لقاء بعبدا وفشله الكبير: لبنان مجهول المصير

المدن - لبنان

الخميس 2020/06/25
ضيفان ثقيلان من خارج "أهل البيت" حضروا لقاء بعبدا. كسرا رتابة الكلام الممجوج والمكرر. الرئيس ميشال سليمان مقل في الكلام، وتيمور جنبلاط كانت له إطلالته الأولى بهذا الشكل، المدعم بورقة سياسية اقتصادية مالية، فيها تأكيد على الطائف ووحدة لبنان وفيها الإعتراض على ما هو ممارس. أخذ ميشال سليمان وتيمور جنبلاط فحوى النقاش في القصر الجمهوري إلى حيث يجب أن يكون. بمعزل عن كلام رئيس الحكومة المكرر، وهو الخائف على حكومته من أي سقوط أو استقالة. وبمعزل عن كلام جبران باسيل. حزب الله ممثلاً بالنائب محمد رعد لم يكن له مداخلة، لكنه اكتفى ببعض الردود حول ما أثير، وخصوصاً بشأن إعلان بعبدا وسلاح حزب الله والاستراتيجية الدفاعية.
باقي الحضور بدا ككومبارس لأنهم من "أهل البيت" وهناك من يختصر كلامهم ومواقفهم.

الاعتراف بالفشل!
بدا رئيس الحكومة وكأنه يعترف بفشل كل ممارساته السابقة، سواء عندما دعا إلى الحوار بين كل القوى، أو عندما اعتبر أن علاج الأزمة لا يمكن أن يكون من مسؤولية الحكومات السابقة، اختصر المشهد بجملة واحدة، "لم يعد اللبنانيون يهتمون بما نقول"، داعياً لأن يكون اللقاء بداية لعمل وطني واسع تحت سقف المجلس النيابي، مع جميع القوى السياسية والحراك المطلبي، والمجتمع المدني. وهو اعتراف أيضاً بأن الحكومة لم تنجح في تمثيل هؤلاء وملاقاة هواجسهم. عكس ما كان يدّعي رئيس الحكومة نفسه بأنه جاء منبثقاً من ثورة 17 تشرين.

أخذ الرئيس ميشال سليمان الكلام، ونقل معه مناخ اللقاء من مكان إلى آخر، قال على الطاولة ما لم يكن أحد في وارد قوله أو يرغب بسماعه: "حزب الله نقض الاتفاقات، ما حال دون تنفيذ تعهدات الدولة وتسبب بعزلتها القاتلة، وبفقدان مصداقيتها وثقة الدول الصديقة وأهلنا في الانتشار والمستثمرين والمودعين والسياح، ما ساهم في تراجع العملة الوطنية". ودعا إلى "الإلتزام بإعلان بعبدا ومناقشة الاستراتيجية الدفاعية." موقف سليمان استدعى توتراً من قبل بعض الحاضرين، والدخول في سجال جديد مع نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي والنائب محمد رعد، الذي رد على سليمان منتقداً مواقفه ومنتقداً إعلان بعبدا، فيما ذهب الفرزلي باتجاه الدفاع عن سلاح المقاومة.

"بيسكلات" باسيل
كلام جبران باسيل لم يكن جديداً، معزوفته نفسها: "الآخرون يتحملون المسؤولية". لكنه مصر على الحوار معهم!! استعاد الموازنة بين الشرق والغرب، عاد إلى معادلة الشرق والغرب، هاجم الحكومة على نحو طفيف بسبب "قلّة إنتاجيتها". ركز على عامل الثقة واستعادتها، ما بدا وكأنه كلام في الهواء. وهو الذي شبّه الحكومة بالدراجة الهوائية التي لا يمكنها الوقوف خشية السقوط. لكنه رسم معادلة لا بد أن تعتريها الخطورة مستقبلاً، قائلاً: "لا إمكانية لتسكير الخسائر، ولو صفّرنا المصارف والمصرف المركزي، من دون اقتطاع أموال المودعين، ولتفادي ذلك، وهو مطلبنا، علينا إشراك الدولة عبر أصولها بتحمّل جزء من الخسائر، بواسطة صندوق ائتماني استثماري يشترك فيه المودعون، وعلى الحكومة إطلاق الصندوق لإظهار جديّتها".

معركة المنظومة المالية
وتابع باسيل: "هناك خيار ثانٍ، يقوده المصرف المركزي والمصارف، يسعى إلى إطالة أمد الوقت بشكل غير مقبول، لتجنّب الخسائر. وكأنّها لم تقع. وهو ما يعتبر استمراراً للسياسة النقديّة القائمة. ونحن ضد هذا الخيار أيضاً". مضيفاً أن "المعادلة أصبحت واضحة: إمّا تسقط المنظومة الماليّة، وأمّا تسقط الحكومة والدولة. وعندها سيتكرّر مشهد بيروت وطرابلس منذ أسبوعين، ويتكرّر في عدّة مناطق، لأنّ التحريض سيستمرّ، والغاية تبرّر الوسيلة. ولو وقعنا في الفتنة اللعينة، فلا بأس طالما هي تتناسب مع اللعبة الدوليّة".

لكن باسيل لم يعلن ماذا تبقى من المنظومة المالية غير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بعد إقرار التعيينات وفق ما يريدها باسيل نفسه. ما يعني أن المعركة مع سلامة مستمرة. وما قاله باسيل سينعكس في المرحلة المقبلة. لكن أحداً لم يوجه لباسيل أسئلة حول علاقة المنظومة المالية بالإصلاحات التي يجب على الحكومة إقرارها، وعلاقة المنظومة المالية بالكهرباء والاتصالات وبغيرها من القرارات التي تعرقلها السياسة وليس المنظومة المالية.

ورقة "الاشتراكي"
الموقف الأهم في الجلسة كان للحزب التقدمي الاشتراكي، بالورقة التي قدمها رئيس اللقاء الديمقراطي تيمور جنبلاط، وتحوي عناوين رئيسية تركز على الحفاظ على اتفاق الطائف وعروبة لبنان ووحدته ضد كل المحاولات الداخلية والخارجية لتقسيمه. موقف الاشتراكي لحفظ وحدة لبنان يلاقي إلى حدّ كبير مضمون الموقف الذي أطلقه الرئيس نبيه بري، عشية انعقاد الجلسة. انتقد جنبلاط ممارسة الحكومة في التركيز على الخطابات الإنشائية والنزعات الاتهامية، وتشويه الوقائع وممارسة سياسة الكراهية.

ودعا تيمور جنبلاط في وثيقة الاشتراكي إلى استعادة النقاش حول الاستراتيجية الدفاعيّة، وفق القواعد التي وردت في جلسات الحوار سابقاً، بما يفضي إلى تعزيز قدرة لبنان على الاضطلاع بدوره. وشدد على رفض إعادة تجديد مقولة "تلازم المسارين"، وهذه المرة من بوابة الاقتصاد. فلبنان لا يستطيع أن يتحمّل اقتصاد دولتين. وهو ما يتطلب إجراءات عملية حاسمة لضبط الحدود ووقف كل أشكال التهريب للعملات الصعبة والمشتقات النفطية والمواد الغذائية وسواها، لأن ذلك يستنزف القدرات اللبنانية المتآكلة.

أما حول المقترحات المطروحة بالتوجه نحو الشرق، وربط لبنان بدول وأنظمة تقع خارج المنظومة الدولية، وبعضها يسير في الاتجاه المعاكس للتاريخ، ويعيد إحياء عناوين مضى عليها الزمن مثل "تلازم المسارين".. لفت جنبلاط إلى أنها تصب في إطار السعي المنهجي لتغيير وجه لبنان، القائم على التعددية والتنوع. وهو بمثابة انقضاض على رسالته التاريخية ودوره التلقيدي في احتضان المعاهد والإرساليات والجامعات العريقة والمستشفيات ودور النشر ونوادي المثقفين والصحافة الحرة، وفي أن يكون بوابة الشرق نحو الغرب. وهو توجه يفضي إلى تكريس الأحادية على حساب التعددية، بما يماثل الأنظمة الشمولية المناقضة للديموقراطية اللبنانية التي تبقى، رغم كل عثراتها ولوثتها الطائفية والمذهبية، تشكل متنفساً للرأي الحر والعيش المشترك والشراكة والانفتاح والتحرر. إذا كان من المسلّم به ألا يكون لبنان قاعدة للتخريب على سوريا، ولكن من المحتّم ألا يلتحق لبنان بصورته الحضارية المتقدمة بنمط الأنظمة الشمولية التي يشكل النظام السوري أحد أبرز أمثلتها البائسة.

بيان اللقاء
وفي الختام صدر بيان عن اللقاء، تحفظ على مضمونه الرئيس ميشال سليمان، يدعو إلى وقف جميع أنواع الحملات التحريضيّة التي من شأنها إثارة الفتنة وتهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار الأمني. إذ لا تستقيم الحياة الديموقراطيّة في نظامنا الدستوري البرلماني من دون وجود المعارضة، ولاسيّما منها البرلمانيّة. وحق التظاهر والتعبير يصونه الدستور والإعلان العالمي لحقوق الانسان. ويشير البيان إلى أن لبنان "يمر بأزمة معقّدة ومتفاقمة سياسيّة واقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة وصحيّة مستجدّة".. ويجيب البيان، بعبارات هوائية: "إلا أنّها لن تتغلّب على إرادة اللبنانيين ولن يكون الشعب هو المغلوب من جرّائها"!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024