زمن رفيق الحريري

نديم قطيش

الخميس 2015/02/12
في الذكرى العاشرة لجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، رفع تيار المستقبل شعاراً لهذه المناسبة المفصلية، زمنيا على الأقل، يقول "عشرة... مية ... الف سنة.. مكملين" مطبوعا على صورة ضخمة لرفيق الحريري. كأن الرجل نفسه هو من يعلن هذا الموقف في الذكرى العاشرة لاغتياله. كأنه يطمئن جمهوره ومحبيه ان الاغتيال، عثرة عرضية، في سياق المشروع الي سيكمل. ان القتل عاجز عن وقف تقدمه. ان أبدية الموت، لا تعطل ابدية مشروع رفيق الحريري، في السنوات الألف المقبلة، وانه سيظل يتناسل من بعضه بعضا، نجاحا في اثر نجاح، وإنجازا في اثر إنجاز، كصيرورة طبيعية للبنان.

قبل هذا الأفق "الابدي" لمشروع رفيق الحريري، أعلن أمين عام حزب الله حسن نصرالله قبل سنوات قليلة تعليقا على إصدار المحكمة الخاصة بلبنان مذكرات توقيف بحق عدد من عناصر وقادة الحزب في جريمة اغتيال الحريري انه "لن يكون في الإمكان توقيف المتهمين لا في ثلاثين يوما أو ستين يوما أو ثلاثين سنة أو ثلاثمائة سنة". أفق أبدي آخر، مئوي هذه المرة سبق الأفق الألفي. لا احد من بشر الأفقين، حتى من يولد ساعة قراءة هذا المقال سيكون موجوداً. لا في السنوات الثلاثمائة المقبلة ولا في السنوات الألف بالتأكيد. لا يهم. فهذا التعارض الملحمي بين زمنين هو ما يعّرف اللحظة الراهنة التي نعيشها. وهو ما يعنينا. زمنان لقضيتين لم تلتقيان ولن تلتقيا. قضيتان تمثل كل واحدة منهما نقيض الاخرى في العمق، بعيدا عن اي محاولات تعايش قسري بينهما في الماضي او الحاضر او المستقبل.

لكن الانصاف يقتضي القول ان ثمة فوارق جوهرية بين هذين الشعارين الزمنيين. مئوية حزب الله واضحة. فالحزب يتحدث عن تحدٍ محدد، ولد من رحم خطاب محدد. وبالتالي فالشعار يعبر عن تحدٍ ورد في سياق مفصل. سبقه ما سبقه وتلاه ما تلاه. التحدي هو عدم تسليم المتهمين بجريمة اغتيال الحريري الى القضاء الدولي. والمبالغة في احتضان هؤلاء المتهمين تارة باعتبارهم قديسين وطورت باعتبارهم النخاع الشوكي للمقاومة لا سيما مصطفى بدر الدين. اي تحدي تنزيه المقاومة وحزب الله عن التورط في المشروع الذي ينهيها وهو الاعتراف بمسؤولية المقاومة عن جريمة اغتيال الحريري، مع ما يستتبعه ذلك من فائض الإصرار على السلاح ليس كاداة في مشروع بل كهوية المشروع نفسه. الشعار يختصر مهمة محددة وينطق باسم جماعة محددة ايضاً لا التباس في هويتها.

في المقابل، ألفية المستقبل، ولدت من رحم حملة إعلانية. ما سبقها وما تلاه ليس خطاباً سياسيا او سياقا واحدا. هو ليس وليد لحظة محددة. بل وليد زمن مديد بدأ ما بدايات مشروع رفيق الحريري ولم ينته باغتياله. لا يوضح شعار "مكملين"، مكملين الى أين. ولا بوسعه الادعاء ان "نُون الجماعة" في هذا العهد معرَّفة بدقة. هل "مكملين" كسُنة؟ هل "مكملين" كتيار سياسي؟ هل "مكملين" كأغلبية لبنانية قالت يوم الرابع عشر من آذار اي لبنان تريد قبل ان يترهل المشروع السياسي المنبثق عن هذا اليوم؟  

الاكيد ان في بال اصحاب الشعار، اننا "مكملين" كلبنانيين. وإذا كان زمن مئوية حزب الله هي زمن شيعي، فالأرجح ان ألفية تيار المستقبل يراد لها ان لا تكون زمناً سنياً حصراً. لكن هذا ادعاء او طموح دونه وقائع مرة.  

ما ينتج عن الشعارين، الان هنا، هو تعليق الزمن اللبناني. إلغاؤه تماماً، خارج هذين الزمنين لجماعتين كبيرتين تختصران الجزء الأكبر ن البلد.

أزمنة الأقليات الى أُفول. الزمن المسيحي الوحيد المتاح والاكيد هو الماضي. النوستالجيا الى لبنان الذي كان في ما مضى. لن يصمد شعار مسيحي مئوي او ألفي في اي قضية. لا يتجرأ فريق سياسي مسيحي على رفعه أصلاً. الحوار المسيحي المسيحي الجاري الان، هو حوار على هذا الماضي تماماً. يعرف المسيحي ان ليس في قدرته توقع الغد القريب وضمان حضوره فيه. أيبقى في الموصل ام يتركها؟ هل له مكان في سوريا ما بعد الاسد؟ كم من السنوات القليلة يملك في لبنان؟ ماضي المسيحيين، إذاً، هو فقط ما يملكونه على وجه التأكيد.

الزمن الوحيد المحسوس والمعاش. زمن الدروز أكثر التباساً. الماضي سحيق. والحاضر لا مكان لهم فيه ابعد من مواصفات محددة او هكذا قررت زعامتهم على الأقل! ماضي السنة والشيعة، في المقابل، مجرد وقود لمستقبل مديد. باقون لمئات السنين. لآلاف السنين. يضربون مواعيد لبعضهم البعض ستقع تبعاتها على اجيال لم يولد أجدادها بعد.

بعد عشر سنوات من جريمة اغتيال رفيق الحريري، يكون التحدي هو استعادة الزمن اللبناني العام. استعادة المبادرة كي نكون "مكملين" بازمنتنا الكثيرة والقلقة الى زمن رفيق الحريري، الذي بعد عقد على قتله لا يزال يسكن في مستقبل هذا البلد ولم ينجح شيء في جعله جزءاً من ماضيه!
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024