السنيورة في طرابلس: يقظة "المستقبل" المتأخرة

جنى الدهيبي

الجمعة 2019/04/12

جهودٌ استثنائية يبذلها "تيار المستقبل"، قبل أيام معدودة من فتح صناديق الاقتراع للانتخابات الفرعية بطرابلس، في 14 نيسان 2019، كما لو أنّ مرشحته، المطعون بنيابتها، ديما جمالي، تخوص غمار معركة ليست معروفة النتائج سلفًا!

نسبة الاقتراع المفزعة
في انتخابات أيار 2018، ورغم أنّ "المستقبل" كان يواجه معركةً صعبة وقاسية في وجه خصومه حينها، والتي آلت إلى تراجع شعبيته، وخسارته عددًا من المقاعد، إلّا أنّه اكتفى بتوكيل أمين عام تيار المستقبل أحمد الحريري إدارة حملته الانتخابية شمالًا، ثمّ زيارة رئيس الحكومة سعد الحريري لإحياء المهرجان الشعبي، الذي حشد له جماهريًا وأطلق فيه وعدي الإنماء و999 ألف وظيفة.

لكنّ الغريب، أنّ فرعية 2019 التي تحظى بها جمالي بدعمٍ سلطوي وحلف سياسي عريض، والذي ساق إلى غياب المنافسة المتوازنة مع المرشحين المستقلين، وهم يحيى مولود وعمر السيد ونزار زكا والنائب السابق مصباح الأحدب، لا سيما بعد أن اعتكفت قوى الثامن من آذار خوض الانتخابات ترشحًا واقتراعًا، تتعاطى معها بقلقٍ وحذرٍ شديدين. وهذان، القلق والحذر، ليس خوفًا من خسارة جمالي التي بات نجاحها في المشهد العام شبه مضمون، وإنّما هما نابعان من خشية "المستقبل" من تدني نسبة الاقتراع. لذا، وفي ظاهرةٍ استثنائية تعيشها طرابلس، وإلى جانب الجولات اليومية لأحمد الحريري في المدينة برفقة جمالي، زارتها النائبة بهية الحريرية قبل الأربعاء، وزارها يوم الخميس رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، حيث قاما بسلسلة طويلة من الجولات واللقاءات مع سياسيي وقيادات طرابلس، كما أحييا المهرجانات الشعبية في عددٍ من المناطق، دعيا فيها إلى النزول يوم الأحد للتصويت بـ "كثافة" لديما جمالي.

الخوف وابتداع العناوين
حجم دعوات التصويت بـ "كثافة" ونوعيتها، والتي سيكللها اليوم الجمعة الرئيس سعد الحريري في زيارته إلى طرابلس، بإعطاء جرعات إضافية من الحماسة للحشود الشعبية التي تنتظر استقباله، تبدو كفيلة بإنجاح لائحةٍ طويلة من المرشحين وليس جمالي وحسب. غير أنّ الخوف من نسبة الاقتراع التي يعتبرها الحريري اختبارًا شخصيًا لشعبيته "السنية" في طرابلس، يبدو في مكانه. فكلّ الإحصاءات والتقديرات، تنمّ عن نسبة اقتراعٍ قد تبدأ من 7 في المئة ولا تتجاوز الـ 17 في المئة بأحسن الأحوال، و20 في المئة إذا حصلت معجزة ما. والحديث عن هكذا نسب اقتراع، من دون وجود منافسٍ جديّ لجمالي، قد يكون بمثابة ضرب موجع لزعامة التيار الأزرق في عاصمة الشمال، وافقاد الشرعية المعنوية لنتائج الانتخابات، بعد أن "أكل" الضربة الأولى في انتخابات أيار 2018، حين استطاع رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي أن يكرّس "زعامةً طرابلسية – سنيّة" تتفوق على زعامته، بـ 21 ألف صوت تفضيلي نالهم منفردًا، وفوز لائحته بـ 4 مقاعد نيابية.

أمّا في فرعيّة طرابلس، وفي ظلّ غياب العنوان السياسي للمعركة الانتخابية، ثمّة نوع من اختلاق عناوين وابتداع أخرى، قد يختمها الحريري الجمعة بدعوة الطرابلسيين، الذين يعتبر معظمهم أنّهم غير معنيين بهذه الانتخابات، لأن يقفوا إلى جانبه، دعمًا وتعزيزًا لصلاحياته وسلطته، وردًّا على كلّ محاولات التضييق عليه.

جولة السنيورة
وهنا، لا بدّ من الوقوف على زيارة الرئيس السنيورة لطرابلس، التي بدأها صباحًا من دارة الرئيس ميقاتي، ثمّ جال على سياسيين المدينة، من النائبين محمد كبارة وسمير الجسر واللواء أشرف ريفي والمفتي مالك الشعار ورئيس غرفة التجارة والصناعة توفيق دبوسي، قبل أن يختم زيارته في منطقة القبّة حيث أحيا مهرجانًا شعبيًا.

اللافت في زيارة السينورة، كانت تصريحاته، التي ردد فيها خطابًا، بدا أعمق بكثير من فكرة الاقتراع لمقعد نيابي، لن يغيّر شيئًا في اصطفافات البلد، وتوزانات القوى فيه، وأحجام كتله النيابية المفرزة، والتركيبة الحكومية. فمن دارة الرئيس ميقاتي، اعتبر السنيورة أنّه "في خضم المتغيرات على الساحة اللبنانية، والخلل في التوازن الداخلي، والمتغيرات في المنطقة، أعتقد أن هناك ضرورة لتقول طرابلس كلمتها، وتعبر عن رأيها بانتخاب ديما جمالي. وبالتالي، فإن هذه هي الصرخة الأساسية التي نريد أن نوجهها، بضرورة عودة الدولة اللبنانية".

ومن دارة اللواء ريفي، أشار السينورة أنّه جاء إلى طرابلس من أجل دعم جمالي، اعتقادًا منه "أن تيار المستقبل الداعم لها يعلم مدى كفاءتها وخبرتها وإرادتها وتصميمها على خدمة طرابلس. على أهل طرابلس أن يتخذوا قرارهم في عملية استنهاض الدولة ومدينة طرابلس وقدرات أهلها".

سؤال "المدن"
معركة انتخاب ديما جمالي في طرابلس، أعطاها السنيورة من دارة كبارة لقب "استعادة الدولة اللبنانية"، التي تتعرض، وفقه، للتآكل والتقاسم من قبل الأحزاب والميليشيات، مؤكدًا أنّه "لا يجوز" لأهالي طرابلس مقاطعة الانتخابات، وإنما يجب المشاركة بها. فـ"كلما أتت المشاركة كثيفة كانت النظرة لمدينة طرابلس أهم وأعمق، كونه منها يتم التعبير عن وجدان الشعب اللبناني والذي ينادي بالدولة القادرة والعادلة".

وردًّا على سؤال "المدن" للرئيس السنيورة حول ما تبيّن أنّ حصّة طرابلس من مؤتمر "سيدر" لا تتجاوز 319.5 مليون دولار من أصل 20 مليار دولار أميركي طلبهم لبنان قبل أن يحصل على 11 مليار دولار، اعتبر أنّ حصّة طرابلس قد تكون أكثر من ذلك، وأوعز على جمالي تزويد الصحافيين بتفاصيل مخصصات طرابلس من "سيدر" أثناء جولاتهم خلال النهار.

وطبعًا، انتهى النهار وحلّ الليل من دون أن "توضّح" جمالي شيئًا بما يخصّ مخصصات طرابلس من "سيدر"، علمًا أنّ الأرقام محققة وموثقة ومدققة من ملف مشاريع المؤتمر، ولا تحتاج لتوضيحات على هيئة "المشاريع الوطنية". 

وهذا، ويختم اليوم الرئيس الحريري مرحلة ما قبل الدخول بـ "الصمت الانتخابي" الذي يبدأ ليل الجمعة، بانتظار أن تفتح صناديق الاقتراع صباح يوم الأحد، لمعركةٍ يخوضها "المستقبل" مع نفسه من دون خصمٍ سياسيٍ منافس، بعيدًا من المرشحين المعارضين والمستقلين.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024