القضاء و الإعلام والسفيرة: قضية تاج الدين في الأفق؟!

المدن - سياسة

الأحد 2020/06/28
فتح قرار قاضي الأمور المستعجلة في صور، محمد مازح، يوم أمس السبت، بمنع المؤسسات الإعلامية اللبنانية من إجراء أي مقابلة مع السفيرة الأميركية دوروثي شيا، أو إجراء أي حديث معها لمدة سنة، أبواب السجالات واسعاً.
واستمرّ السجال اليوم على وقع قرارات سياسية وأخرى قضائية لم يُعرف خيرها من شرّها حتى الساعة. فاستدعى وزير الخارجية، ناصيف حتّي، شيا للقائها يوم الإثنين "لإبلاغها الاحتجاج على تدخّل أي سفير في الشؤون الداخلية لأي بلد آخر وعدم جواز تحريض اللبنانيين على بعضهم البعض". وفي السياق نفسه، تضاربت المعلومات حول إحالة مازح إلى هيئة التفتيش القضائي، ليعود النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ويؤكد أنه لم يطلب إحالته إلى التفتيش، مشدداً على أنّ "مجلس القضاء الأعلى سيعقد جلسته العادية بعد غد الثلاثاء، إلا إذا استدعت الظروف تقديم موعد الجلسة إلى يوم غد".

قضية تاج الدين؟
لكنّ البحث في أسباب اشتعال هذا السجال اليوم، قد يحيلنا إلى طلب الاستئناف الذي تقدمت به وزارة العدل الأميركية أمس السبت، بالقرار القاضي بالسماح بإطلاق مبكر لرجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين، بحجة أنه غير مؤهل للإفراج عنه "لأسباب إنسانية" بسبب كورونا. فلفت تقرير لــ"NBC news" إلى أنّ "قاضي المقاطعة الأميركية ريجي والتون أمر الشهر الماضي بالإفراج عن تاج الدين، الذي اعترف بالذنب في تهم غسل الأموال (لصالح حزب الله)، وخفض عقوبته إلى الوقت الذي قضاه، وذلك بعد أن قدم محامو تاج الدين عريضة تفيد بأن موكلهم كان "عرضة" لفيروس كورونا بسبب عمره وصحته". ومع "اقتراب وقت عودة تاج الدين إلى لبنان الشهر المقبل (تموز)، قدمت وزارة العدل الخميس استئنافًا على أمر الإفراج في محكمة الاستئناف الأميركية"، حسب التقرير نفسه. وكان ارتبط اسم تاج الدين بصفقة إطلاق لبنان سراح العميل الإسرائيلي عامر الفاخوري قبل أشهر، ويأتي استئناف القرار من قبل وزارة العدل الأميركية كتراجع عن هذه الصفقة. وقد يكون كل السجال الحاصل اليوم نتيجة تعثّر إطلاق تاج الدين.

استقالة مازح
وكان مازح قد استبق احتمال إحالته إلى التفتيش القضائي ولوّح بتقديم استقالته. فأشار إلى أنه لم يتبلّغ "أي شيء يتعلق بهذا الأمر وفي حال كان الأمر صحيحاً فإنني وقبل إحالتي على التفتيش بسبب قرار أصدرته وأنا مرتاح الضمير وبكامل قناعتي، واستناداً إلى أحكام القانون التي أوردتها في القرار، أقدم طلب إنهاء خدمتي في القضاء على أن أتقدم بها في صورة رسمية نهار الثلاثاء الموافق في 30/6/2020". إلا أنّ مصادر معنية أكدت لـ"المدن" أنّ مازح كان يتحضّر قبل أيام لتقديم استقالته، وقام باتخاذ إجراءات إدارية ومالية بهدف إنهاء خدمته، الأمر الذي يضع قراره القضائي الأخير حيال الإعلام اللبناني وشيا كـ"ضربة" قضائية أخيرة قبل خروجه من الخدمة.

إطلالات شيا المتلفزة 
أما المؤسسات الإعلامية اللبنانية، فكسرت قرار مازح بعد ساعات من صدوره، إذ كادت السفيرة الأميركية أن تطلّ على كل المحطات المحلية المتلفزة في لقاءات واتصالات معها، للوقوف عند موقفها من القرار القضائي. كما تناقلت أغلب المواقع الإلكترونية الإخبارية مواقف شيا، التي أكدت أنه "سيكون للبنان نقطة سوداء على سمعته بعد ما حصل أمس، وأنصح أن نضع هذا الفصل وراءنا، لأن لدينا مشاكل أهم يجب التركيز عليها في الوقت الحاضر". وشدّدت شيا على أنها تلقت اتصالاً هاتفياً من "مسؤول رفيع المستوى في الحكومة وقد اعتذر عن الحكم غير الملائم، وأكد لي أنّ الحكومة ستأخذ الخطوات المناسبة لحذفه". لتعلّق على ما قالته وزير الإعلام، منال عبد الصمد، أنّ أياً من وزراء الحكومة لم يعتذر للسفيرة عن القرار، مشيرةً إلى أنه "للأسف، أعتقد أن وزيرة الإعلام لا تملك المعلومات الكافية، لذلك سأدع الحكومة تتحدث عن نفسها".

التصويب على حزب الله
وتابعت شيا مواقفها في مقابلات مع المحطات اللبنانية لافتةً إلى أنه "ربما شعر حزب الله بالتهديد لأنني سلّطت الضوء على أفعاله التي أثّرت على الأزمة الاقتصادية، يحاولون إسكات الإعلام في بلد معروف بحرية الإعلام. وهذا أمر مثير للشفقة ولا ينتمي الى لبنان بل لدولة كإيران". وأعربت شيا عن تمنياتها لو أنه "بدلاً من التركيز على هذا الأمر، أن يتم التركيز على أسباب الوضع الاقتصادي الحالي، وأتمنى أن يتم التركيز على الأمور الطارئة الأهم".

بيان الخارجية الأميركية
وعلى صعيد متصل، اعتبرت وزارة الخارجية الأميركية أنّ القرار القضائي الصادر بمنع وسائل الإعلام من نشر تصريحات للسفيرة الأميركية في بيروت، وإجراء أي مقابلة معها على خلفية تصريحات أدلت بها بشأن حزب الله، محاولة من قبل الحزب "لإسكات الإعلام اللبناني وهو أمر مثير للشفقة". وقالت الخارجية، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه "حتى التفكير في استخدام القضاء لإسكات حرية التعبير وحرية الصحافة أمر سخيف"، مضيفةً "نحن نقف مع الشعب اللبناني وضد رقابة حزب الله".

مواقف سياسية
وتعليقاً على قرار مازح، غرّد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، عبر تويتر اليوم الأحد قائلاً: "يا لها من فوضى في القضاء والخارجية والمالية والإدارة. القضاء يبدو وبعد تعثر التشكيلات يسير على خطى المهداوي كمقدمة لنظام شمولي. في الخارجية فإن الوزير يذكرنا بوليد المعلم. في المالية مدير نافذ يعبث بالأرقام لتفشيل الحوار مع الهيئات الدولية. في الإدارة عسس من المستشارين الحاقدين".

أما البطريرك الماروني، بشارة الراعي، فأشار في عظته اليوم إلى "أسفنا الكبير لأن يصدر في الأمس حكم قضائي مستغرب يمنع شخصية دبلوماسية تمثل دولة عظمى من حق التعبير عن الرأي، ويمنع جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية من إجراء أي مقابلة معها أو أي حديث لمدة سنة، كما أسفنا واستغربنا أن يصدر في يوم عطلة وخلافا للأصول القانونية، مشوهاً هكذا صورة القضاء اللبناني، ومخالفاً للدستور، وناقضاً المعاهدات الدولية والاتفاقيات الدبلوماسية. فاقتضى الاستنكار وتوجب التصويب".

وعلى خط آخر، اعتبر عضو كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله)، النائب حسن فضل الله، أنّ التصريحات الأخيرة لسفيرة الولايات المتحدة الأميركية في بيروت دوروثي شيا "تشكل اعتداءً سافراً على سيادة بلدنا وكرامته الوطنية، وإساءة لشعبه ومقدساته ودماء شهدائه، الذين حرروا أرضهم وحموا شعبهم". ووصف فضل الله مواقف شيا بـ"حملة التحريض والتضليل، ومحاولة بائسة للتغطية على الدور التآمري للإدارة الأميركية على لقمة عيش اللبنانيين وعملتهم الوطنية، الذي كشف عنه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله ووضعه الإطار الوطني الصحيح لمواجهته، والمباشرة بالعمل الوطني الجاد لفتح الطريق أمام خيارات اقتصادية واعدة للبنان خارج الهيمنة الأميركية، وهو ما يزيد من توتر المسؤولين الأميركيين وممارستهم الضغوط على لبنان لمنعه من النهوض".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024