"اليأس" أقوى من الحلول المؤقتة: نفايات طرابلس..إلى الانفجار؟

جنى الدهيبي

الإثنين 2018/09/10

لا شيء يوحي بأنّ عاصمة الشمال تتجه نحو حلّ جذري لأزمة النفايات. كلّ المعطيات تفيد بأنّ المدينة مقبلة على علاجٍ ظرفي، حتّى أنّ البعض يشكك في كونه حلّاً علاجياً. هذا النقاش، بدأ يتفاعل، بعدما أعلنت النائب ديما جمالي في نهاية شهر آب 2018، انطلاق العمل لإقامة مطمر بحري للنفايات في طرابلس، يكون ملاصقاً لجبل النفايات الحالي، واعتباره من ضمن خطّة التنمية المستدامة في المدينة.

للتذكير، جاء قرار إنشاء المطمر البحري نتيجة توافقٍ سياسي بين نواب المدينة ومجلس الانماء والاعمار وشركة باتكو ومجلس بلدية طرابلس، في حزيران 2018، إثر اجتماع موسع جمع ممثليها مع عدد من المهندسين وممثلي المجتمع المدني الذين عارضوا هذا الخيار. عليه، بدأ الإعداد لإنجاز المطمر البحري، وجرى تلزيمه لشركة باتكو المسؤولة عن المطمر الحالي في أرضٍ ملاصقة له عبر ردم نحو 60 ألف متر مربع من البحر.

إلّا أنّ إعلان جمالي فتح باب السجال واسعاً، لاعتبارها داعمةً لهذا الخيار، فيما يجد كثيرون أنّه لا يصح طمر البحر بالنفايات، وهو لن يكون مطمراً صحيّاً. وذلك في ظلّ وجود نحو 500 طن نفايات يومياً، ونظراً لحجم المخاطر التي قد تنتج إذا تسرب من ملوثاتها 1% إلى البحر. كما أنّه سيكون ملاصقاً للمسلخ والمنطقة الاقتصادية الحرّة وسوق الخضار الجديد. وهو ما دفع إلى السؤال: هل نحن أمام مشروع جبل نفايات جديد يُضاف إلى الجبل الحالي؟ وكيف تُضمن جودة تنفيذه مع شركة باتكو التي جرى تلزيمها من قبل مجلس الوزراء من دون إجراء مناقصة وفضّ عروض؟

وضعت جمالي الاعتراضات على المطمر البحري في إطار "اليأس"، نتيجة فشل الأعمال والمشاريع السابقة والوعود العديدة التي لم يتم الالتزام بها. وفي اتصالٍ مع "المدن"، تؤكد جمالي حرصها على متابعة تفاصيل إنشاء المطمر وبدء العمل فيه، وهو ما نقلته إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، لاسيما أنّه لا يوجد حلّ بديل ومؤقت ينقذ المدينة من الجبل الحالي. تقول: "طلبت من وزارة البيئة تأمين موظف مسؤول من قبلها مهمته الإشراف على الأعمال بكاملها، في الإنشاء والطمر، وفق ما تقتضيه قوانين وزارة البيئة، لرفع تقرير دوري يوضح سير العمل بشفافية كاملة".

مطمر مشبوه
يدرك الجميع أنّ وضع الجبل الحالي لم يعد يُحتمل، بعدما تجاوز ارتفاعه 40 متراً مربعاً، وغاز الميتان مهدد بالانفجار في أيّ لحظة، وأنّ الحلّ البديل، ولو مؤقتاً، بات ملحاً وضرورياً. لكن، "هل يجب أن نقبل بحلٍ سريع لا يستوفي الشروط الصحيّة؟"، يسأل عضو بلدية طرابلس الدكتور باسم بخاش، ويعتبر في حديثٍ مع "المدن" أنّه لا يمكن القبول بأيّ حلٍّ من دون معطيات وشروحات دقيقة وتفصيلية.

يعود بخاش إلى المجلس البلدي السابق في عهد الرئيس نادر الغزال. في ذلك الوقت، طرح المجلس 3 حلول من ضمنها 3 مطامر صحية في 3 مواقع مختلفة. واحد في منطقة دير عمار يكون مطمراً صحياً على مساحة صغيرة يخدم لأعوام عدة، آخر على الحدود الفاصلة بين طرابلس والبداوي، ومطمر ثالث يكون خلف محطة التكرير لأنه مناسب لتصريف المجارير. وهنا، يطرح بخاش عدداً من التساؤلات: "لماذا لم يسيروا بواحد على الأقل من هذه الملفات التي درست والمواقع التي اقترحت فيما ردم البحر بهذه الطريقة؟ هل هي مسايرة لشركة باتكو؟ ولماذا تلزيم هذه الشركة دون غيرها؟".

في شهر أيار 2018، وفق بخاش، أصدر المجلس البلدي قراراً برفض المطمر البحري، وأيّ مطمر آخر يكون على البحر. وهو يطلق عليه تسمية "المطمر الصحي"، لأنّه عبارة عن 3 أقسام، ويخدم كلّ قسم فيه عملية الطمر سنة كاملة، ليُغلق بعد 3 سنوات. يعتبر بخاش أن الطرح الذي توافق عليه سياسيو المدينة بسحر ساحر في حزيران، لم يفسح المجال للنقاش العلمي. فـ"من قام بدراسة هذا المطمر الصحي هو شركة دار الهندسة- نزيه طالب. وبالنسبة إلي كمهندس، هناك شركات هندسية تفوقها أهميّة لتقوم بهذا النوع من الدراسات. لذا، سبق أن طالبنا بالاطلاع على الخرائط، وعرضها على جهات متخصصة ومحايدة، يكون لديها خبرة بالمطامر البحرية، كي تقول كلمة الفصل". أمّا الحلّ، بحسب بخاش، فيكون بطاولة مستديرة تناقش ملف المطمر بشكل حضاري وواقعي وعلمي دقيق، وأن يكون هناك جهة تراقب حسن التنفيذ للتأكد من مطابقته المواصفات الصحية والبيئية.

معالجة العصارة
الحديث عن المطمر البحري، طرح اشكاليّةً أساسيّة: ماذا عن معالجة عصارة النفايات؟ يشير رئيس بلدية طرابلس أحمد قمر الدين، لـ"المدن"، إلى أنّ العمل جارٍ على إنشاء محطة معالجة للعصارة الناتجة من النفايات، وإنجازها لن يكون قبل أيار 2019، وذلك نتيجة الضغط في العمل. فـ"نحن أمام أمر واقع ونتعاطى مع الأزمة من منطلق حاجتنا إلى حلّ انقاذي سريع".

في المقابل، يعتبر مستشار اتحاد بلديات الفيحاء لشؤون معالجة النفايات طارق سمرجي أنّ المضي بمشروع المطمر البحري يجب أن يكون مشروطاً بمعالجة العصارة. فـ"العمل في المطمر يجب أن لا يسبق إنجاز محطة معالجة العصارة، وهما مقرونان ببعضهما. وإلّا ندخل في أزمةٍ كبيرة، لاسيما أنّ فترة الطمر من دون محطة معالجة للعصارة، ستكون في موسم الشتاء الذي تتدفق فيه السيول، وهو ما ينذر بمخاطر كبيرة تهدد المياه الجوفية نتيجة تسرب عصارة المطمر إلى البحر". ويشير سمرجي إلى أنّ العمل في المطمر كحل مؤقت يجب أن يكون مقروناً بخريطة طريق تتضمن الخطوات التالية:

1- بدء العمل بالمطمر بالتوازي مع تشغيل محطة معالجة العصارة.

2- استكمال التحسينات وتطوير معمل الفرز لمعالجة النفايات العضوية والتخفيف من كمية النفايات التي ستذهب إلى الطمر ونوعيّتها.

3- البدء فوراً بدراسة وتصميم المركز المتكامل لإدارة النفايات الصلبة كحل مستدام وطويل الأمد كي لا نقع في المشكلة نفسها بعد 3 سنوات.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024