من حافظ الأسد إلى حسن نصرالله

يوسف بزي

الثلاثاء 2020/06/16

"مؤتمر قمة الصمود والتصدي الخامس يبدأ أعماله في بنغازي. القائد الأسد يجري سلسلة من الاجتماعات مع قادة الصمود لدراسة التطورات الخطيرة وتعزيز الموقف العربي في مواجهة الأخطار الناجمة عن تصعيد الهجمة الامبريالية الصهيونية على الوطن العربي ولزيادة القدرة العربية على الصمود والتصدي. اهتمام عربي وعالمي كبير بدعوة القائد الأسد إلى إحباط المخططات الأميركية".

من يتخيل أن هذه الفقرة بأكملها كانت "مانشيت" صحيفة "تشرين" السورية ذات يوم من العام 1981؟! وقد نشر صورتها على الفايسبوك الشاعر والطبيب الحلبي فؤاد محمد فؤاد، تدليلاً على أن بؤس حالنا وفجور أنظمتنا وتهافت سياساتنا (وإعلامنا) ليس صنيع اليوم، بل هو مديد وقديم ومستأنف ابتذالاً وضحالة وقهراً عنيفاً ومُذِلّاً من غير خلاص ولا خاتمة.

على الأرجح، هي المانشيت الأطول في تاريخ الصحافة. والمؤكد أنها هي نفسها تتكرر انمساخاً وتحويراً منذ خمسين عاماً في خطب "القادة" أو عناوين الصحف ومقالاتها وافتتاحيات النشرات الإخبارية التلفزيونية والإذاعية. ومن نسلها أيضاً هتافات التأييد والمبايعة. ومن فتاتها "التغريدات" و"البوستات" لجماهير الممانعة. ومن وحيها الأغاني "الوطنية" والقصائد النضالية. وعلى منوالها كُتبت أطروحاتنا الجامعية. بل على هديها تتوالى قوافل "الشهداء"، وتتربى الأجيال وترسم مستقبلها.

بهذا الهراء الكامل اقتيدت شعوب عربية إلى مسالخ الحروب، وإلى خراب عمرانها واقتصادها وعلمها وتبديد ثرواتها ودفن ملايين قتلاها، واستبيحت كراماتها، وسحقت بالطغيان والقمع. بهذا الكذب الفاحش صُنع ماضينا التراجيدي البائس ويُصنع حاضرنا المنحط والمدقع. بهذا اللغو الأجوف العديم الخيال، تقرر مصيرنا مرات ومرات موتاً وتشريداً وإفقاراً وخيبات ساحقة. بهذه الكلمات الخالية من المعنى، حكمتنا زمرة من القساة والعنيفين والدمويين، وأخذتنا عمداً إلى المهانة اليومية، أو الموت بالبراميل أو بتنشق الغازات السامة.

على مثال عنوان صحيفة "تشرين" وصورته، أتتنا "الانتصارات الإلهية" وأصحابها الذين ارتقوا ممارسة وأداء في الاستبداد والجريمة والإرهاب واحتراف "الصمود والتصدي" كعقيدة أو هوس جنوني في مقارعة العالم، إصراراً على تصنيع البؤس والخراب وتعميمهما.

من رحم هذا الهذر الخاوي والقاتل، تستأنف "الممانعة" سياستها وخطابها اليوم في لبنان وسوريا، على نحو عنيد وبعدوانية أشد وأمضى، وتجدد حروبها وفتنها وضغائنها ودسائسها.

ومن تلك اللغة الميتة الجوفاء، وقد حُقنت بعصبية دينية مذهبية وثأرية، تجدد الممانعة خطابها الذي نسمعه اليوم، تهديداً ووعيداً ينزل مصائب يومية تحيلنا إلى كائنات تحلم بالهجرة أو بتأمين قوت يومي وحسب. كائنات تنام على كوابيس حروب أهلية وتستفيق على مستقبل مظلم.

من مانشيت "تشرين" الملحمي والمبتذل إلى الإطلالات التلفزيونية المهيبة والمشؤومة، ارتسم تاريخنا كله خالياً من الكرامة الإنسانية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024