الحريري في الإمارات: لبنان يربح بمنطق التسوية مع إيران

منير الربيع

الأحد 2019/10/06

وفق الرؤية الدولية، ليس مرغوباً غرق لبنان، وإن كان يعيش حالة تقارب الاختناق. يُعطى لبنان القليل من الأنفاس للحفاظ على حاله من دون الوصول إلى الانهيار. تلك المعادلة أصبحت راسخة ومكرّسة، وتتضح عبر مفاعيل السياسة الدولية تجاه لبنان. ففي ظل عدم الاتفاق على القضايا العالقة في المنطقة، وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة، تحتاج ساحات النزاع إلى هدن مؤقتة، إلى حين اتضاح المرحلة المقبلة. وبالنظر إلى الرؤية الدولية حول لبنان، لا بد من رصد مواقف ثلاث قوى أساسية. الموقف الأميركي الذي يتراوح بين التصعيد تارة والتهدئة والحفاظ على الاستقرار تارة أخرى. الموقف الإيراني الذي يبدو متمسكاً بهذه التسوية التي تلبي مصالحه وتظهر انتصاره. والموقف الخليجي، الذي إلى حد ما لا ترضيه نتائج هذه التسوية.

الإمارات مبتدأ الجولات 
تجتمع هذه القوى بالإضافة إلى الأوروبيين على مبدأ حماية الاستقرار في لبنان، ومنع حصول أي اهتزاز فيه. ويبقى ميدان اللعب السياسي محكوماً تحت هذا السقف، حيث يتاح تعزيز كل طرف لموقعه وموقفه من دون صدام كبير. هذه المواقف الدولية تُقرأ في لبنان بعناية، وأكثر من يقرأها ويراهن عليها هو رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يحرص على إبقاء قنوات تواصله مفتوحة مع مختلف القوى. ولذلك، هو يتحضر لسلسلة زيارات إقليمية ودولية لها علاقة بتعزيز الاقتصاد والاستثمارات الخارجية في لبنان. وعلى هذا، يزور دولة الإمارات العربية المتحدة، لعقد اللقاء الاستثماري الإماراتي اللبناني. وبعدها بفترة سيزور السعودية، ودول أوروبية أيضاً للغاية عينها.

تأتي زيارة الحريري إلى الإمارات للقاء ولي العهد محمد بن زايد ومسؤولين آخرين، في توقيت دقيق على الصعيد الإقليمي. يحرص الحريري على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع كل القوى على تناقضاتها. ويحاول الاستثمار بهذه العلاقات. ومنذ فترة يتم التحضير لهذا المؤتمر الإماراتي اللبناني، خصوصاً أن بعض المعلومات تشير إلى أن الإمارات لديها سلسلة مشاريع اقتصادية في لبنان، تهدف إلى إثبات الحضور العربي والخليجي تحديداً على الساحة اللبنانية، وتفعيل مناطق اقتصادية على طريقة الاستثمارات في جبل علي، وكذلك تفعيل المنطقة الاقتصادية الخالصة في طرابلس.

حدود الخصومة 
مفتاح قراءة الأوضاع، هو الموقف الأميركي الذي يركز على عدم توجيه ضربة لإيران. وقد جاءت ضربة أرامكو من دون الرد عليها، وسط موقف أميركي بعدم تولي الدفاع عن أي دولة، أو الدخول في حرب لصالح أي دولة. اكتشف الخليجيون أن دونالد ترامب لا يريد فتح مشكلة مع إيران. فأصبحت المعادلة واضحة: بحال ضرب أي هدف في دول الخليج لن تبادر واشنطن تلقائيا بالرد.

كانت الإمارات قد قرأت هذا الموقف الأميركي باكراً، ولذلك افتتحت قنوات تواصل مباشرة مع الإيرانيين. ليأتي فيما بعد موقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الراغب بوقف الحرب ومنع تهديد الاقتصاد العالمي، والدخول في حوار. فأصبح لكل دولة هامش واسع من التحرك، لحماية مصالحها، عبر رسم حدود للخصومة. طبعاً، الإيراني يهتم بالتقاط أي إشارة إيجابية في ظل الضغط الأميركي الذي يتعرض له. وبموقفه هذا يريد أن يسهّل سبل فتح الحوار مع الأميركيين. ويحقق خروقات بوجه محاولات عزله.

ترويج التسوية والاستقرار 
يستفيد الحريري، من هذه الحالة العربية، التي تحتاج إلى مبادرات في كل الإتجاهات. وهو يراهن دوماً على لعب دور يستفيد منه لبنانياً، ويستفيد منه عربياً أيضاً، طالما أن الوجهة ستكون فتح حوار خليجي مع إيران. وهو يريد أن يكون له هوامش متعددة، يستثمرها لصالحه في التسوية التي صنعها، وإرساء الاستقرار، مقابل فتح أبواب الإمارات والسعودية أمام لبنان، والحفاظ على الصلة الحسنة والإيجابية مع دول الخليج.

لا شك أن أي طروحات لبنانية ستكون بالتنسيق مع الأميركيين، الذين يديرون العلاقة مع لبنان بشكل دقيق. فعلى الرغم من استمرار الضغط والعقوبات، هم يطلقون ينتهجون سياسة إيجابية على الصعيدين المالي والاقتصادي للحفاظ على الاستقرار. وهذه المواقف الخليجية الإيجابية تجاه لبنان ترتبط بتنسيق مع الأميركيين.

وإذا ما كانت الوجهة الأميركية تصرّ على تغليب التصعيد على التهدئة، فإن ذلك سينعكس توتراً في لبنان، إقتصادياً وسياسياً. وما يترتب عنه من مشهد دراماتيكي، اقتصادياً ومالياً، لن يكون منفصلاً عن التصعيد السياسي. أما بحال غلب منطق الحوار والتهدئة، فإن ذلك سيكون مرتبطاً بجملة أمور في المنطقة، أولاً بالملف السوري، وتفاهم الحد الأدنى بما يتعلّق بالخلافات الإقليمية التي ترتبط بترسيم الحدود والتنقيب عن النفط، وصولاً إلى صفقة القرن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024