عن الحريرية والديابية.. ورياض سلامة

أحمد بيضون

السبت 2020/04/25
هجومُ حسّان دياب على رياض سلامة والمصارف يؤولُ إلى إخراج الأزمةِ الماليّة التي تتخبّط فيها البلاد من النظام السياسيّ وعالَمِ السياسةِ بأسْرِهما وتحويلِها إلى ركامٍ من الجرائم العاديّة تصدّرها وغطّاها حاكمُ المصْرف المركزيّ ولا شَأنَ للدولةِ بها بما هي دولة ونظام. يُسْعِفُ هذا الهجومُ أيضاً طموحَ الحلفِ الحاكم فعلاً إلى وضعِ اليدِ على مصرِفِ لبنان، بعد اتّخاذِ حاكِمِهِ كَبْشَ محرقةٍ، وهذا في مساق وضعِ الحلْفِ المذكورِ يدَهُ على"الدولة" لا على "السُلْطةِ" وحْدَها.

رأسُ ما يُغْفِلُه دياب أنّهُ مسؤولٌ في دولةٍ مدينةٍ للمصارفِ، وبالتالي للمودِعين، بسبعين مليار دولار، على الأقلّ، (هي جملةُ الدَيْنِ العامّ الداخليّ) وأنّ هذه الدولةَ باتت عاجزةً عجزاً معلَناً عن الوفاءِ بالتزاماتِها المتعلّقةِ بالدَيْنِ العامّ، الداخليِّ منه والخارجيّ.

لذا كان السؤالُ الأوّلُ المستحقُّ - قبْلَ ذاكَ المتعلّقِ بالتَهْريبِ الحديثِ العهدِ للأموال - هو المتعلّقَ بهذا الدَيْنِ المهولِ ووجوه إنفاقِه وضوابطه، وهي ما سكتَ عنه حسّان دياب كلّيّاً. لذا أيضاً كان السؤالُ الثاني هو المتعلّقَ بسياسةِ إقراضِ الدولةِ أموالَ المودِعين وقد مضت فيها المصارف قدُماً غيَْرَ متّعظةٍ بامتناعِ المقرضين الخارجيّين في السنوات الثلاث الأخيرة عن إقراضِ دولةٍ باتوا عالمينَ باتّجاهها نحو الإفلاس. ويتفرّع من هذا السؤال سؤالُ المصرفِ المركزيِّ وحاكمِهِ عن سياسةِ الفوائدِ التي اعتُمِدت لإغراءِ المصارفِ المتخمةِ بالودائع بتوجيهِ معظمِ استثْمارها إلى دولةٍ موغِلةٍ في أسلوبِ المناهبةِ الطائفيّةِ وثابتةِ العجزِ عن إصلاحِ نَفْسِها ومنقوصةِ السيادةِ ومتكرّرةِ التعثّرِ عند مواجهتِها كلَّ استحقاقٍ دستوريٍّ أو قرارٍ ذي أهمّية.

ولكنّ لومَ المصارِفِ والمصرفِ المركزيِّ على هذه السياسة، وإنْ يَكُنْ مستَحَقّاً، لا يعفي من الحسابِ جُمْلةَ الحاكمين الذين موّلوا حُكْمَهم (وفسادَهم) على هذه الشاكلة. ولا يختَلِفُ في هذا قديمُ ما بَعْدَ الحربِ عن جديدِ ما بعد 2005، خصوصاً وأنّ القديمَ كان فيه المفوّضُ السامي السوريّ وتابعوه وأنّ الحلفَ الحاكمَ الذي ينطقُ باسمه حسّان دياب إنّما هو الوريثُ الشرعيّ لهؤلاء أمْسِ واليوم.

ذاكَ أصْلُ الأزمةِ التي يحْتَمَلُ جدّاً أن تكون المصارفُ والمودِعون الكبار واجهوها بتهريبِ أموالِهِم، في الحينِ الذي كان فيه سائرُ المودعين يُذَلّونَ ويُسْرَقون، ويُحْتَمَلُ جدّاً أنّ يكونَ حاكمُ المصرفِ المركزيّ غطّى سلوكَهم هذا. ولكنّ علينا الانتباه، فضلاً عمّا سبَقَ، إلى كون الحكومةِ، من حريريّةٍ وديابيّةٍ، غطّت، في أشهُرِ الأزمةِ هذه، سياسةً مصْرِفيّةً حيالَ الودائعِ والمودِعين لم تكن سياسةَ مصرف لبنان، بالدرجةِ الأولى، بل كانت ولا تَزالُ سياسةَ المصارفِ وجمعيّتِها التي غضّت الدولةُ كلُّها النظرَ عن تنصيبِها نفْسَها سلطةً مشترعةً لنفْسِها وتربُّعِها فوقَ سلطةِ الدستور والقوانين الجارية. وهذا من جهةِ الدولةِ، بما فيها دولةُ حسّان دياب، غضُّ نظَرٍ يجدُ تفسيرَه الأوّلَ (وليسَ الوحيدَ) في كونِ المصارفِ لها دالّةُ المقْرِضِ الوحيدِ لدولةٍ باتت عاجزةً عن دفعِ الفوائدِ ناهيكَ بالأصول. ذاكَ، في كلّ حالٍ، ما ارتأت جمعيّةُ المصارف أن تلفتَ الدولةَ إليه في بيانٍ استثنائيٍّ لمّا يجفّ حبرُه...

يبقى ردُّ سعد الحريري على بيان دياب. يُسَجّلُ لهذا الردِّ ردُّ الأزمةَ إلى أرضِ السياسةِ وذاك بنبشهِ جذوراً ضخمةً لها في قطاعِ الكهرباء وفي التعطيلِ المتكرّرِ والمتمادي لمؤسّساتِ الدولةِ الدستوريّة، إلخ. ولكنّ الحريري يجانبُ كلَّ صوابٍ حينَ يفترضُ أنّ هذه الوقائعَ (وهي دامغةٌ) تُسَوّغُ حمايتَهُ حاكمَ مصرف لبنان وترفعُ عن كاهلِه هو وكاهِلِ حلْفِه عبْءَ مسؤوليّةِ الخرابِ الذي انتهت إليهِ البلاد.
أَزْمةُ لبنان أزمةُ نظامِهِ السياسيِّ، والوجْهُ الماليُّ من وجوهِها فَرْعٌ من أَصْل...
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024