أسئلة السلطة للمواطنين.. أجوبة المواطنين للسلطة

نادر فوز

الثلاثاء 2020/11/24
في عيد الاستقلال الـ77، توجّه الرئيس ميشال عون إلى اللبنانيين برسالة، وسألهم فيها "أولم يحن الوقت لتحرير عملية تأليف الحكومة من التجاذبات.. كي يستقيم إنشاء السلطة الإجرائية وعملها"؟ قبلها بأيام سأل رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، اللبنانيين السؤال المطوّل التالي: "ماذا يفيدنا الانتظار في الوقت الذي يعاد فيه رسم الخرائط السياسية في المنطقة التي ستؤدي إلى تبدّل التحالفات وتُنذر بتحوّلات على أكثر من صعيد؟ وهل نبقى نتفرج على ما يدور من حولنا من دون أن نلتفت إلى ترتيب بيتنا الداخلي، كي لا نندم في حال لم نخرج من حالة التردد"؟ وقبله، سأل رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، بُعيد اشتباك مسلّح: "البلد يواجه تحدّيات استثنائية، وهناك تفلّت السلاح واعتداء على مراكز الأمن وكأن الأمور ليست تحت السيطرة. أين الأجهزة الأمنية؟ أين القضاء؟ ما هو دورهم في فرض هيبة الدولة"؟ ولا ينحصر نمط الأسئلة والتساؤل بالرؤساء الثلاثة، بل يندرج إلى كافة القيادات والمسؤولين. فثمة نائب من حصة رئيس الجمهورية يسأل "لشو الكهرباء؟ كيف عاشت البشرية من دون كهرباء"؟ فتجتمع كل هذه الأسئلة لتعزّز لدى المواطنين جملة من الأسئلة المضادة، منها لماذا نريد دولة؟ لماذا نحن محكومون بتركيبة مماثلة؟ لماذا كل هذه الاستخفاف بنا؟ وهي أشبه بتمارين يومية إضافية للسؤال عن ضرورة الثورة. 

أجوبة المنظومة
في لبنان، المسؤولون يسألون، وعلى المواطنين تأمين الأجوبة اللازمة. وحين يجيدون الإجابة، تكون الآذان قد صمّت وامتلأت ساحات الاعتصام بالشبيحة من جهة وبأمن القمع الرسمي من جهة أخرى. الأجوبة على كل الأسئلة الفاضلة التي تتقدّم بها أركان المنظومة الحاكمة، واضحة منذ ليل 17 تشرين 2019: إرحلوا! إلا أنّ ذلك لم يحصل بالطبع. وبعد القمع المنظّم في بيروت والمناطق، عملت السلطة على إعادة تدوير أسئلتها لتتناسب مع مرحلة الثورة المضادة. ثم اشتغلت على إعادة صياغتها من جديد، تارةً عن الدولة المدنية وطوراً عن إلغاء الطائفية السياسية، وبينهما العديد من الأسئلة حول الفساد واستحكامه في الدولة ومؤسساتها.

سلطة زئبقية
وإن بادر الناس إلى سؤال السلطة عن قعر الأزمة المتشعّبة، تكون أجوبة السلطة إما قمعاً مباشراً كما حصل في الساحات، أو قنصاً من خلال الاستفراد بالناشطين واعتقالهم. وفي بعض الحالات، استعانت السلطة بمنطق "ماري أنطوانيت" الرائج بين أركانها. فأتت الأجوبة المتنوّعة حول أسعار المواد الغذائية والودائع المصرفية ودعم القروض السكنية أو الحال العام للبلد، على مستوى "اشتروا من السوبرماركت الرخيصة" أو "عيشوا بالإيجار" أو حتى "هاجروا". ففي بلد مماثل، السلطة تسأل ولا تجيب. سلطة زئبقية، منها الفعلية وأخرى الدستورية وثالثة الشعبية متسلّحة بكل الموبقات الممكنة من طائفية ومذهبية وسلاح غير شرعي ودعم خارجي.

أين أموال الثورة؟
طرح الأسئلة، وعدم تقديم إلا الأجوبة المعلّبة بهدف تنمية غريزة الطائفة والرعية واستحضار المؤامرات سمة كل سياسيي لبنان. في خطابه الأخير، يوم 11 تشرين الثاني الماضي، سأل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن مصير الأموال التي تم مدّ ثورة 17 تشرين بها. قال إنّ "مليارات الدولارات التي انفقتها أميركا باعتراف دايفيد هيل على وسائل إعلام والجمعيات غير الحكومية وشخصيات"، وسأل "أين هي هذه المليارات"؟ الأكيد أنها ليست في الحسابات البنكية وإلا لكانت عوّمت السلطة ومنظومتها. الأكيد أنه لم يُرَ لها أثراً في الساحات. الأكيد أنها لم تُصرف لبناء تنظيمات سياسية معارضة ومعادية للتركيبة الطائفية الشريفة. والأكيد أنها لم تصرف على التسلّح كما فعلت وتفعل أحزاب التركيبة الحاكمة. لا أثر لهذه الأموال، كما أنه لا أثر لتلك المؤامرات الخارجية التي نسجت بألوان ثورة 17 تشرين وصيحات ناسها.

في لبنان، السلطة تحتجّ وتعترض، لا تتلقّ اللوم. السلطة تسأل ولا تجب. وحين أجاب المواطنون على أسئلة السلطة في ساحات 17 تشرين، دعتهم المنظومة إلى تحسّس عائلاتهم وأموالهم ووظائفهم وتعويضاتهم وأموال شيخوختهم. دعتهم إلى تحسس رقابهم. السلطة تذبح لإيجاد مخارج الأزمات. لأنها إن اضطرّت إلى الجواب تلجأ إلى دم الفتن الأهلية أو التلويح به. استمرّت السلطة بأسئلتها وتوالت أجوبة المواطنين بالهجرة حيناً، بالانتحار حيناً آخر، والتقوقع في أحيان كثيرة أخرى. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024