الحزب والتيار: الخلافات الوجودية في التحالف "الوجودي"

نادر فوز

السبت 2020/05/23
يتجرّع حزب الله، وجمهوره أولاً، بعضاً من السموم التي يعمل التيار الوطني على طبخها في معامله الخاصة. لسنوات، صفّق هذا الجمهور لنواب وقيادات في التيار العوني يهاجمون السياسيين الخصوم ويشنّون الحملات على مصنّفين أعداء. هلّل هذا الجمهور لكل ذلك. صفقّ، دعم، وأعاد نشر هذا السمّ بصفته انتصاراً يحطّ من قيمة الخصوم والأعداء. ما لم يكن باستطاعة الحزب قوله، قاله عنهم العونيون، وبعدها الباسيليون. مواقف لاذعة، شتم وشتم مضاد، وانزلاقات لا تسمح "أخلاق" الحزب بالنزول إليها، ولو أنه يمكن أن يعلن 7 أيار يوماً مجيداً بكل ضمير وأخلاق. أو يمكنه أنّ يدّعي انتصاراً إلهياً في تهجير السوريين من قراهم وبلدهم ودعم الظالم على حساب وجودهم، انتصار شبيه بانتصار التحرير أو 2006.

تحالف الوجود
لا يزال الوضع مضبوطاً نسبياً بين جمهوري حزب الله والتيار الوطني الحرّ على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن ذلك لا يلغي أنّ هذه المنصّات تغلي، وأنه خرج إلى العلن تهديد التركيبة السياسية التي لطالما تغنّى بها الطرفان على أنها فوق كل اعتبار وفوق كل شيء. قالا إنها علاقة استراتيجية، من أساسات بناء لبنان الجديد، لجمهورية جديدة وتفاهمات سياسية واجتماعية وثقافية. تركيبة تجمع السلاح من جهة، والغطاء الوطني من جهة. الإصرار والكيدية. القوة والانتهازية. يحمل طرف عنواناً وجودياً أول اسمه "تحرير فلسطين"، والثاني عنواناً وجودياً آخر مكرّساً باسم "وجود المسيحيين" في لبنان والشرق. عنوانان كبيران، ضخمان. مشروعان تصارعا لعقود، نزفا الدماء وزفّا الشهداء والجرحى والأيتام. كانا نقيضين في الوجود إلا أن تبدلّت المصالح السياسية وأهواؤها.

عناوين وخلافات وجودية
تشعّب العنوان الأول، وبدأ تحرير القدس من القصير وصولاً إلى القلمون وحلب وإدلب ودرعا، حتى العراق والبحرين واليمن. أما "وجود" المسيحيين في لبنان، فتوسّع بدوره ليصبح "من الموصل إلى طنجة". إلا أنه فعلياً "وجود" يتوقّف عند حقيبة وزارية هنا، أو إدارة مرفق هناك، وصولاً إلى تعيين مدير عام في مصلحة حكومية. هذا يدعم ذاك، وذاك يغطي هذا، إلى أنّ وصلت الموس إلى الذقن. أيهما؟ الاثنتين معاً، والآن المحافظة على الرقاب مهمة أساسية، وجودية أيضاً ولا غنى عنها. ضغوط مالية دولية على حزب الله، تهدّد بدربها الباسيليين ومن حولهم. ومساعدات سياسية واقتصادية مشروطة. طموح رئاسي لا يرتدع. وكل هذا في ظلّ ملفات "وجودية" عالقة، بين السلاح والعملاء (المبعدين بلغة الباسيليين) واستعادة العلاقة بدول الخليج لاسترجاع بعض من العلاقات الخارجية وما توفّره من أمن وأمان. وبحسب النظرة العونية، فإنّ لمعمل سلعاتا مهمة وجودية أيضاً. فكما شعاري "فلسطين" و"المسيحيين" وجوديين، فإنّ الخلافات بين الطرفين وجودية أيضاً، كلّ على قياسه.

الهجوم العوني
علّ أخطر ما خرج عن العونيين في الساعات الأخيرة، ما صدر عن النائب آلان عون بإشارته إلى ضرورة الوصول إلى استراتيجيا دفاعية مرجعيتها الدولة. نكء النائب عون ملف الاستراتيجيا الدفاعية، المفترض أنها أغلقت مع الرئيس الخشبي ميشال سليمان. يعيد ذلك طرح سلاح حزب الله على طاولة الحوار، أو على الأقل هذا تهديد بذلك. وترافق ذلك مع موقف آخر صادر عن النائب جورج عطا الله الذي قال إنّ "نظرية الحلف الاستراتيجي والتحالف بالخط العريض مع البعض الذي يطعننا بالظهر في الملفات الداخلية لم تعد تنفع، والأمور ستكون واضحة من اليوم وصاعداً". وقبله موقف النائب زياد أسود الذي قال إنّ "حزب الله لن يصمد من دون تضامن وطني والتفاف حول المقاومة"، الذي تبعه موقف القيادي في التيار ناجي حايك الذي غرّد أنه "ليس للبنان مصلحة بالخلاف مع الخليج العربي ولا مع أميركا التي يربطنا بها 3 ملايين أميركي من أصل لبناني. يعني بدك تعيش قبل ما تتفلسف". احتدّت المواجهة، وما على الجمهورين إلا إشعال الحماسة خلف شاشات مواقع التواصل الاجتماعي، بانتظار المزيد.

أجّل الأمين العام لحزب الله الملفات الداخلية إلى إطلالة مقررة الأسبوع المقبل، وحصر خطابه الأخير بـ"يوم القدس" وفلسطين. إلا أنه مرّر ما يجب تمريره حول الخيارين المطروحين "الموت جوعاً أو الاستسلام". حاول من خلال ذلك امتصاص كل "الهمروجة" الحاصلة. فإن كانت إقامة هذا التحالف خطوة استراتيجيةً، ففكّه ضرب آخر من الاستراتيجيا. لكن المشكل وقع. تشقّقت الجرّة. وانكسارها مرهون بما فيها من ماء وضغط.

ثمة منظومة سياسية متكاملة ممتدة من لبنان إلى العراق، مروراً باليمن، وأخرى تجلس على ظهرها لتغطّيها وتحقّق المكاسب مهما كانت دونية. عصفور يأكل البعوض على ظهر وحيد القرن في السافانا. من حولهما نمور تتلقّف، ولا خيار لنا سوى متابعة المشهد ولو أنّ الثلاثة ينغصون علينا حياة القطيع.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024