلاحات التي قامت بها فرق وزارة الأشغال في هذه الطرقات. لكن خواجة لفت إلى ثمة دور ربما للمرامل والكسارات في التسبب بإقفال المجاري. ما ساهم في تفاقم أزمة الفيضانات.

أما النائبة المعترضة بولا يعقوبيان فقد قالت لـ"المدن" : "كل طرف يرمي المسوؤلية على الآخر. ويبدو أن الشعب هو المسوؤل الأكبر، والمسوؤلين غير مسوؤلين، لأن الجميع يتحدث عن ورثات ثقيلة في الوزارات والإدارات. والبعض يتحدث عن ارتفاع نسبة المتساقطات غير المتوقعة، والتي لم تحصل في لبنان منذ أكثر من ثلاثين سنة. وبالتالي فإن الحق على الطبيعة" (بلهجة استغراب).

وكانت يعقوبيان قد غردت، عند بداية جلسة لجنة الأشغال، على حسابها على تويتر قائلة: "لم يكن في ضهر البيدر أثناء العاصفة إلا عشرة عناصر أمنية فقط، حسب وزير الأشغال".

وأردفت: "حمل الشماسي وأكياس التسوق ومرافقة عائلات المحظيين، ليست من إختصاص القوى الأمنية. ألف تحية ودعم لهم في مهامهم الوطنية. ومن يريد مواكب تشبيح فليعملها على حسابه".

وحدها ربما عضو كتلة "المستقبل"، النائبة ديما جمالي، التي شاركت في جانب من اجتماع اللجنة، قد تكون غردت خارج السرب، لأنها حضرت إلى المجلس وهي ليست عضواً في اللجنة، بهدف إطلاق ما أسمتها صرخة باسم المواطن بعد العاصفة "نورما"، متسائلة كما المواطن: من هو المسوؤل عما جرى؟ وداعية في مؤتمرصحافي عقدته في مجلس النواب، إلى "وقف تعطيل المؤسسات والإهمال والحرمان، بحجج غير منطقية، لأن المواطن لم يعد يهمه الإستماع إلى السياسة، بل همه الوحيد تأمين أبسط حقوقه الخدماتية". 

اقتراح قباني
في الثاني من شهر شباط عام 2012 تقدم النائب أنذاك محمد قباني، ورئيس لجنة الأشغال في حينها، باقتراح قانون لإنشاء هيئة إدارة الكوارث، يتضمن عشر مواد إلى جانب الأسباب الموجبة.

ومن أبرز مواد هذا الإقتراح عمل هذه الهيئة على مواجهة جميع أنواع الكوارث الطبيعية، وتلك الناتجة من النشاط البشري وتداعياتها، بمراحلها كافة. أي من مرحلة الدراسة والتخطيط والتجهيز والإستعداد، لمنع حصول الكارثة، والحد من مخاطرها، إلى مرحلة الاستجابة للكارثة وإدارتها،وصولاً إلى مرحلة النهوض المبكر وإعادة التأهيل.

و ترتبط الهيئة، وفقا لإقتراح قباني، برئيس مجلس الوزراء مباشرة وتتألف من: مجلس أعلى يترأسه رئيس مجلس الوزراء، ويضم وزراء الدفاع الوطني، الداخلية والبلديات، الصحة العامة، الشؤون الاجتماعية، الأشغال العامة والنقل، البيئة، الطاقة والمياه والزراعة والمالية.

وتعتبرهيئة إدارة الكوارث الهيئة الرسمية الوحيدة المعتمدة لكل اعمال الكوارث والإنقاذ، وتلغى سائر اللجان والهيئات والمديريات، التي أنشئت في السابق لهذا الهدف، ولا سيما الهيئة العليا للاغاثة، والمديرية العامة للدفاع المدني. وتنتقل إلى الهيئة جميع مهماتهما وأعمالهما وموجوداتهما العينية والمالية والبشرية.

وقد أعد هذا الإقتراح بعد كارثة إنهيار مبنى فسوح في الأشرفية في العام 2012. لكن الخلافات السياسية، والخلاف على الصلاحيات، أوقفه في فرعية اللجان المشتركة، التي خُصصت له منذ العام 2013. إذ قدم عضو كتلة نواب "حزب الله" آنذاك نواف الموسوي جملة ملاحظات أبرزها :"ينشأ مجلس أعلى لإدارة الكوارث يكون برئاسة رئيس الجمهورية، على أن يضم رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الدفاع والداخلية والصحة والأشغال والطاقة والإتصالات والشؤون الإجتماعية والإقتصاد والإعلام والزراعة والخارجية والمال" .

وطالب الموسوي بأن "يعيّن الأمين العام للهيئة لمدة ست سنوات، غير قابلة للتجديد، على أن تضم الأمانة العامة للهيئة المدير العام للدفاع المدني والأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية ورئيس مجلس الإنماء والإعمار".

تبقى الإشارة أخيراً إلى أن اقتراح قباني، كان سبقه إقتراح شبيه منذ عام 2001 للنائب الراحل بيار أمين الجميل، يتعلق بانشاء الجهاز الترقبي للحوادث. وقد درس حينها في لجنة الأشغال وقتاً طويلاً من دون نتيجة، وكانت آخر جلسات اللجنة في 14 تشرين الثاني 2006، في حضور الجميل نفسه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024