المقايضة الكبرى

مروان حرب

الإثنين 2020/05/18

أيّام الدّراسة، كان تلميذٌ يتسلّل إلى بستان الدّير، وعند عودته بغنيمته كان يوزّع بعضًا منها على التلامذة. سألته يوماً لماذا لا يحتفظ بكامل الغنيمة لنفسه. فأجابني: أشارك البعض منها لمقايضة الآخرين على سكوتهم. هكذا أضمن العودة إلى البستان والآخرون يضمنون حصّتهم. المقايضة الكبرى التي قامت بها النّخب الحاكمة في لبنان لشراء الولاءات، قامت على نهب الدّولة ومؤسّساتها وعلى توزيع البعض من غنيمتها على شكل مشاريع وتنفيعات واحتكارات ووظائف وخدمات. استمرت هذه المقايضة في حمايتها من المحاسبة، فأفلست الدّولة بالكامل.

تجلّى كيد هذه المقايضة مؤخّرًا من خلال نتائج استطلاع للرأي، نشرته "الدولية للمعلومات"، كشفت أن 47.4 في المئة من الشّعب اللبناني، أعرب عن إرادته بإعادة انتخاب الأشخاص ذاتهم، الذين صوّت لهم في الانتخابات النّيابيّة السّابقة. الأشخاص أنفسهم الذين تسببوا بأخطر الأزمات التي عرفها لبنان في تاريخه المعاصر.

ليس من الصعب فهم أسباب دفاع النّخبة الحاكمة بشراسة عن نفسها ونفوذها. إغواء السلطة يكاد يكون الإغراء الأخطر في حياة المجتمعات السّياسية.  لكن من المحيّر فعلاً فهم كيف أنَّ حوالى نصف الشّعب اللبناني ما زال يدافع ويناصر ويراهن على نخبة سياسيّة، أولاً فاشلة، وثانياً قايضته على مستقبله وماله واستقراره وحرّيته. نخبة نهبت مقدرات الدّولة وأدخلت لبنان في محنة قد لا يخرج منها بسنوات عديدة.

لا يمكن الطّلب من السلطة السّياسية مواجهة الفساد وإعادة أموال النّاس وايقاف الهدر، وما زال قسمٌ من الشعب اللبناني مصرّاً على الاستمرار بحماية وبقبول مقايضة توزيع المغانم مقابل الولاء. بالتالي، من البديهي الاعتراف بأن مسؤولية الأزمة التي يشهدها لبنان، ليست مسؤوليّة السّلطة وحدها، بل هي مسؤولية كلّ من يستفيد من جهات وأفراد من منظومة الفساد.

انتفاضة 17 تشرين ليست فقط أمام تحدّي إسقاط النخبة السياسية، وعدم الوقوع في حيل الأجهزة الأمنية. لكنّها أمام تحدٍّ أكبر مع من يشبهها من شعبٍ يقع في الهاوية معتقداً أنّه يطير.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024