العالم "يرمي" اللاجئين السوريين تحت مقصلة التطهير الأسدي

منير الربيع

الجمعة 2018/11/16

 

في أواخر العام 2011، غادرت إحدى عائلات قرية الباروحة، في ريف حمص، منزلها باتجاه الحدود اللبنانية. دخلت العائلة المؤلفة من ثلاثة أشقاء وزوجاتهم وأبنائهم إلى لبنان من جهة تلكلخ.

بعد استتباب الأوضاع الأمنية في البلدة، عاد أحد الأشقاء مع عائلته إليها.

والباروحة بلدة قريبة من تلكلخ، أهلها من السنّة والعلويين. وأثناء اشتداد وتيرة المعارك أبان الثورة، هاجر السكان السنّة إلى مناطق أكثر أمناً. وكانت تلك أولى المناطق التي حدثت فيها عمليات الفرز الديمغرافي في سوريا.

في أواخر العام 2017، عاد الشقيق الآخر مع عائلته إلى الباروحة، فتمّ اعتقاله ووضعه في السجن. وبدأت مضايقات الموالين للنظام تتوالى على أفراد هذه العائلة. فتارة يتم منعهم من التجول، وتارة أخرى يتم الاعتداء على ممتلكاتهم.

 

تطهير طائفي

 قبل فترة دخلت مجموعة موالية للنظام إلى بيت ومزرعة الرجل المسجون، حيث تمّت سرقة ماشيته، وإحراق منزله.  مع أجبر الزوجة وأبناءها على مغادرة المنزل إلى بيت شقيق زوجها، بانتظار ترميم المنزل المحروق. لكن التهديدات لاحقتها محذرة إياها من العودة.

وفيما بعد، يكتشف بعض المهجّرين أنه تمّت سرقة عشرات صكوك وسندات الملكية، لعائلات مماثلة، في الباروحة، في إشارة واضحة إلى إصرار النظام و"جماعته" على تطهير قرى من سكانها وعلى تحديد مناطق ممنوعة على أهلها أبداً، بما ينسجم مع عمليات التغيير الديمغرافي الممنهج.

بلدة الباروحة تجسّد واقعاً أوسع في سوريا ككل، وبخاصة في ريف دمشق وحمص. بحيث هناك مدن عديدة، أبرزها القصير، ممنوع على أهلها العودة إليها، لأسباب طائفية - ديمغرافية، موائمة لرؤية النظام لما يسميه "التخطيط المدني الجديد".

 

المرعبي: قتل منهجي

وزير الدولة لشؤون اللاجئين في لبنان، معين المرعبي، رفع الصوت عالياً، مطالباً المجتمع الدولي بالتدخل، معلناً أنه منذ أواخر حزيران الفائت، وبعد عودة دفعة من اللاجئين باتجاه فليطا في القلمون، تلقّى لبنان معلومات موثقة، حول حصول عمليات قتل عمد للعائدين. ويشير المرعبي إلى أنه وضع تلك الحوادث، في بداية الأمر، في خانة عمليات الثأر الشخصي. لكن تزايد أعداد الإعتقال وعمليات القتل، أوضح أن هناك عمليات ممنهجة للإنتقام من هؤلاء، أو لدفعهم إلى مغادرة مناطقهم مجدداً.

 

في مقابل كلام المرعبي، تستمر عمليات تنظيم إعادة قوافل اللاجئين من لبنان إلى سوريا، بإشراف من الأمن العام اللبناني. لا يريد مرعبي إلقاء الإتهام على جهات محلية، بقدر تنبيه المجتمع الدولي إلى مسؤولياته، في توفير الحدّ الأدنى من مقومات السلامة للعائدين.

 

التخلّص من اللاجئين

يقول المرعبي لـ"المدن": "أمام كل ما نراه، فإذا ما أردنا إعادة اللاجئين بشكل حقيقي وإنساني، فلا بد من كشف حقيقة وملابسات هذه الحوادث الممنهجة، لتوفير الحدّ الأدنى من الأمن والأمان لهم. ولذلك نحن نضع كلامنا برسم المعنيين، وبرسم القائمين على المبادرة الروسية، التي نصّت على ضمان سلامة العائدين، وبرسم كل الأجهزة التي تعمل على إعادتهم، وبخاصة جهاز الحماية لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين. لا يمكن السكوت عن هذه الممارسات، إذا ما أردنا التعاطي بمنطق الدولة والمؤسسات، ولأجل طمأنة أكبر عدد من اللاجئين للعودة إلى سوريا. الشفافية مطلوبة في هكذا مهمة".

 

لا يبدو المرعبي متفائلاً حول ما يحدث، إذ يعتبر أن "الغرب الذي يتحدّث بحقوق الإنسان والديموقراطية، نراه يتصرّف على عكس ما يدّعيه تماماً، هناك ممارسات عنصرية وأنانية تجاه اللاجئين، وبعض الدول التي تدعّي حماية حقوق الإنسان واللاجئين، لا تعير أي أهمية لملف السوريين، وهم يريدون فقط إلقاءهم بعيداً عن أراضيهم، مهما كان ما سيواجهونه، مهما كان مصيرهم".

 

الخطر الأكبر، بالنسبة إلى المرعبي، هو ما يبلغه النظام لعائلات كبيرة بأكلمها، بأنه ممنوع عليهم العودة إلى مناطق معينة. بمعنى أنه يمكنهم العودة إلى سوريا، ولكن ليس إلى مناطقهم الأصلية. وهذه المعطيات يربطها الوزير أيضاً باللوائح التي يتم وضعها بالتنسيق بين الأجهزة السورية واللبنانية، وهدفها فرز هؤلاء اللاجئين، والمناطق التي من المسموح العودة إليها، أو الممنوعة عنهم. وهذا يؤكد استكمال عملية التطهير الديمغرافي في فرز اللاجئين. القصة كبيرة وممنهجة وليست تفصيلاً بسيطاً. وتتورط بها دول ومؤسسات عديدة، حسب تأكيد المرعبي. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024