الوطن الـمُعلَّقُ في الفضاء

النقيب رشيد درباس

الجمعة 2013/09/27
عندما كنا ندرس عن ابن سينا "مَثَلَ الرجل المعلق في الفضاء" كنا نراه مثلاً افتراضياً لا يمكن ان تُسْتَخْلَصَ منه نتائج علمية، لأن اليقين لا يمكن الوصول إليه من خارج التجربة العملية..
 
أما الآن فإننا مدينون "للشيخ الرئيس" بالاعتذار لأن الكوارث التي عشناها تَخَطَّت مسألة تعليق الرجل في الفضاء الى ما هو أمرُّ وأدهى، أي إلى تعليق وطن في الفضاء بل تعليق المساحة التي اختصها ربُّ العالمين برسالاته، فإذ بها تفقد روحها ومادتها معاً وتصبح رهن ما تسفر عنه حروب النجوم والشهب والأقمار والصواريخ.... والمؤتمرات، وما قد ينجم عن موسم الحج، علَّ الله "يُفَدِّينا..بِذِبْحٍ عظيم".
 
ما زال لبنان منذ سبعة أشهر دولة تعيش بلا أَعمدة: سلطته التشريعية تخَّطت الوكالة، وسلطة الرئاسة آيلة إلى موعدها المسطور، أما حكومته العتيدة، فلا زالت تسكن الأذهان والأفئدة والتمنيات والتخمينات والرجم بالغيب، فيما القضية لا تتخطى مرسوماً يوقعه إثنان، يعقد عليهما الشعب آماله، ويؤكِّدُ لهما في كلِّ مناسبة أَنه مانح الثقة الأول، وأَنه سندهما وظهيرهما مهما نُفِخَ في الصور، أو مهما كثرت التحذيرات، لإن إنقاذ الوطن من الإنهيار الدستوري يحتاج إلى هامش من المجازفة المحسوبة المبنية على توازن أخلاقي ووطني بين وجود الدولة ومصالح الأفرقاء...
 
إن الرئيسين ليسا "كاتبين بالعدل" تُفْرَغُ لديهما الارادات، بل هما  حاملان لأختام الحق الذي أولاه لهما الدستور، وهما النطاسيان اللذان يكتبان الوصفة الطبية، فإذا امتنع المرضى عن تناولها لا يكونان مسؤولين عن إقامة سُرادق العزاء...
 
الوطن معلق في الفضاء، وكذلك بلاد العرب التي تعيش في غرفة الانتظار ريثما يفرغ "أوباما" من استشاراته و"استخاراته" لدى الرأي العام الامريكي والكونغرس.. ومن دواعي الأسى، أن نجد كثيراً من المحللين والسياسيين العرب مسكونين بعقدة عنصرية عندما يَصُبُّون جام غضبهم على رئيس اميركا، بإعتباره "الخادم الملوّن" الذي يتقاعس عن تنفيذ أوامرهم ورغباتهم...
 
لقد أمعن "القادة الخالدون" بالاستهتار بإرادات شعوبهم، وضنوا عليها بأقل الحقوق، ولكنهم يُغْدِقون التنازلات على من يصفونهم بالأعداء لمجرد التلويح بالآلات العسكرية...
 
أما كان قَدْرٌ من الديمقراطية ضماناً لهم ولأموالهم ولحيواتهم ولذرياتهم من بعدهم... ولما تبقى من أرض الوطن المعلق في الفضاء؟!
 
إن الشعوب العربية لا تتوقع من رؤسائها التضلّع من علوم التاريخ والحضارات، ولكّنها تتمنى عليهم فقط أن يتَّعظوا من نشرات أخبار الأمس.
 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024