أصدق ما قاله برّي وما سألته "القوات" وأضاليل أخرى

المدن - لبنان

الخميس 2019/09/12

يوم لبناني كأي يوم مضى وسيأتي، التراجيديا مشفوعة بالأكاذيب المضحكة والكوميديا ملوثة بالحقائق المحزنة. بلد لا ضجر فيه وطافح بالأسى والمفارقات المبتذلة.. والفجور السياسي دوماً.

غمزات برّي و"التغويز"
أخيراً، ما كتمه الرئيس برّي إلى حد الارتباك في كلمته بمهرجان النبطية، أفصح عنه يوم الأربعاء، فأعلن صراحة: "هناك تلكؤ في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في لقاء بعبدا الاقتصادي". وقال أمام نواب "لقاء الأربعاء" في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، إنه تم الاتفاق على 22 بنداً بإجماع الحاضرين، ولا يستطيع أن يستسيغ هذا التلكؤ: "وإذا كنا لسنا بحاجة إلى التسرع، فمن الطبيعي أن نسرع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه". ولكي يضرب المثل الجيد، أشار برّي إلى أنه "طلب من وزير المال تقديم مشروع الموازنة إلى الحكومة اليوم احتراماً للمواعيد".

ولكي نفهم من قصد واستهدف برّي بتهمة التلكؤ، قال: "هناك مناقصة حصلت ورست على شركات تقدمت وفقا لدفتر الشروط، وحتى الآن لم يتم التلزيم لهذه الشركات. وهذا أيضاً يسجل عائقا أمام تطور الوضع الاقتصادي".

إذاً، إنها قصة عقود وصفقات (كالعادة)، ومن الواضح أنها تعني ملف الكهرباء، طالما أنه استخدم مصطلح "التغويز"، أي تحويل معامل الطاقة من استعمال الفيول إلى استعمال الغاز. وعليه، يكون برّي قد وجّه اتهاماً واضحاً لـ"التيار" العوني - الباسيلي (صاحب شعار التغيير والإصلاح) ووزارة الطاقة التي تديرها الوزيرة ندى البستاني.

وللعلم، ما يتحدث به الرئيس برّي، أي "لقاء بعبدا الاقتصادي" وبنوده، من المفترض أنه طريق الإنقاذ! لكنه على ما يبدو ما زال مزروعاً بالكثير من ألغام الصفقات.

أما أفضل ما قاله رئيس مجلس النواب، في معرض تنديده بكلام نتنياهو عن ضم غور الأردن إلى دولة إسرائيل: "يجب أخذ هذا الأمر على محمل الجد، لأن الاسرائيلي يكذب في كل شيء إلا في الوعود الانتخابية". فهذه الجملة لا بد أن تثير في اللبنانيين حسداً من الإسرائيليين، طالماً أن السياسيين اللبنانيين أيضاً يكذبون في كل شيء.. لكن، خصوصاً في وعودهم الانتخابية.

وبعد تصريحه قبل يومين أن الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي لا يمكنهما تحمل هذا الحجم من الضغوط والعقوبات، لكأنه بدا أنه لا يخاطب المبعوث الأميركي وحسب إنما أيضاً حزب الله، أكمل أمس تعبيره عن الشعور بالخطر على الشيعة اللبنانيين ومصالحهم، خصوصاً المغتربين منهم، كاشفاً بنبرة الاستغراب وجود "حصار اقتصادي وضغوط اقتصادية مستمرة، سواء عبر استهداف القطاع المصرفي أو أعمال القرصنة التي تطال اللبنانيين في كل أنحاء العالم".

جنبلاط مغرّداً
في هذا الوقت، كان وليد جنبلاط المشغول بـ"المصالحات" المتعددة، "يغرّد"، وفق انحيازه الدائم للقضية الفلسطينية (وللشعب الفلسطيني) لكن أيضاً باعتراض صارخ ضد من يستولي على القضية ويدمر الكيانات: "فلسطين التاريخية تختفي يوماً بعد يوم على وقع مطرقة قرارات المصادرة من القدس إلى وادي الأردن وحصاد المستعمرات المتزايد. وكل هذا يجري بعد مئة من سايكس بيكو ووعد بلفور. أما الهلال الخصيب فحصاد من نوع آخر فيه، ومطرقة منتظمة أزالت تقريباً الحدود بل وسعت الهلال حيث يذوب فيه لبنان الكبير". هكذا لم يمسّ أجواء "المصالحة".. ولم يصمت عن "نقده".

الأقنعة ونائب "الاستقلال"
والحال، أن صدمة خطبة نصرالله العاشورائية، استدعت ردوداً لا بد منها، وإن بدت غير قادرة على التأثير أو الترجمة إلى فعل سياسي. وكالعادة، كان أشرف ريفي جاهزاً ليكرر ما هو موقن منه: "عندما كنا نقول أن لبنان بات تحت وصاية إيران كنا نتهم بالمبالغة. بعد كلام نصرالله ووعده الصادق بالتبعية لإيران والاستعداد لتوريط لبنان للدفاع عن نظام الملالي، سقطت كل الأقنعة. لبنان أسير ولا يمكنه أن ينهض اقتصادياً. دوره مغيب ويجب تحريره. والصمت الرسمي تواطؤ مخجل". والحقيقة التي يجب أن تقال للواء ريفي، أن لا أقنعة لتسقط أصلاً. حزب الله وأمينه العام ولا مرة كانا مقنّعَين لا في الخطاب ولا في الممارسة. وهذا على عكس مثلاً الـ 14 آذاري (السابق؟) رئيس حركة "الاستقلال" النائب ميشال معوض، الذي اضطر للتقنع بوجه عوني ليصل إلى النيابة، فيقبل ببيانات كتلة لبنان القوي وما يتفوه به باسيل، وهي كلها على وئام وتفاهم مع حزب الله، ثم يعنّ على باله يوم الأربعاء أن يقول أن كلام حسن نصرالله يشكل "خروجاً خطيراً عن الدستور والميثاق وعن أهمية تحييد لبنان عن نزاعات المنطقة ويعرض لبنان لمخاطر لا تحصى". فإذا كانت هذه قناعة النائب معوّض، كان عليه بالأحرى أن يبلغها للرئيس ميشال عون، أو لرئيس كتلته جبران باسيل. خصوصاً مع قوله "إننا نصر على سياسة النأي بالنفس وعلى حياد لبنان الإيجابي ونشدد على ضرورة إقرار استراتيجية دفاعية تحصر قرار الحرب والسلم بالمؤسسات الدستورية الشرعية، ونؤكد رفضنا التبعية لأي محور خارجي".

المشنوق يتذكر رفيق الحريري
واستمراراً للتمايز الذي يريده النائب نهاد المشنوق عن تيار المستقبل وعن الرئيس سعد الحريري، كان الرد المتشدد منه على خطبة نصرالله، فغرّد: "كنا نظن أننا نطالب السيد حسن نصرالله بالاستراتيجية الدفاعية، حماية للبنان ولوحدة اللبنانيين في مواجهة العدو الإسرائيلي، فتبين أننا يجب أن نطالبه بحق تقرير المصير، بعدما حسم مصائرنا في حروب المنطقة وأزماتها، بما لا يترك مجالاً للتمايز، بالحد الأدنى. إن هذا الكلام يجب ألا يمر من دون رد واضح ومحدد من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اللبنانية، لا سيما أن لبنان الرسمي، باعتراف السيد نصرالله، وفر الغطاء الشرعي لمقاومة الاعتداءات الإسرائيلية، ضمن مشروع حزب الله، دون غيره من المؤسسات العسكرية الشرعية. إلى متى تبقى الدولة تتفرج على جر لبنان إلى محاور وحروب ونيران؟ وهل سنبقى نضحك على أنفسنا وعلى المجتمع الدولي بالقول إن القرار 1701 بخير؟ يحق للسيد نصرالله التأييد السياسي لهذه الدولة أو تلك، لكن لا يحق له إعلان سياسة عسكرية تورط لبنان وتربط مصير لبنان عملياً بمصير إيران وصراعاتها. وقول السيد نصرالله إنه يقاتل بقيادة السيد الخامنئي يعرض الشرعية الدولية للبنان لمخاطر كبيرة سياسياً واقتصادياً في هذه المرحلة بالذات. ليسمح لنا السيد نصرالله، لبنان ليس ساحة للسياسة الإيرانية ولا لغيرها. لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، دفعنا لأجل استقلاله وسيادته أرواح أشرف الناس وعلى رأسهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري".

متاهة المعابر والتضليل
بالتزامن، وبعد اجتماع لعدد من الأجهزة الأمنية والوزارات برئاسة سعد الحريري، خرج  وزير الدفاع ليعلن: "أن كل الأجهزة الأمنية الموجودة أجمعت على أن عدد المعابر غير الشرعية، والتي يجب أن نعمل عليها هو ما بين 8 و12 معبراً. من هنا لم يعد بالإمكان الحديث عن 150 أو 140 معبراً غير شرعي، لأن ذلك يشكل تضليلاً للرأي العام، وقد تم اليوم حسم هذا الموضوع". أما كيف حدثت معجزة تبخّر كل هذه الأعداد من المعابر غير الشرعية، فهذا ما لا يفسره الوزير. علماً أن تصريحه يحتمل القول فيما بعد أن العدد الفعلي هو 8 معابر وليس 12. فأربعة معابر بالزائد أو بالناقص ليست مهمة. أما موضوع "تضليل الرأي العام" فهذه شأنه هو وسجالاته مع فريق الرئيس سعد الحريري.. ولا دخل لنا فيه.

واستكمالاً للتضليل وشؤونه، عقدت الهيئات الاقتصادية اللبنانية برئاسة الوزير محمد شقير، اجتماع عمل مع وزير الخارجية والمغتربين، جبران باسيل، يوم الأربعاء في مقر غرفة بيروت وجبل لبنان، خصصته لمناقشة المستجدات في البلاد على المستويات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ومتطلبات مواجهة التحديات في ضوء التحضير لموازنة العام 2020. وهنا يهمنا الاكتفاء بما تفوه به باسيل، قائلاً: "نحن اليوم في مرحلة حكم الأقوياء التي وفرت الاستقرار الأمني والسياسي للبلد، وإذا لم نستطع توفير الاستقرار الاقتصادي، فأعتقد أن لا أحد يمكنه القيام بهذه المهمة". وأكد "القدرة على الخروج من المأزق شرط أن نضع رزمة إصلاحات يشارك فيها الجميع، ولا سيما القطاع الخاص والقطاع العام والقطاع المصرفي، وألا تكون على حساب أي جهة منفردة"، مطالبا الجميع "بالقيام بالتضحيات وفي الطليعة السياسيين"!

مطالعة "قواتية"
ولا بد في الختام، وتذكيراً بما قاله رئيس حزب القوات اللبنانية قبل يومين أنه سيبقى على مواقفه المبدئية ولو بقي وحده، أدلى النائب "القواتي" السابق إيلي كيروز، بمطالعة "مبدئية" رداً على خطبة حسن نصرالله الأخيرة، وفيها:

"أولاً، في تأكيد السيد نصرالله للشعب الفلسطيني أن "لا خيار لأمتنا سوى المقاومة"، فإننا نسأل: أي أمة يقصد، هل هي الامة اللبنانية؟ أم الأمة العربية؟ أم الأمة الفارسية؟ أم أمة الولي الفقيه وحزب الله؟ وهل اللبنانيون، بتعددهم، هم جزء من هذه الأمة، وما العلاقة بين هذه الأمة والكينونة اللبنانية؟
ثانياً، تحدث السيد نصرالله عن تثبيت المعادلات وتعزيز قوة الردع وعن الخطوط الحمر.. ونسأل: هل فوض اللبنانيون "حزب الله" بالعمل العسكري بالنيابة عنهم وعن الدولة؟ إن "حزب الله" يكمل اليوم استيلاءه على حق سيادي أساسي، كما مصادرته لدور الدولة اللبنانية في حماية لبنان كما ورد في الدستور اللبناني وقانون الدفاع الوطني.
ثالثاً، إن السيد نصرالله يكشف مرة جديدة عن انتسابه الجذري إلى نظرية ولاية الفقيه القائمة على الطاعة الدينية والتكليف الشرعي في مجال السياسة. إن هذه النظرية تتناقض مع لبنان الذي نعرفه بكيانه ودولته وبمجتمعه وميثاقه. كما أن هذه النظرية تمثل اجتهاداً في الفقه الشيعي بعيداً عن الخط الإصلاحي الذي اعتمده أبرز الأئمة والفقهاء اللبنانيين، من السيد موسى الصدر إلى الشيخ محمد مهدي شمس الدين.
رابعاً، تحدث السيد نصرالله عن الأزمة المالية في لبنان، معتبرا أن هناك من يتحمل المسؤولية وهناك من لا يتحملها. وردنا أن الفساد مسؤول والهدر مسؤول غير أن المسؤولية الكبيرة يتحملها "حزب الله" لأن التمسك بالسلاح خارج الدولة واشتراك هذا السلاح في الحروب الإقليمية والتصرف بلبنان واقتصاده وسياحته تفرض تداعيات سلبية عميقة على النمو الاقتصادي وثقة الدول والمستثمرين في لبنان.
خامساً، يبقى السؤال: إلى أين يذهب "حزب الله" بلبنان وحكومة لبنان واللبنانيين والشيعة في اللحظة الحاسمة؟"

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024