انتخابات نقابة المحررين: أزلام السلطة فائزون

وليد حسين

الجمعة 2018/12/07
ما أن تنتهي من صعود الدرج، المؤدّي إلى القاعة، حيث تجري انتخابات نقابة محرّري الصحافة اللبنانية، في الفوروم دو بيروت، حتى تستقبلك طاولة اصطفت عليها رزم المأكولات الجاهزة، وامتدت على مساحة بضعة أمتار. يلتهم القادمون ما تيسّر من "السندويشات"، قبل الشروع بتنفيذ "مهمّة" الانتخاب ببطن ممتلئة.


الكهولة
إلى جانب الطاولة في نهاية الممر لافتة كبيرة للائحة القرار الحرّ. وأمامها مباشرة طاولة أخرى من المأكولات، فيظنّ الداخلون إلى بهو مركز الاقتراع أن تلك اللائحة، تأبى على الصحافيين التصويت ببطن فارغة، إلى أن تكتشف بأن أحد "المحسنين" قرر تقديمها على نفقته الخاصّة، رغم كونه من المنسحبين من المعركة.

وبينما فضّل بعض أعضاء "لجنة الاشراف على الانتخابات" أخذ قسط من الراحة، لتدخين السجائر وشرب القهوة، وما يلازمهما من دردشات في الخارج، تاركين الانتخابات تسير على هواها، تسمّرت إحدى المرشّحات على باب العازل الانتخابي، طالبة من الناخبين المقبلين على الاقتراع، التصويت لها. فمبدأ سرّية الاقتراع لم يمرّ على نقابة، إذ شاء لها نقيبها الراحل أن تكون لجيرانه وأقربائه وبائعي الحلوى والخضار من سكّان المحلّة حيث سكن. 

وفي حين كان المرشحون والناخبون منشغلين بالتهام السندويشات الكثيرة، المتكّدسة على الطاولات، تحلّق معجبون من الزملاء حول النقيب عون، وقد زيّن عنقه بشال أبيض خطّ عليه اسم لائحته. وبين الشالات البيضاء التي كلّلت أعناق مرشحي لائحة النقيب الحالي، وشارات صغيرة كُتب عليها "مرشّح"، زيّنت صدور مرشحي اللائحة المقابلة، غزا الشيب معظم الحاضرين في صالة الانتظار، وغاب عنهم جيل الشباب، إلّا في ما ندر. مشهد كهولة يختصر واقع النقابة الحالي، رغم التعديلات الطفيفة التي قام بها مجلسها على الجدول النقابي بقبول طلبات انتساب عديدة لصحافيين شباب، وشطب أكثر من مئتي منتسب لا يتّخذون من الصحافة مهنة لهم. لكن هذا لم يمنع وجود من يتّخذ من "تجارة الألومنيوم" مهنة فعلية، ويمتلك امتيازاً صحافياً، من الانتساب إلى النقابة وإلى نقابة الصحافة على حدّ سواء! 

لا 8 ولا 14 آذار
رغم الحضور السياسي للمرشّحين والناخبين، فلا نكهة سياسية للانتخابات الحالية على مستوى تشكيل اللوائح. فمناصرو أمل والمستقبل حضروا على اللائحتين كما هو حال 8 و14 آذار، في مشهد يضع الناخب في حيرة من أمره لأي لائحة يقترع. لكن لا ضير في ذلك، طالما أن نظام التصويت هو للمرشح الفردي وليس للائحة. ابتكار انتخابي، يتقصّد إلقاء الضبابية على السياسة، في انتخابات يفترض أن تلعب السياسة فيها دورا محورياً. السياسة التي يقصد بها مواقف الصحافي، التي يجب أن يتّخذها في تقديم الخبر الموضوعي للقارئ، بعيداً عن "الإستزلام" للمتموّلين ورجال الأمن.

لكن تغيّب السياسة، بهذا المعنى النبيل، ليس جديدا على مهنة الصحافة وعلى نقابتها، في ظلّ انحدار المهنة إلى قعرها السحيق، وسيطرة المنظومة الأمنية أو التبعية في الكتابة الصحافية وفي حقل الصحافة. بهذا المعنى شارك الجميع في هذه الانتخابات: المستقلون والحزبيون، والمهنيون، ومن يريد إعلاء شأن الصحافة، ومن يمعن في إفسادها عبر شراء الذمم والولاءات، ومن عمل جاهداً على تأسيس صحافة النميمة والوشاية، التي لا تميّز بين التقرير و"التقرير" وبين التحقيق و"التحقيق" وبين الإخبار والأخبار.

لكن كلمة حق تقال في هذه الانتخابات التي جرت في 6 كانون الاول 2018، فللمرة الأولى في تاريخ النقابة تصل نسبة الاقتراع إلى نحو 80 بالمئة من الدورة الاولى، إذ اقترع 578 صحافياً من أصل727 مدرجة أسماءهم على لوائح الشطب. وقد ساهم وجود لائحتين تتصارعان على مجلس النقابة للمرة الأولى في تجييش الناخبين، إذ لم تجدِ الدعوات للمقاطعة، الخجولة أصلاً، نفعاً في جعلها حالة يُعتدّ بها. فقد التزم المقاطعون بيوتهم ولم يعمدوا حتى إلى القدوم إلى مركز الاقتراع لتسجيل اعتراضهم ورفع صوتهم.

نقابة المستشارين
في هذه الانتخابات التي اتسمت في عدم وجود اشكاليات تذكر بين جميع المتنافسين، وفي أجواء ديموقراطية تقصي جيل الشباب والصحافيين الجدد عن نقابتهم، اكتسحت اللائحة المدعومة من حركة أمل وتيّار المستقبل والتيار الوطني الحرّ والسياسيين المتنفّذين والأمنيين تسعة مقاعد، من أصل اثني عشر مقعداً مخصصاً للمجلس، لتفوز لائحة النقيب عون بثلاثة مقاعد. وسجّلت خسارة المرشحين المستقلين بنتيجة مشرّفة، إذ حصدت مي أبي عقل 163 صوتاً، بفارق لم يتخطّ السبعين صوتاً عن آخر الناجحين علي يوسف الذي حصل على 231 صوتاً. وعليه بات مجلس النقابة الجديد يضم الزملاء القدامى-الجدد: جوزيف القصيفي، وجورج بكاسيني، وواصف عواضة، وعلي يوسف، وجورج شاهين، وسكارليت حدّاد ونافذ قوّاص، وخليل فليحان، ويمنى غريّب (لائحة الوحدة النقابية) والياس عون، واندريه قصاص، وحبيب شلوق (لائحة القرار الحرّ)

كما أفضت نتائج الانتخابات إلى حصد الحزب التقدمي الاشتراكي خسارة مقعده الدرزي الوحيد، بعد انسحاب المرشح يقظان التقي لصالح صلاح تقّي الدين، الذي نال مئتي صوت فقط، مسجّلا خسارة شخصية له وخسارة للتنوع الطائفي أيضاً داخل المجلس، كما هو الحال مع المرشحة الأرمنية الوحيدة الخاسرة فيرا جولهجيان عن حزب الطشناق.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024