مكافحة الفساد ووقف الهدر: 500 ألف مستند!

أكرم حمدان

الثلاثاء 2019/02/26

من يراقب ويتابع حركة النواب واللجان، منذ جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة "إلى العمل"، ومنحها الثقة، يعتقد أن ملف مكافحة الفساد ووقف الهدر في إدارات ومؤسسات الدولة قد بدأ يأخذ مساره، وأن رحلة المحاسبة وحماية حقوق المواطنين، انطلقت فعلاً، بعدما تحول شعار مكافحة الفساد إلى عنوان للخطابات والمواقف النيابية، التي صدحت تحت قبة البرلمان، ورُفعت خلال الحملات الانتخابية الأخيرة، لدى البعض منهم، إن لم نقل كلهم، في أيار العام 2018.

المشهد الآتي من ساحة النجمة، لجهة الأرقام والمستندات، المتعلقة بالتوظيفات السياسية والانتخابية، المخالفة للقانون، والمتعلقة بتدقيق الحسابات المالية منذ عشرات السنين، ربما يوحي باستهداف فريق سياسي معين دون سواه من القوى، الشريكة والمشاركة في السلطة.. ولو أن الجميع يتحدث عن الشفافية والخضوع للقانون.

وزارات وبلديات لم تردّ على التفتيش
كشف تقرير التفتيش المركزي، المتعلق بالتوظيف خلافاً للقانون، أن كلاً من قائمقاميات قضاء الشوف، قضاء كسروان، قضاءالمنية وقضاء بعلبك الهرمل (وزارة الداخلية) لم ترد على طلب التفتيش، حول التوظيف حتى تاريخ 22 شباط 2019 (إعداد التقرير). كذلك فعلت إدارة الجمارك (وزارة المالية)، والمكتب الوطني للدواء (وزارة الصحة)، وكل من المعهد الوطني العالي للموسيقى، وهيئة رعاية شؤون الحاج والعمرة، إضافة إلى 151 بلدية من مختلف المحافظات والأقضية (تحتفظ "المدن" بلائحة بها).

ويبدو أنه كلما دخل النقاش في عمق أزمة الفساد، كلما تشعبت وتعقدت الأمور أكثر. فالأرقام في أعداد الموظفين خلافاً للقانون، تزداد من يوم إلى آخر، ومن تقرير إلى آخر، كما أن أرقام الحسابات المالية ومستنداتها وصلت إلى ما يزيد عن 500 ألف مستند. والنائبين إبراهيم كنعان وحسن فضل الله، لن يتراجعا عن متابعة هذه الملفات، ويريدان مواكبة الإعلام والسلطة الرابعة.

4695 موظفاً خلافاً للقانون
خلال أسبوع، ووفقاً لما أعلنه رئيس لجنة المال والموازنة، النائب ابراهيم كنعان، ارتفع عدد الموظفين خلافاً لقانون سلسلة الرتب والرواتب، الصادر في العام 2017، حسب تقرير التفتيش المركزي من4580 إلى 4695 موظفاً، من ضمنها ابتكارات وإختراعات لتسميات وظيفية كمثل "المستعان بهم" أو تسميات أخرى لا يتضمنها القانون.

ولفت كنعان، بعد اجتماع لجنة المال، الذي خصص لمناقشة تقرير التفتيش وتقرير مجلس الخدمة المدنية، إلى أن "ملف التوظيف سيبقى مفتوحاً، مهما استغرق من وقت. ستكون هناك جلسات أكثر للاستماع إلى وزارات وإدارات أخرى، للتعمق في الملف. وجلسة الثلاثاء، ستخصص للاستماع إلى وزارة التربية".

وتحدث كنعان عن إرساء معايير ومبادىء، لتحديد المخالف من غير المخالف، عطفاً على المادة 21 من قانون السلسلة والمادة 13 من قانون نظام الموظفين. فالمادة 21 من قانون السلسلة تنص على "منع جميع حالات التعاقد والتوظيف، بما فيها القطاع التعليمي والعسكري، بمختلف مستوياته واختصاصاته، وفي المشاريع المشتركة مع المنظمات الدولية المختلفة، إلا بقرار من مجلس الوزراء، وبناء على تحقيق تجريه إدارة الأبحاث والتوجيه"، و"على الحكومة إنجاز مسح شامل يبين الوظائف الملحوظة بالملاكات، والوظائف التي تحتاج إليها الإدارة للقيام بالمهام الموكلة إليها..."، و"على الجهات المكلفة من مجلس الوزراء من القطاعين العام والخاص إنجاز المهمة في مهلة لا تتجاوز الستة أشهر". فهل جرى التحقيق؟ وأين هذه المهلة منذ العام 2017؟
كذلك فإن البند الخامس من المادة 13 من قانون الموظفين، تشير الى أنه "إذا جرى التعيين في وظيفة غير شاغرة في الملاك، أو في وظيفة لم يرصد لها اعتماد خاص في الموازنة، يحظر على كل من المصفي والآمر بالصرف، تصفية النفقة الناجمة عنه وصرفها، حتى ولو وردهما أمر خطي بذلك. وعلى الآمر بالصرف أن يبلغ الأمر إلى وزير المال، وإلى مجلس الخدمة المدنية، من أجل العمل على إلغاء نص التعيين" .
أما الفقرة السادسة من المادة 13 من قانون الموظفين فتقول "إذا كان التعيين مخالفا للأصول القانونية، يعتبر غير نافذ، ولا يترتب لصاحب العلاقة أي حق مكتسب من جرائه، حتى يستصدر من المرجع القضائي المختص قرارا مبرماً بقانونيته".

وبينت المناقشات أن عدد المفتشين الماليين، التابعين للتفتيش المركزي، على كامل الأراضي اللبنانية لا يتجاوز العشرة. وبالتالي، فمن شبه المستحيل أن يتمكن هذا العدد من القيام بواجباته الرقابية، تجاه الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، الخاضعة لرقابته.

كذلك فإن تدقيقا سيجري بين التفتيش ومجلس الخدمة، لتبيان حقيقة الأرقام، خصوصاً ما يتعلق منها بعدد الناجحين في المباريات التي يجريها مجلس الخدمة، وفقاً للحاجة وطلب الوزارات والإدارات، وإن كان الرقم قد لا يتجاوز الـ400.

فضل الله و"الرؤوس الكبيرة"
وبينما كانت لجنة المال تناقش في "جنس" التوظيفات  و"ملائكة" الأرقام، عقد نائب حزب الله، المكلف بمتابعة ملف الفساد، حسن فضل الله، مؤتمراً صحافياً، في مجلس النواب، تناول فيه موضوع الحسابات المالية للدولة، التي أنجزت بالكامل وأعيد تكوينها، واصفاً ما سيطرحه من معطيات وأرقام واردة في مستندات ووثائق رسمية، بأنها ستؤدي إلى محاسبة رؤوس كبيرة، لا تزال في الحياة السياسية اللبنانية، إذا ما سلكت المسار القانوني الصحيح.

وقد صال وجال فضل الله في شرح تفاصيل بعض المستندات التي بحوزته، حول هذا الملف، واصفاً هذه المعركة بأنها "المعركة الوطنية الكبرى"، مهدداً باللجوء إلى "محكمة الرأي العام"، في حال تكرار التجارب الماضية مع القضاء، لا سيما ملف الاتصالات والإنترنت غير الشرعي، الذي ضاع في أدراجه، حسب فضل الله.
واسترسل في شرح مضمون إحدى الوثائق الموجودة لديه من أصل مئات الآلاف من هذه الوثائق والمستندات، المرتبطة بالحسابات المالية، والتي تبين، حسب فضل الله، نماذج من التلاعب بالحسابات المالية، لجهة تسجيل بعض الحوالات ثم إلغائها. وبالتالي، وجود ما يمكن تسميته بالفوضى المقصودة والمنظمة، سيما وأن ديوان المحاسبة يقول إن البرنامج المعتمد من قبل الخزينة خلافاً للأصول القانونية، يسمح بإضافة أو إلغاء قيود، سبق ودونت. الأمر الذي يتيح إمكانية إخفاء إنحرافات أو أخطاء أو مخالفات.

وتساءل عن مصير آلاف مليارات الليرات اللبنانية من الهبات والسلفات والقروض وغيرها من الحسابات، ومن بين هذه الأموال الـ 11 مليار دولار، مشيراً إلى ثلاثة مسارات، بعدما يتسلم مجلس النواب التقرير النهائي من وزارة المالية وهي: المسار البرلماني، مسار ديوان المحاسبة المعني بها بالدرجة الأولى، وهناك مسار القضاء المختص، الذي يجب أن يدافع عن المال العام، ولا يستنفر فقط من أجل مصالحه كقضاء، حسب فضل الله.
وعما إذا كان يستهدف بشكل واضح وصريح رئيس الحكومة الأسبق، فؤاد السنيورة، من خلال التركيز على فترات وتواريخ كان فيها وزيراً للمالية ثم رئيساً للحكومة، قال فضل الله: "شخصيا لم أوجه أي تهمة لأي شخص مباشرة، لأن هناك أكثر من شخص. وهذه مسؤولية القضاء، ولا يمكنني التشهير بأحد قبل توجيه اتهام من القضاء، وإذا لاحظنا أي تلكوء فسأقول إن هناك أسماء وأدلة ووثائق".

في الخلاصة، نأمل أن يكون السباق في طرح ملفات مكافحة الفساد، ووقف الهدر، قد انطلق فعلاً، لما فيه خير انتظام عمل الدولة والمؤسسات.. ولا يقتصر الأمر فقط على الخطابات والمؤتمرات الصحافية، والتحجج بتلكوء أجهزة الرقابة والمحاسبة، التي تعاني من نقص في إمكانياتها، إضافة إلى تعيينات حزبية، مذهبية، طائفية، محسوبية، تصل إلى عمق السلطة القضائية، التي يجب أن تكون مستقلة. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024