الانتصار لحزب الله والكرسي للحريري

منير الربيع

الأربعاء 2018/10/31
منذ خمسة أشهر، ومسار حزب الله بالغ الوضوح: المطالبة بوزير يمثل النواب السنّة الخارجين عن تيار المستقبل. لكن، في غمرة البحث عن حلول للعقد الوزارية الأخرى، خَفُت مطلب هؤلاء، ليتجدد قبل حوالى الأسبوع، مع الحديث عن قرب تشكيل الحكومة. كان الشرط موضوعاً منذ اليوم الأول. لكن الرئيس سعد الحريري لم يكن يعيره أي أهتمام، إلى أن حُلّت عقدة حزب القوات، فبرزت عقدة الوزير السنّي "المستقل" لتتأخر مجدداً عملية التشكيل. كان الحريري قد وضع مهلة أمام القوات اللبنانية للمشاركة في الحكومة أو الذهاب إلى التشكيل من دونها. وكان قد أوصل رسالة إلى القوات بأنه مهما حصل وكان قرارها، سيسير في الحكومة يوم الثلاثاء. اتخذت القوات القرار بالمشاركة، لكن الحكومة العتيدة تعطلت عند عقبة الوزير السنّي، وسط عدم تهديد جدّي من قبل الحريري، بأنه سيشكلها كيفما كان.

تصلّب حزب الله في مطلبه وانضم إليه الرئيس نبيه بري. وأعلن حزب الله أن موقفه أكثر من جدّي، وهو لن يسلّم أسماء وزرائه ما لم يحسم الحريري توزير واحد من هؤلاء النواب. ربما يكون الحريري قد اكتشف متأخراً أخطاءه في السير بهذا القانون الانتخابي، الذي أتى بكتلة نيابية سنية معارضة له في مجلس النواب، ويصفها هو والمحيطون به بحصان طروادة. لكن الوقت لم يعد متاحاً للندم والعودة بالزمن إلى الوراء. وهو يقف أمام خيار عرقلة تشكيل الحكومة مجدداً، أو إيجاد حلّ معيّن لتوزير هؤلاء.

في مقابل تصلّب حزب الله، أبدى الحريري تشدداً بانه يرفض توزير هؤلاء من حصّته. واعتبر أنه مستعد للاعتذار إذا ما أجبر على التنازل عن وزير من حصته لصالحهم. لكن حزب الله كان يعلم أن الحريري يناور، ويعلم أكثر أنه غير مستعد للتخلي عن رئاسة الحكومة، كما أن الحزب ليس بهذا الوارد وفق ما أكد المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسن الخليل، الذي اعتبر أن لا بديل من الحريري. وجد الرئيس المكلف نفسه أمام خيار الذهاب إلى رئيس الجمهورية، لعلّه يتنازل لصالح النواب السنة بوزير من حصّته، وبدلاً من تسميته لوزير محسوب عليه يسمّي وزيراً منهم، بعد أن أسقط مسعى المقايضة من قبل الحزب لصالحهم، إذ تمسّك الحزب بالحصة الشيعية كاملة.

على هذا الأساس توجه الحريري إلى بعبدا للقاء عون والبحث في آخر ما يمكن فعله لحلّ المعضلة وتشكيل الحكومة. ولكن، هنا لا بد من تسجيل ملاحظات عديدة حول ما حدث. لا شك أن حزب الله راقب بغبطة المسار التنازلي الذي بدأه الثلاثي، الذي كان متصلّباً في الفترة الأولى من المفاوضات، أي تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات. فبعد أن تنازل وليد جنبلاط وسمير جعجع، اعتبر الحزب أن الحريري سيكون جاهزاً للتنازل، على الرغم من وجهات نظر بعض قيادييه بالحرص على حفظ ماء وجه الحريري، وعدم إحراجه كثيراً. ففي نهاية المطاف، سيكون التأثير والقرار في الحكومة لحزب الله أولاً وآخراً، ولا بد من مراعاة الحريري بعدم تنازله على وزير من حصّته لصالح خصومه داخل طائفته.

هناك رأي وجيه في توصيفه للعقدة السنية الجديدة، باعتباره ضغطاً من قبل النظام السوري، أو حتى من قبل إيران، على الرغم من استعجال حزب الله ولادة الحكومة. هذا الضغط المستجد قد يكون له مغزى فتح قناة تواصل أوروبية مع طهران لتسهيل الحكومة، كتدخّل فرنسا مثلاً، على أبواب العقوبات التي ستدخل حيز التنفيذ، فيما الحلّ المرسوم سلفاً يكون بعدم الاقتراب من حصة الحريري، وتسمية وزير سني من حصة رئيس الجمهورية.

مهما كانت النتيجة النهائية، لا بد من تسجيل ملاحظات أساسية، أولها عملية التطويق التي تعرّض لها الحريري منذ اليوم الأول لبدئه مفاوضاته. تارة يتم فتح ملفّ (أو حرب) الصلاحيات، وطوراً تكبيله بشروط شبه تعجيزية حول حصته وحلفائه، وإبداء رئيس الجمهورية الملاحظات على صيغته. فيما هو أمعن في تطويق نفسه أيضاً، بأنه انتظر مشاورات الأفرقاء فيما بينهم، مبدياً تمنياته فقط، بينما كان بإمكانه الالتزام بكلامه وموقفه المعلن والذهاب إلى بعبدا بتشكيلته يوم الثلاثاء بعد حلّ عقدة القوات، وتقديمها للرئيس عون ووضع الكرة في ملعبه، فإما أن يرفضها، أو يوافق عليها، أو يتنازل من حصته لصالح سنة 8 آذار. فتنجز المراسيم وتحال إلى المجلس النيابي لنيل الثقة.

بمعزل عن كل هذه التفاصيل، الحكومة ستتشكل عاجلاً أم آجلاً. والحقيقة الأبرز في هذا المسار أن حزب الله حقق انتصاراً مدوياً، بالإضافة إلى نجاح التيار الوطني الحرّ بتكريس أعراف لن يكون من السهل العودة عنها مستقبلاً، فيما الحريري يكون قد ربح تجديد تحالفه مع عون.. وكرسي يستعد للتخلّي عن الغالي والثمين في سبيله، ومن أجل ألا يجلس أي شخص غيره عليه.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024