عودة اللاجئين: التشاطر الروسي اللبناني يخذله النظام السوري نفسه

منير الربيع

الإثنين 2019/03/04

أسوأ ما يمكن أن يصيب بعض القوى الدولية هو أن تتطبّع بالطبائع اللبنانية. أصبح إدعاء الإنجازات عدوى لبنانية تصيب مختلف الدول المهتمّة بالشأن اللبناني، والأخطر أن إدعاء هذه الإنجازات غالباً ما يكون على حساب البشر، وبالقفز فوق آلامهم.

حفلة الغش
هذا ما ينطبق على حال اللاجئين السوريين في لبنان، والذين باتوا موضوع مبارزة دولية ومحلية. الانقسام اللبناني حول ملف اللاجئين، تحوّل إلى انقسام دولي. والإدعاء اللبناني في تحقيق إنجاز "لا مثيل له" في هذه القضية، أنه استطاع تأمين عودة آلاف اللاجئين إلى أراضيهم، قبل الحلّ السياسي، قد يدشّن مرحلة من الإدعاء حيال هذه القضية لبنانياً، وخارجياً.

فمثلاً يدّعي لبنان تأمين العودة لأكثر من خمسين ألف لاجئ، بينما الأرقام المسجّلة لدى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لا تصل إلى حدود عشرين ألفاً. الأرقام كما هي الحقيقة في لبنان، مفقودة وضائعة دوماً. وأرقام اللاجئين كحال الأرقام والحسابات المالية، التي لا يصل الباحث عنها إلى طريق واضح أو مفتوح، بل يضيع في غياهب ومغاور. حتى الآن كل شيء مقبول لبنانياً، ويندرج في سياق اللعبة المعروفة والمتوافق عليها، والتي اختصرها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بأنها "حفلة غشّ كبيرة". الغش صفة لبنانية موصوفة، لكن أن يطاول قرارات دول، فحينها لا بد من استشراف المخاطر.

حفلة المزايدات
فوفق الآلية اللبنانية، تخرج مصادر ديبلوماسية، في تعليقها على ملفّ اللاجئين والعمل على إعادتهم، للإدعاء بأنها استطاعت تحقيق إنجازات هائلة لتعبيد طريق عودة هؤلاء إلى أراضيهم. وأساس هذه "الإنجازات" هي الحصول على ضمانات من قبل النظام السوري لتوفير "العودة الآمنة"، والحصول على تعهدات بإلغاء القانون رقم 10، والذي يعتبره المجتمع الدولي أساسي في عرقلة إعادة اللاجئين إلى سوريا أولاً، وإلى أراضيهم الأصلية ثانياً. كيف مثلاً يمكن الإدعاء بالحصول على ضمانات بإلغاء قانون ما؟ القانون لا يلغى إلا بقانون، والنظام ليس بهذا الوارد.

على هذا النحو، تتوسع عملية الغش الكبيرة، التي تنشأ عن التعامل مع ملف اللاجئين، من اللعبة الداخلية اللبنانية، المحفوفة بالمزايدة والشعبوية، لتصبح نهجاً لبعض الدول. وفي هذا الوقت، تحدث حملة تخويف من بقاء اللاجئين، وانعكاس وجودهم السلبي على الوضع الإقتصادي، والخشية من توطينهم.. وبالتالي، يتم الترويج أن هناك حاجة ماسة للإسراع في توفير العودة لهم، قبل تطبيق مقررات سيدر، كي لا تُفرض شروط جديدة على الدولة اللبنانية من نوع وجوب إدخالهم إلى سوق العمل. كذلك، تحدث حملة أخرى يتم التسويق لها في إطار حفلة المزايدات، تقول أن عدم تحقيق العودة الآمنة حالياً، وقبل انتظار الحلّ السياسي، قد يفرض تطبيق النموذج التركي من قبل النظام السوري للتعامل مع لاجئي لبنان، أي أن يتم انشاء مخيمات آمنة على الحدود اللبنانية السورية، ويعمل النظام على الدخول إلى هذه المخيمات، ما يمكّنه سياسياً وأمنياً من التحكم بمصير هؤلاء اللاجئين، وبأحوال المخيمات، ويمنحه فرصة التأثير فعلياً وعملياً على لبنان.

حفلة التسويق 
هذه الحفلة التسويقية والتي تتورط فيها بعض الدول، وخصوصاً روسيا، التي تشير المصادر إلى أنها هي التي تدّعي حصولها على ضمانات من قبل النظام لإلغاء القانون رقم 10، لها غايات وأبعاد أخرى، لا ترتبط بملف اللاجئين فقط، ولا يمكن فصلها عن السعي الروسي إلى الإمساك أكثر بالمفاصل اللبنانية. ولأن الملفات الاستراتيجية لبنانياً، ترتبط حالياً باللاجئين، وترسيم الحدود، والنفط. فإن هذه الملفات مرتبطة ببعضها البعض، ومن يكون مؤثراً في هذا المجال، هو الذي يكون مقرراً في لبنان، انطلاقاً من تقريره في سوريا. وهذا سيتعزز أكثر من خلال زيارات لبنانية مكثّفة ستتم إلى موسكو، قد يجريها رئيس الحكومة ووزير شؤون اللاجئين، بينما رئيس الجمهورية ميشال عون تلقى بدوره دعوة لزيارة روسيا ولقاء بوتين.

ملف اللاجئين سيكون عنواناً استراتيجياً لتوسيع الدور الروسي في لبنان. وليس الكلام عن إلغاء القانون رقم 10، وإنشاء مخيمات على الحدود اللبنانية السورية، إلا كلام يتصل بالشروع في ملف أساسي، هو ترسيم الحدود، والذي لا يمكن أن يتم جزئياً أو في منطقة محصورة بعينها، فإذا كان لا بد منه في الشرق، فيجب أن ينجز في الجنوب. والحدود الجنوبية أساسية، براً وبحراً، لأنها مرتبطة بملف النفط. ولذلك، فإن ملف اللاجئين سيكون عنواناً أساسياً في المرحلة المقبلة مرتبطاً بجملة هذه الملفات.

كل هذه التحركات تحدث، والنظام السوري ليست لديه أي رغبة جدية في إعادة اللاجئين. وهذا ما يتأكد عبر أكثر من مصدر سياسي لبناني، وديبلوماسي غربي، حتى أن موقف الفاتيكان كان واضحاً في هذا المجال قبل أشهر، إذ حذّر وزير خارجية الفاتيكان النواب اللبنانيين، والبطريرك الراعي، بأن النظام لا يريد عودة اللاجئين. وهذا ما يتأكد من خلال الممارسة السياسية التي تنتهجها بعض القوى في لبنان، للاستثمار الشعبي، ليس أكثر، مقابل عدم وجود أي نشاط ملحوظ للسفارة السورية مثلاً، يتعلّق بإعداد قوائم أو تحضيرات لتوفير عودة اللاجئين، كما أن تجربة من عادوا لم تكن مشجعة، إذ أن بعضهم قد اعتقل، والبعض الآخر أجبر على الذهاب إلى الخدمة العسكرية، بينما آخرون فضلوا الهرب إلى لجوء ثان، وأحياناً "عائدين" إلى لبنان مرة ثانية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024