القاهرة تتحرك تفادياً لـ"جهنم".. وفرنسا لجمع الحريري بباسيل

منير الربيع

الثلاثاء 2021/04/06
تدخل المبادرة الفرنسية لحظة مصيرية. يريد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حكومة بأي ثمن. لم يترك جهداً لم يبذله في سبيل ذلك. كل الدروب قادت إلى نقطة واحدة: جبران باسيل هو الذي يعرقل تشكيل الحكومة.

أرسلت باريس في اليومين الماضيين، عبر المستشار باتريك دوريل، وعبر قنوات أخرى، رسائل تأنيب شديدة اللهجة، تتضمن تحميلاً للمسؤولية في عرقلة المبادرة الفرنسية، وإعاقة مسار تشكيل الحكومة. أقسى الرسائل وُجهت إلى باسيل، مع التركيز على تحميله المسؤولية. وشملت الاتصالات الفرنسية كل القوى السياسية. الهدف نقطة واحدة، وهي تشكيل حكومة. وعلى ما قال أحد المسؤولين في الفرنسيين في اتصالاته: "لا خيار إلا مبادرة وليد جنبلاط، إنها الأفضل للجميع". يعلم الفرنسيون أن مبادرة جنبلاط أحرجت كثيرين، وأغضب القريبين والبعيدين لأنها سحبت منهم ذرائع التعطيل أو تمييع الوقت.

باسيل العقبة
لا يرى الفرنسيون أي سبب لعدم تشكيل الحكومة. حتى مسار التفاوض بين إيران والولايات المتحدة -عبر الأوروبيين- ها هو وقد انطلق. وبالتالي، لا داعي لترك لبنان أسير تلك المعادلة. علماً ان المبادرة الفرنسية في صلبها كانت تسعى إلى إخراج لبنان من سياق لعبة المحاور. ويتعاطى الفرنسيون مع كلام أمين عام حزب الله الأخير بأنه يسهّل طريق الحكومة، خصوصاً أنه تراجع عن تصعيده. ويربطون ذلك بما يتحقق على صعيد التفاوض الأميركي الإيراني. وبالتالي لا مبرر لاستمرار التعطيل. يراهون على موقف من الحزب تجاه باسيل لتقديم التنازل.

جبران باسيل هو الذي يعرقل، هو الذي يقف عقبة، ويريد إعادة تعويم نفسه. هذا الكلام يردده المسؤولون الفرنسيون، ويبحثون عن صيغة لحلّ تلك العقبة. سابقاً اقترح المسؤول الفرنسي، باتريك دوريل، عقد لقاء بين رئيس التيار الوطني الحرّ ورئيس الحكومة المكلف. رفض الحريري، لأن ذلك سيؤدي إلى تعويم باسيل وإظهاره بأنه مشارك في صناعة الحكومة، وأنه صاحب القرار، بما يعيد إحياء معادلة سعد مقابل جبران. اليوم يستعيد الفرنسيون مسعاهم، ولكن ثمة من قال لهم: "إنكم تسعون إلى تشكيل حكومة، ولكن المهم أن تعلموا أي حكومة تشكّلون. والأهم، أن لا تكون حكومة يتم من خلالها إعادة تعويم باسيل سياسياً".

الطمع بـ"الداخلية"
في خضم هذه المداولات، استمر باسيل في مساعيه لزيارة باريس وعقد لقاءات فيها. طُرحت فكرة اللقاء مع الحريري، ولم تتبلور نهائياً. وهناك من اقترح أن يجري اللقاء بعد تشكيل الحكومة. ولا همّ إذا عُقد في بيروت أو في باريس. من بين الصيغ المطروحة، إقناع باسيل بصيغة الـ24 وزيراً، لا ثلث معطل فيها. أما مسألة توزيع الوزارات والحقائب والأسماء فهناك قدرة على حلّها، بحال توفرت النوايا للتشكيل. وهذا أمر أيضاً بُحث مع مدير عام الأمن العام، اللواء عباس إبراهيم خلال زيارته إلى باريس ولقائه مع باتريك دوريل. وعندما سأله دوريل عن ما لديه، قال إبراهيم أيضاً: "لا مبادرة سوى مبادرة جنبلاط". ما يحاول البعض العمل عليه، هو دفع باسيل للتنازل عن شروطه التعطيلية، بينما هو يسعى للحصول على وزارة الداخلية كرد اعتبار، خصوصاً أن وزارة الداخلية ستكون ذات أهمية استثنائية، بما أنها هي التي ستحضّر للانتخابات النيابية المقبلة.

التحرك المصري
في موازاة هذه الحركة، يستمر التحرك المصري تجاه لبنان. مصر حريصة على تشكيل حكومة تحفظ الاستقرار، تحدّ من الانهيار، تنجز الإصلاحات، ولا يكون فيها ثلث معطل، ويرضى عنها المجتمع الدولي وتلتزم بشروطه. في هذا السياق تأتي زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى بيروت يوم الأربعاء، حيث سيلتقي المسؤولين بحثاً عن صيغة لتشكيل الحكومة. فمعروف أن مصر كانت متمسكة إلى أقصى الحدود بصيغة 18 وزيراً، وبلا ثلث معطّل. ولكن بما أن الحديث عن حكومة من 24 وزيراً أصبح مدار توافق، فإن شكري سيبحث مع المسؤولين سبل تحصين هذه التشكيلة الحكومية، من أي اختراقات سياسية أو اختلالات في موازينها، على أن تبقى اختصاصية، ولا تحتوي على الثلث المعطل.

إنها مرحلة مفصلية. تسعى باريس بكل قوتها لإحياء تشكيل الحكومة. وإذا فشلت المساعي هذه المرّة، يعني أن جهنم ستكون أقرب من أي وقت مضى. والكرة في ملعب رئيس الجمهورية وباسيل. 

لحظة ضياع
ولذا، استمر الدفع الفرنسي في سياق عقد لقاء بين الحريري وباسيل. لكن الأول بقي على رفضه، فيما خرجت فكرة من مكان ما حول دعوة فرنسا لمختلف الشخصيات اللبنانية إلى باريس، أي الحريري وبري وجنبلاط وباسيل، وربما جعجع، بشكل يكون اللقاء غير ثنائي. هي فكرة لم يستسغها كثر. لكن من الواضح أن هناك ضياعاً فرنسياً في آلية التعاطي. وهذا أمر يعرفه المصريون أيضاً منذ أن كانوا أول من يؤيد المبادرة الفرنسية. ضياع ينعكس في خطوات متعددة لم تقد إلى غير الفشل.
في هذا السياق، تسرّب خبر من مكان ما عن دخول الفاتيكان على الخط. إلا أن المعلومات تؤكد بأن القوى الدولية كلها تترك المجال لفرنسا، من دون حسم مسألة زيارة الحريري إلى الفاتيكان. الصورة متضاربة ومتناقضة. هناك من يعتبر أن ثمة فرصة حقيقية لتشكيل حكومة بسبب الظروف، بينما آخرون يعتبرون أن كل هذه الحركة لن تؤدي إلى أي نتيجة. والحريري ليس في وارد التراجع أو التنازل، فيما الموقف السعودي واضح ولا يمنحه الغطاء.
الجميع في موقف حرج. والحرج إما يؤدي إلى حلول عن غير قناعة، أو يؤدي إلى تشدد. في الحالتين، الصورة ستبقى معقدة حتى لو تشكلت الحكومة في لحظة ما.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024