السلطة تلقي دروساً أخلاقية وتسدي نصائح ثورية

يوسف بزي

الأربعاء 2019/11/06

استيقظ "غريغور سامسا" ووجد نفسه صرصاراً. هذا ما حدث في رواية فرانز كافكا. وهذا النوع من التحول يعاينه اللبنانيون اليوم مع النظام الذي استيقظ يوم 17 تشرين الأول ووجد نفسه كائناً ممسوخاً.

طوال عمر هذا النظام، كان أركانه على اختلاف مكوناته يتميزون في مؤتمراتهم الصحافية وفي إطلالاتهم التلفزيونية وفي "تغريداتهم" وفي تصريحاتهم.. وفي أفعال أتباعهم ومرافقيهم، بمزيج من البذاءة والعنف اللفظي والتحريض الطائفي شبه اليومي وفي استخدام "الزعران" والشبيحة والسلاح. نظام تميز في ذاكرة اللبنانيين بأنه ميليشياوي السلوك، مقذع اللغة. وركن أساسي فيه هو ترهيبي وعنيف ومتسلط ويستأنس للتهديد والوعيد والقمع وصولاً إلى القتل والتلويح بالحرب الأهلية، فيما أركانه الأخرى فضائحية ورثّة ومفعمة بقلة الحياء والوقاحة والتنمر. أما السمة الأهم والشاملة فهي الكذب والفجاجة والتبجح وسلاطة اللسان.

هذا النظام، وبكل رموزه و"شخصياته" وأبواقه لا يترددون بالاعتراف كل يوم تقريباً أنه نظام فاسد ومفسد وغارق في كل أنواع الفساد، الأخلاقي والسياسي والإداري. بل لا يترددون في الإقرار أنه نظام قائم على "النهب" والمحاصصة، بقدر قيامه على الطائفية والزبائنية واللصوصية.

منذ 17 تشرين الأول، هذا النظام المسخ يتأفف من سلوكيات انتفاضة اللبنانيين، تنجرح مشاعره المرهفة من تحطم زجاج واجهة مصرف. يا للهول. ذوو التاريخ العريق في تدمير البلد استاؤوا من تلطيخ جدار برذاذ ملون. وذوو الخطابات التي تنبش القبور وتبخّ سموم الكراهية والعنصرية وتحض على الاعتداء على اللاجئين والفيديوات المسربة السفيهة بل والمؤتمرات الصحافية الموشومة بعبارة "من الزنار وبالنازل" وسنوات من الإسفاف والتحريض والفجور والتي تنزّ احتقاراً للبنانيين.. راعهم سماع الشتيمة.

الأفدح هم خبراء تعطيل مجلس النواب لسنتين وتعطيل انتخاب رئيس جمهورية لسنتين وتعطيل البلد سنوات وسنوات.. خبراء قطع الطرق بالسواتر والحرائق، خبراء الغزوات والمعارك والرصاص والتفجيرات، خبراء ترويع سكان لبنان كله (وخارج لبنان أيضاً)، خبراء المربعات الأمنية.. ارتجفت قلوبهم فزعاً من إقفال مسرب من أوتوستراد. وراحوا كوعاظ صالحين يتحدثون عن مصالح المواطنين ومعاناتهم من الطرق المقطوعة. وأسرفوا في إلقاء المحاضرات عن حسن السلوك.

مسخنا اللبناني يريد تغيير جلده مثل أي أفعى. ولا واحد من أركان وحواشي النظام إلا وهو "مؤيد للحراك" (يصرّون على هذه التسمية: الحراك). كل المكروهين والمحتقرين والممقوتين والمشتومين من أهل السلطة يقولون أنهم "مع" الثورة. بل وهم السبّاقون فيها. وبعضهم من المتنبئين بها.

وانطلاقاً من انحيازهم للثورة، يريدون الآن قيادتها وتوجيهها!

جبران باسيل، خصص "إطلالته" ليبرهن أنه قائد فذ وطليعي للثورة، وأبدى بالغ حرصه على أن يساهم بوضع برنامجها. لكن الأهم كان تنبيهه إلى ضرورة التحلي بالأخلاق الرفيعة واللغة المهذبة.

طبعاً، حسن نصرالله بدوره مؤيد لكل الاحتجاجات. ولم يبخل على الثائرين إسداء نصائح قيمة بفضل خبرته، فنصح الثائرين بالعودة إلى المنازل و"ضبضبة" الاعتصامات وصون اللسان والكف عن السباب. وهو أفهمنا أنه سيقود بنفسه الثورة على الفساد ويعمل للإصلاح.. وإياكم وقطع الطرقات، عيب. فهذا ليس من علامات التحضّر.

الرئيس بري شخصياً أعلن تأييده أيضاً لثورة اللبنانيين، فتاريخ حركته وعقيدتها تثبت ذلك. وهو أيضاً تطوع لتوجيه الانتفاضة في المسار الصحيح: بلا شتائم يا شباب، بلا قطع طرق.

الحريري يظن نفسه ملهم الثورة وهو فيها قلباً وقالباً، لذا ينصح الجميع أن يتركوا مصيرها بيديه ولحنكته في التفاوض. وفي الأثناء، يطالب الثائرين أن يتحلوا بحسن الألفاظ والسلوك وفتح الطرقات المقفلة.

عشرات الوزراء والنواب من حاشية النظام ومثلهم إعلاميين ومشاهير ومفوهين من أذيال النظام وقرونه الاستشعارية، باتوا مرهفين خلوقين بالغي التحضر: ثورة نعم، لكن لتكن مثلاً كحصة تمارين اليوغا: هدوء، لطافة، سكينة، وصمت مطبق.

هذا المسخ لم يتلفظ بكلمة واحدة عن أزلامه وشبيحته وزعرانه وما فعلوه طوال الأيام الماضية. لم يعتذر عن ما يقترفه جلاوزته وعسسه من خطف وتعذيب وإرغام على تسجيل فيديوات المهانة. فالمسخ لا يعتذر عن كونه مسخاً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024