ترسيم الحدود: العبث السياسي.. وتقاسم الثروة مع إسرائيل

المدن - لبنان

الثلاثاء 2021/05/04

مع استئناف جولات التفاوض لترسيم الحدود الجنوبية، هناك عشرات الأسئلة على السياسيين الإجابة عليها من بينها:

- متى تتوقف هذه المقاربة العبثية لترسيم الحدود التي بدأت "بفضيحة" ترسيم 2006 واستكملت "بخطيئة" ترسيم 2008، وتواصلت "بنقيصة" الاتفاقية مع قبرص، ولتستمر منذ العام 2011 حتى اليوم "بخطأ" المرسوم 6433. وإذا كان الترسيم الجديد (النقطة 29)، صحيحاً، فلماذا تبرأت منه القوى السياسية وحولته إلى "لغم سياسي" تتقاذفه في ما بينها، ليستقر في أيدي الجيش اللبناني والوفد المفاوض. علماً ان "دور الجيش هو تقني بحت" كما أكده قائده، العماد جوزيف عون، داعياً "السلطة السياسية إلى دعم الوفد المفاوض وتحديد ما هو مطلوب منه". وليشرح رئيس الوفد العميد بسام ياسين حقيقة الوضع بقوله "نحن عسكر نذهب إلى الحرب لنربحها"..

- كيف سيخوض الوفد اللبناني معركة التفاوض من دون سلاح قانوني، يتمثل بمرسوم بديل عن المرسوم 6433، يتم إيداعه لدى الأمم المتحدة؟ وبماذا سيرد العميد ياسين إذا سأله الوفد "الإسرائيلي" إذا كان الترسيم الذي يطرحه اجتهاداً شخصياً أو أطروحة لدورة أركان، أم هو وثيقة رسمية دولية؟

- ما الذي يمنع من عقد طاولة حوار وطني، أو "جلسة مفاوضات" بين القيادات السياسية والروحية أيضاً، تخصص لبند وحيد هو ملف الحدود البحرية مع العدو ومع الشقيق والصديق، يتم خلالها الاتفاق على ترسيم الحدود بناء على معطيات علمية وقانونية دقيقة، وهي متوافرة. ومع أن الجيش لديه ما يكفي من المعرفة والخبرة والتجهيزات، فلا بأس من الاستعانة بخبرات دولية، ولتكن غير المكتب الهيدروغرافي البريطاني الذي تم الاستناد إلى دراساته في "خطيئتي" 2006 و2011، قبل أن يصدر دراسته المنقحة في 2011.

- ألم يحن الوقت للاتفاق على "ترسيم حدود التسويات" مع العدو والشقيق، التي يرتكز إليها الوفد المفاوض بما يكفل تعزيز قدرته على التفاوض، والتوصل إلى الاتفاقية المرجوة بأسرع وقت ممكن. مع "التوافق" سلفاً وبعيداً عن حفلات المزايدة والزجل حول الوطنية والسيادة، على أن ترسيم حدود المناطق الاقتصادية الخالصة هو عبارة عن اتفاقية (نعم اتفاقية) لتقاسم الموارد بين الدول المتجاورة أو المتقابلة، ولا علاقة لها بسيادة الوطن وكرامته و"حبات ترابه". فهذه المعايير تنطبق على الحدود البرية والمياه الإقليمية فقط.

- كيف سيتم التفاوض على المكامن المشتركة، وهي موجودة فعلاً، كما تشير المسوحات ثلاثية الأبعاد، بغض النظر عن أي خط يعتمد للحدود وعن أي نسبة تأثير تعطى لصخرة "تاكيليت". فهل يتم مثلاً اعتماد خط متعرج لتجنب المكامن المشتركة، فيتنازل لبنان عن مساحة معينة في المنطقة المقابلة للحقول الإسرائيلية مقابل تنازل "إسرائيل" عن مساحة مماثلة في المنطقة المقابلة للحقول اللبنانية. أم يتم البحث بتكليف الشركات المشغلة في البلوكات اللبنانية و"الإسرائيلية"، "بالتوصل إلى اتفاقية حول أفضل وأكفأ طريقة ممكنة للتنسيق بين الأنشطة البترولية لضمان طريقة استخراج فضلى، بما في ذلك توزيع الحصص البترولية". وقبل توجيه تهم الترويج للتطبيع مع "إسرائيل" أو تقديم أوراق اعتماد لأميركا، نشير إلى أن هذا الحل منصوص عليه حرفياً في المادة 38 البند (1) من قانون الموارد البترولية اللبناني. كما نشير إلى وجود اقتراحات وأفكار جدية للحلول لدى شركات كبرى دولية وإقليمية، تتمثل بإبرام عقود طويلة الأجل لشراء الحصة اللبنانية من غاز المكامن المشتركة ونقله إلى محطات التسييل في مصر لتصديره.

- هل يمكن البحث بتشكيل هيئة وطنية لترسيم الحدود البحرية، تشكل مخرجاً "لمصيبة" الانقسام السياسي وتنازع الصلاحيات بين المراجع الدستورية والوزارات والهيئات والأحزاب والجمعيات.

أوراق قوة لبنان
مع أن لبنان يعود لطاولة المفاوضات، وهو في حالة غير مسبوقة من الضعف السياسي والاقتصادي والمالي، لكنه بالمقابل لا يزال يمتلك الكثير من أوراق القوة، وأهمها على الإطلاق حاجة "إسرائيل" الملحة للتوصل إلى اتفاقية لترسيم الحدود مع لبنان، ليس لدرء خطر نشوب حرب معه وخوفاً من صواريخ حزب الله فقط، بل لضمان الاستقرار على جانبي الحدود، بما يشجع كبريات الشركات العالمية على الاستثمار في الحقول "الإسرائيلية" ويقنع الشركات العاملة فيها بالاستمرار. لأن هذه الشركات تتجنب العمل في مناطق نزاع. ولكي لا نطيل الشرح، لنراقب قرار شركة شيفرون إذا كانت ستحتفظ بالأصول "الإسرائيلية" لشركة نوبل أنيرجي بعد الاستحواذ عليها، أم ستقوم بعرضها للبيع. ولنراقب أيضاً تباطؤ عمليات الاستكشاف والتنقيب في المياه القبرصية بعد النزاعات المتتالية مع تركيا. ولنراقب بالمقابل اندفاع هذه الشركات للاستثمار المكثف في المياه المصرية حيث لا نزاعات حدودية مع أي من جيرانها. وهناك من يقول ان مصر تخلت طوعاً عن مساحات شاسعة من مياهها البحرية لصالح قبرص واليونان للتوصل إلى اتفاقيات معهما لترسيم الحدود لتشجيع الشركات على الاستثمار. وذلك ما حدث فعلاً حيث اكتشفت شركة إيني "فجأة" وبعيد توقيع اتفاقية الترسيم مع قبرص، حقل ظهر العملاق وتم وضعه على الانتاج خلال أقل من ثلاث سنوات. وربما يجوز التساؤل هنا، عن حقيقة نتائج الحفر وعدم اكتشاف الغاز بكميات تجارية في البلوك رقم 4.

إذاً، "إسرائيل" تحتاج إلى ضمان الاستقرار على حدودها، لتتمكن من استغلال حقول الشمال حيث يتركز الجزء الأكبر من ثروتها الغازية. والعامل الضاغط هو حاجة الشركات إلى تصدير حصتها من الغاز لضمان استرادد استثماراتها وتحقيق الأرباح. وذلك ما يفسر التنازلات التي قدمتها إسرائيل لمصر في ملف غاز غزة الشهر الماضي، لتضمن موافقة مصر على مد خط أنابيب من حقل ليفياتان إلى محطة إدكو للتسييل.

كما يمتلك لبنان ورقة قوة مهمة وهي سلامة الترسيم الذي أعده الجيش اللبناني، والذي ينطلق من النقطة B1 عند آخر نقطة في رأس الناقورة براً إلى النقطة 29 بحراً. وهو ترسيم يعتمد معايير وأسس قانون الأمم المتحدة للبحار، خصوصاً في المواد المتعلقة بعدم إعطاء أي تأثير للجزر غير المأهولة وغير القابلة لاستدامة الحياة، فكيف بصخرة "تاكيليت" التي لا يزيد طولها عن 70 متراً. ولا يغير من هذه الحقيقة قيام إسرائيل ببناء منارة للقوارب السياحية على الصخرة، أو فندق صغير لقضاء عطلات شهر العسل، كما يشاع.

نقطة القوة الثالثة تتمثل بوجود توافق روسي أميركي أوروبي، على ملف الترسيم واستغلال موارد الغاز في لبنان وشرق المتوسط عموماً، وهو توافق قد لا يدوم طويلاً.

لبنان أمام فرصة لا تعوض لتسجيل انتصار حقيقي في ملف الترسيم يقود إلى البدء باستغلال ثروته من النفط والغاز التي لا يزال السياسيون "يتفنون" في عرقلة استغلالها.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024