"شارع" جبران باسيل في مواجهة اللبنانيين

وليد حسين

الأحد 2019/11/03
مع بدء العد العكسي للتيار الوطني الحر لشد عصب شارعه، بخروج جموع العونيين الباسيليين في مسيرة دعم العهد، بدأ يتشكل في لبنان شارع في مقابل ساحات على أنقاض "النظام القديم".

تفكيك السلطة المديد
ساحات منتشرة على الأراضي اللبنانية، تريد تفتيت نظام الزعماء وأجهزته السلطوية، على قاعدة الخلاص من جميع أركان التركيبة التي نهبت البلاد وتسببت بالأزمات المعيشية والاقتصادية والاجتماعية، وبإفقار اللبنانيين على حساب تكدس الثروات في أيدي قلة أوليغارشية توزّع غنائم الدولة زبائنياً.

وفي المقابل، شارع يعمل جاهداً على إنقاذ "النظام القديم" بكل مكوناته، حتى لو بدا للوهلة الأولى أنه شارع فئوي "حزب اللاهي - باسيلي".

بمعزل عن صراعات أركان النظام القديم على الحكومة والحكم وتقاسم موارد الدولة المنهوبة، ومحاولاتهم اليائسة لحشد الشوارع المتقابلة (في الحالة الباسيلية -الحزب اللاهية شارع خالص النقاء الطائفي والاصطفاف الزعامي المرصوص. وفي حالة باقي سدنة السلطة "الركوب" على ثورة اللبنانيين ضد "الحراميي")، جاء خروج ملايين اللبنانيين إلى الساحات والطرق بعفوية للتبرؤ من لصوص الهيكل. وهذه ليست موجة عابرة، بل مسار قد يطول. فعودة أركان النظام القديم إلى التربع في سدة الحكم قد تخدر الناس ببعض المسكنات. لكنها لا تستطيع حل الأزمات المتتالية التي تسببت بها، وأدت إلى نفاذ صبر اللبنانيين الذين خرجوا صارخين: "كلن يعني كلن".

زعماء القداسة واللعنة
وإذا كان من تمايز بين الشارع العوني الذي خرج اليوم إلى بعبدا والساحات اللبنانية المنتفضة، نستطيع بيان الفوارق الصارخة: شارع "أهل الوفاء" (الأهلي والعائلي) خرج لدعم الزعيم الذي يردد رعاياه: "عنا جبل في بعبدا وما حدن بيهزو"، وساحات خرجت للمطالبة بحقوق اقتصادية واجتماعية وعدالة في توزيع الثروة، وضد حكم المصارف الذي سلب اللبنانيين مليارات الدولارات من فوائد خدمة الدين العام.

شارع لم يبدر عن جميع المتحدثين فيه على شاشات التلفزة إلا لغة التحدي والفتوة والطاعة والولاء للزعيم، والمشاركون فيه أشبه بمن يذهبون إلى حتفهم "مرفوعي" الرأس، وساحات لعنت الزعيم والقائد رغم التهديد والإرهاب والاعتداءات المتكررة. 

لن ينقسم اللبنانيون إلى شارعين. جل ما في الأمر أن ثمة محاولات يائسة للدفع في هذا الاتجاه. لكن الميزة الواضحة تشير إلى شارع فئوي محافظ صافٍ طائفياً بلغة قديمة شائخة وبائدة، دينها وديدنها "حقوق المسيحيين". وساحات لبنانية جامعة وشبابية متقدة زعزعت بالشتائم والفكاهة أركان الدولة. شارع شائخ يجسّد كل التفاهة اللبنانية لما قبل ثورة 17 تشرين، يريد الدفاع عن جزء من النظام القديم وتحصين قلاعه المتهالكة، على قاعدة تنزيه أركانه من أوجاع ومصائب اللبنانيين، جراء الفساد والهدر ونهب موارد الدولة والفشل المتمادي، وساحات تريد الخلاص من "الحراميي" بقضهم وقضيضهم.

ما يريد تكريسه التيار الحزب اللاهي - الباسيلي لن يذهب إلى أكثر من شارع يتمسك بعود ثقاب مكافحة الفساد على أساس إلقاء المسؤوليات على "الآخرين"، معرقلي مسيرة الدولة العونية المتخيلة، التي لم نر منها إلا خطب العنصرية والذكورية والمذهبية.

وساحات هتف فيها ابن الأشرفية وطرابلس وبيروت لأهالي صور والنبطية، ووضعت جميع أركان الحكم في قفص الاتهام والشبهة. وشارع رفع أعلامه الحزبية (إلى جانب أعلام لبنانية فلكلورية) وصور قادته المنزهين. وساحات جمعت اللبنانيين بكل أطيافهم تحت العلم اللبناني كتعبير على أنهم موحدين.

رئيس حزب لاجمهورية
حتى هذا الوقت من ظهيرة الأحد 3 تشرين الثاني، ما زالت المشهدية اللبنانية قائمة على شارع تصدره سياسيو التيار الوطني الحر المشاركون في الحكم منذ أكثر من سنوات عشر، ورئيسه السابق يتربع على عرش الجمهورية، ولديه ثلاثين نائباً و11 وزيراً في الحكومة التي أسقطتها الساحات. والساحات لم تتصدرها حتى جمعية مدنية، وبلا قيادة أو رأس، صرخت حتى في وجه من حاول استمالتها من أركان النظام القديم: "كلكن يعني كلكن".

ما هو حاصل حالياً محاولات يائسة لتكريس الزعيم والقائد المخلص، بعد خروج اللبنانيين على الزعامة والقيادة والمخلصين. على أن ميزة الشارع والساحات تبقى في قبول أو رفض رئيس الجمهورية استمرار عهده، بدعم شارع حزبي ضيق، على أنقاض لبنان واللبنانيين.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024