برّي والحريري وجنبلاط: أقل من حلف وأكثر من تفاهم

منير الربيع

الجمعة 2019/07/05

غيوم كثيرة تلبّدت في سماء العلاقة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط. ظهر هذا التوتر في العلاقة وتصاعد في محطات كثيرة، منذ التسوية الرئاسية. ومرّات كثيرة بقي الغضب مكتوماً من الطرفين. وأسوأ ما يعتري أي علاقة "حميمة" وينتج الغضب، هو سوء التفاهم، أو سوء التواصل والتنسيق، والذي لطالما حاول الرجلان تجنّبه، لكنهما واظبا على الوقوع فيه. وغالباً، في لحظة سوء الفهم هذه، يسارع جنبلاط إلى التعبير عن امتعاضه بـ"تغريدة"، غالباً ما تكون قاسية. وقد وصل الأمر ذات مرّة لإعلان استعداده لوقف التغريد والانتقاد ومعالجة الأمور عبر القنوات الخاصة. لكن، حتى هذا المسار لم ينجح طوال الفترة الماضية، رغم توسط أكثر من طرف لترتيب العلاقة، التي بقيت بحاجة الى معالجات عميقة.

بغياب المراعاة والتفهم
في مراحل سوء التفاهم ووانقطاع التنسيق بين الرجلين، انفجرت العلاقة أكثر من مرة. كان جنبلاط يعتبر أن الحريري لا يراعي ظروفه، ويتوغل في تحالفه مع التيار الوطني الحرّ بعيداً جداً، إلى حدّ طي حقبة التحالف مع حلفائه السابقين أي "الاشتراكي" و"القوات"، بل والسكوت عن ممارسات التيار الوطني الحر ومجاراته، من قانون الانتخاب إلى تشكيل الحكومة، وثلثها المعطل بيد باسيل، وآلية سير جلساتها، وصولاً إلى التعيينات وغيرها.. كلها وضعها جنبلاط في خانة ضرب اتفاق الطائف وضرب التوازنات. في المقابل، كان الحريري يعتبر أن جنبلاط يريد لنفسه كل شيء، وهو غير مستعد للبحث بما لا يتلاءم مع مصالحه، ومن دون مراعاة ظروف رئيس تيار المستقبل الصعبة أيضاً، والتي تحتاج إلى تفهّم ومراعاة، بعد كل ما حدث معه في السنوات الأخيرة. ولدى الحريري ملامة على جنبلاط بأنه يسارع إلى إبرام تسويات واتفاقات مع رئيس الجمهورية، من دون التنسيق معه، كما جرى يوم تنازل جنبلاط عن تمسكه بالمقاعد الدرزية الثلاثة في عملية تشكيل الحكومة.

ما بين "شجار" وآخر، كان جنبلاط يبعث رسائل إلى الحريري، تارة تكون هادئة وطوراً عنيفة وجارحة، وأغلبها تكون تحذيرية، من مضيه بتقديم التنازلات لصالح باسيل، كونها ستخسره ليس الطائف فقط، بل حتى جمهوره ودوره وموقعه. خصوصاً، أن جنبلاط يقرأ في الأبعاد الإقليمية التي يستند إليها باسيل في سياسته، لتحجيم خصومه وخدمة حلفائه، وتطويع رئيس الحكومة.

بمنتهى الصراحة
قبل حادثة قبرشمون في الجبل، كان الرئيس نبيه بري قد بدأ اتصالاته للجم التوتر بين الحليفين الأساسيين. وهو الذي سمع حرصاً حريرياً على العلاقة مع جنبلاط، وتمسكاً بدوره وعدم نسيان لمواقفه، كما سمع تمسكاً جنبلاطياً بالعلاقة الاستراتيجية مع الحريري، على الرغم من تعرّضها للكثير من الندوب، والتي لا بد من معالجتها، لأن مصير الرجلين سيكون مترابطاً. فجاءت حادثة الجبل، كحافز طارئ لترتيب اللقاء. هكذا، كانت الاتصالات، والمواقف الإيجابية التي برزت على الفور من الحريري تجاه جنبلاط، عبر رفض ابتزازه أو محاصرته، قبل وبعد واقعة الجبل، خصوصاً أنه رفض إحالة ملف الحادثة إلى المجلس العدلي، كي لا تكون القرارات سياسية واستنسابية. ما يعني أن الحريري اتخذ موقفاً ثابتاً ضد الاستفراد بجنبلاط. ولم يتوان عن إطلاق موقف انتقد فيه باسيل، حين قال إن الذين يريدون إجراء جولات في المناطق عليهم تحمل اعتراض الناس على استفزازاتهم. وسجّلت خلوة دار الطائفة الدرزية كسراً للجليد، وتحضيراً للقاء عين التينة، الذي كان بمنتهى الصراحة.

وحسب ما تؤكد مصادر متابعة للقاء عين التينة، فإن الرئيس نبيه بري شدد على وجوب الحفاظ على الهدوء والاستقرار والتسوية بين مختلف الأطراف. وهذا يتم عبر الالتزام بالعلاقات الإيجابية بين مختلف القوى، بمعزل عن الحسابات والمصالح الضيقة. وهذا يجب أن يتعزز من خلال الحفاظ على التوازن. الأمر الذي تجاوب معه الحريري وجنبلاط، وانطلقا بلغة المصارحة والمكاشفة إلى الحديث عن كل المرحلة السابقة وظروفها.

التشخيص والتناغم
وتشير المصادر إلى أن الرئيس سعد الحريري توجه إلى جنبلاط بتأكيده التمسك بالعلاقة معه، والحرص عليها، لما بينهما من تاريخ مشترك، قائلاً إنه يخاف عليه كما يخاف على نفسه، ومصرّ على الحفاظ على دوره الحافظ للتوازنات في البلاد، ولن يسمح لكل ما يعرّض جنبلاط أو دوره للخطر، لأنه يؤمن أن لبنان لا يقوم على إلغاء أحد. الأمر الذي وافق عليه جنبلاط، متوجهاً للحريري بالقول إنه قد تملكه الغضب في فترة من الفترات. وقد بدر منه كلاماً ومواقف قاسية، وهو لم يكن يقصد توجيهها للحريري بشكل شخصي، بل كانت تعبيراً عن غضب من تصرفات وممارسات، خصوصاً أن هناك قوى تتربص بالدولة ومواقعها، وتريد احتكار كل شيء لذاتها، وقد يكون الحريري (برأي جنبلاط) يترفع عن بعض التفاصيل أو متابعة الأمور بشكل مفصّل، لأنه يتعالى على الصغائر، بينما الآخرون لا يعملون إلا بمنطق نصب الأفخاخ وتوجيه الطعنات. ولذلك، حسب جنبلاط، لا بد من توحيد الموقف ورص الصفوف بمعزل عن الانقسامات العمودية التي كانت سابقاً، إنما تحت سقف حماية التنوع السياسي في البلد، وعدم السير نحو نموذج الحزب الواحد. وهذا يحتّم التواصل مع كل القوى، ومع رئيس الجمهورية، لحماية عهده وتعزيزه، بدلاً من إغراقه في صراعات ثنائية أو ثلاثية.

وشدد جنبلاط على أنه لا يريد للحريري أن يدخل في صدام مع رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية جبران باسيل، لا بل على العكس، من الضروري أن تبقى العلاقات الإيجابية، وتشمل الجميع، لما فيه من تحصين للوضع الداخلي، ومواجهة أي محاولة استفزاز من أي طرف. فإذا كان هذا الحال، فإن الجميع سيلجأ حكماً إلى رئيسي الجمهورية والحكومة.

بدا الحريري متناغماً مع كلام جنبلاط وبري، خصوصاً بعد ما جرى في جلسة الحكومة الأخيرة، ومبادرة باسيل بتعطيلها، الأمر الذي عبّر الحريري عن غضبه منه. وهنا قيل له أن هذا بالضبط هو ما كانوا يحذرونه منه سابقاً، عما يريد باسيل الوصول إليه، إذا ما بقي الحريري مترفعاً عن الردّ عليه واستسهال ما يجري.

خريطة طريق
وتعبّر مصادر الحريري عن ارتياح كامل لأجواء اللقاء، مشيرة إلى حصول اتفاق على التواصل اليومي والدائم، لمنع تراكم أو تفاقم أي مشكلة. معتبرة أنه تمت تصفية القلوب إزاء المرحلة الماضية. وكان هناك توافق في وجهات النظر حول طريقة الحل العادل والمنطقي لأحداث الجبل، وتسليم كل المطلوبين من دون استثناء، والتفاهم على خطوط عامة لخريطة طريق سياسية تحمي البلاد والاستقرار في المرحلة المقبلة. وهي تنطلق من الحفاظ على اتفاق الطائف، والموازنة بين جميع القوى، وعدم تعزيز دور أي فريق على حساب الآخر.

لا يمكن اعتبار اللقاء بأنه انطلاقة لتحالف سياسي جديد في البلد، ولا حتى اعتباره تمهيداً لتوسيعه، ليشمل القوات اللبنانية وتيار المردة، لأن ذلك سيضعهم في مواجهة حلفاء آخرين. لكن الأكيد ان التواصل سيستمر بين مختلف القوى، لإبقاء التوازن والحفاظ عليه.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024