16 أيلول 1982-2020: محكومون بمقاومة الاحتلالات

نادر فوز

الأربعاء 2020/09/16
أيام قليلة كانت كفيلة بإخراج جيش الاحتلال الإسرائيلي من بيروت. 10 أيام فقط، رفع بعدها الإسرائيليون أعلامهم البيضاء وانسحبوا إلى طريق الجنوب والجبل. بين العملية الأولى، في 20 أيلول عند صيدلية بسترس، والإعلان الإسرائيلي للانسحاب من العاصمة في 26 أيلول، عرف الإسرائيليون طعم العيش في بيروت حيث الكل ضد الكل، والكل مع الكل. وكان يوم 25 أيلول يوماً حافلاً على مستوى عمليات المقاومة العسكرية ضد المحتلّ. فسجّل فيه ما لا يقل عن 5 عمليات ضد الإسرائيليين بين عائشة بكار والمزرعة والكونكورد والجناح. فكان الإعلان الميداني الإسرائيلي الشهير عبر مكبرات الصوت، يوم 26 أيلول، "يا أهالي بيروت، لا تطلقوا النار على جيش الدفاع الإسرائيلي، نحن منسحبون من بيروت".

موعد مطموس
16 أيلول، ذكرى انطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، موعد لا ينضب. محفور في الوجدان. حيّ، لهواة النوع، لكن مهمّش. حيّ، لكن مطموس خلف أنظمة ومناصب ومؤامرات وعمامات وصفقات. لم يسمَّ موعداً وطنياً عاماً لكونه لا يخدم أحد من الرعاة والطغاة الحاكمين. هو نقيض طائفيتهم ومذاهبهم وأجنداتهم. لذا صفّيت الجبهة، وبعدها الذكرى. بالغوا في محوها، وثم في إتلافها، حتى لا تفضح شيئاً من حقيقة أنّ مقاومة العدو كانت فعلاً وطنياً بحتاً، غير قابل للتوظيف السياسي الداخلي والخارجي. وحتى تستر واقع أنّ القتال هو للأرض، هذه الأرض فقط، من دون قتل للدفاع عن منظومة أو ابتزاز لتعويم رمز.

بيروت المحتلّة
في التاريخ الحديث لبيروت، مرّت على المدينة جيوش احتلال عديدة منها قوات الردع العربية وجيش الأسد وأفواج منظمة التحرير والقوات المتعدّدة الجنسية وغيرها. جاءت جيوش الاحتلال إلى بيروت وحملت جميعها عنوان المقاومة. مقاومة إسرائيل، ثم مقاومة "المخرّبين". فيمكن تلخيص حال الاحتلالات فيها بانه انتقل من مقاومة إسرائيل، إلى مقاومة مقاومة إسرائيل، ومن ثم إلى مقاومة مقاومة مقاومة إسرائيل. صارعت قوات الاحتلال بعضها البعض، فكان من الطبيعي أن تنتهي المعارك بانتصار محتلّ على آخر. هُزم محتلّ وانتصر آخر. فكان الحكم الفعلي والأخير للميليشيات. حتى أنّ رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، اسماعيل هنية، قال قبل أيام من بيروت إنّ "صواريخنا ستصل إلى تل أبيب وما بعد بعد تل أبيب". محتلّ يهزم آخر، ومقاومة تهزم أخرى، وبقيت بيروت تحت الاحتلال.

دولة المقاومة
طُمست جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وثمن إتلافها ندفعه إلى اليوم. خرج الجيش الإسرائيلي من بيروت، ثم من الجبل، وبعده من صيدا، وثم من مرجعيون وسائر الجنوب. خرج جيش الأسد من بيروت إلى البقاع، ثم إلى داخل الأراضي السورية، فحلّ مكانه محتلّ آخر. وبين الانسحابين، قوّض المحتل الجديد المقاومة. حوّلها إلى عنوان وأداة وفعل قمعي. ألبسها طائفة ومذهب محدودين. هذّبها بأبشع الوسائل، وطوّعها. جعل منها دولة قوية وقائمة بحدّ ذاتها. ترتكب كل شيء، كل حين، إلا عند الحدود مع العدو. تذهب شرقاً، غرباً وشمالاً. باستثناء الجنوب حيث المعركة. وفي زمن دولة المقاومة، تم احتلال بيروت مراراً، فعلياً ومعنوياً، عبر الاجتياح والعسكرة حيناً، عبر التفجير والترهيب حيناً آخر، وعبر القمصان السود ومجموعات التشبيح في مناسبات أخرى.

جبهة مقاومة
بيروت محتلة، ولم تعرف المدينة أساساً في تاريخها المستجد السلام، منذ تكريسها عاصمة للبنان الكبير. حتى في زمن السلم وإعادة الإعمار كانت محتلة. كأنّ لعنة أصابتها، وفرضت عليها فعل المقاومة بشتّى الوسائل وشتى الاتجاهات. لطالما كانت محتلة، على يد منظمات أو جيوش منظّمة أو دول، لا فرق. وترزح اليوم تحت الاحتلال الفعلي للميليشيات. المنظومة الحاكمة - ميليشيات الماضي، تحتمي بالسلاح الشرعي والحزبي وغير الشرعي. في بيروت، نحن محكومون بمقاومة محتلّ محليّ أو أجنبي لا فرق. ثمة من احتلّ البلد ومؤسساته وسيطر على قراره ووظّف خيراته ونهب أمواله.

كما الحال في 16 أيلول 1982، فنحن مدعوون إلى تشكيل جبهة مقاومة للاحتلال المتجدّد، الذي فجّر ونهب وقسّم وغزا العاصمة. ويوماً ما، لا بد أن يخرج زعماء هذه الميليشيات للإعلان عبر مكبّرات الصوت في الشوارع، "يا أهالي بيروت، لا تطلقوا النار، نحن منسحبون من السلطة، أدخلونا السجون ولا تقتلونا". علّه يكون فعلاً مقاوماً أخيراً، ينهي سِيَر المقاومات الزائفة في بيروت وحقبات احتلالها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024