ريفي لـ"المدن": النظام السوري وراء أحداث الشمال بـ"داعش اصطناعية"

جنى الدهيبي

الإثنين 2020/10/05

منذ أن انتهت معركة وادي خالد بين شعبة المعلومات والخلية الإرهابية، وقبلها معركة جبل البداوي وجريمة كفتون الكورانية، عادت المخاوف شمالًا من إحياء سيناريوهات التطرف السني على الطريقة الداعشية، عبر اللعب على وتر العلاقة مع المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية. ففي غضون شهرٍ واحد، سقط 6 شهداء للجيش، أربعة منهم في جبل البداوي، على يد القتيل خالد التلاوي والموقوف أحمد الشامي، وجنديان آخران عند حاجز عرمان – المنية، على يد القتيل عمر بريص.  
هذه الخلية التي أدارها التلاوي ميدانياً، تبيّن لاحقًا أن مسؤولها المباشر هو السوري القتيل يوسف خلف (أبو خلف) الذي كان يختبئ في بلدة داوود العكارية، بينما أمير المجموعة هو السوري القتيل محمد الحجار. لكن، بمَ استوحى الصانع "المجهول" لهذه الخلية الإرهابية المؤلفة من نحو 30 فردًا؟  

الصناعة المخابراتية 
يسترجع اللواء السابق أشرف ريفي في حديث مع "المدن" تجربته الأمنية، ويعود إلى مرحلة زعيم "فتح الإسلام" شاكر العبسي في العام 2007، ويصفه بـ"اختراع المخابرات السورية". قبل استقرار العبسي في مخيم نهر البارد شمال لبنان، وفق ما يروي ريفي، "خرج العبسي من السجون السورية قبل انتهاء محكوميته بـ4 سنوات، وقد جرى تطويعه مع خلية واسعة لصالح النظام قبل تنفيذ عملياته في العراق، ثم دخل إلى لبنان بعد تدريبه عسكرياً في سوريا، وسيطر على مكتب فتح ومخازن الأسلحة من دون أي مقاومة".
 
قال ريفي: "بعد عملية عين علق في تلك المرحلة، استطعنا توقيف 4 عناصر من مجموعة العبسي بعملية نوعية، كذلك توقيف 4 آخرين من الجنسيات غير اللبنانية، كانوا يحاولون الهرب من لبنان. وبيّنت التحقيقات معهم الآلية الاستخباراتية التي يعملون وفقها، بدءًا من اسم المجموعة (فتح الإسلام)، تحت راية ادعاء التشدد الديني". وعلى غرار دافع "السرقة" الذي أوحت به جريمة كفتون التي سقط ضحيتها 3 مدنيين من البلدة، كانت مجموعة العبسي وفق ريفي، نفذت عدة عمليات سطو على مصارف في لبنان، بين صيدا وبيروت والكورة، و"كانت عمليات السرقة تهدف إلى تمويل عملياته، لأن النظام السوري كان لا يدفع كل المطلوب منه، وجزء منها لحسابات أفراد المجموعة الشخصية".

ويرى ريفي أن مجموعة التلاوي الإرهابية هي "داعش اصطناعية"، ويرجح أن تكون استحضرت وتحركت بناءً لطلب النظام السوري وبعض حلفائه في لبنان في ظرف سياسي  دقيق، يشكل ضغطاً على حزب الله، و"لو كان النظام يملك القدرة على صناعة مجموعة رديفة لفتح الإسلام بحجمها وعدد أفرادها لما تردد". أضاف ريفي: "حتى ميشال سماحة في تلك الحقبة كان يزعم انتشار داعش والقاعدة في عكار، وتوزعت منشورات مجهولة للتحريض بين المسلمين والمسيحيين شمالاً، إلى أن تبيّن أن النظام السوري كان من خلال سماحة يسعى لتهيئة أجواء التطرف السني".
 
يرجح ريفي أن النظام السوري يسعى دائماً لصناعة خلايا إرهابية شمالاً، على طريقة شاكر العبسي. لكن بعد العملية الأمنية التي نفذتها شعبة المعلومات في وادي خالد، يستبعد أن تبرز قريبا مجموعات مشابهة، "لأن هناك مصاعب يواجهها النظام في صناعة خلايا مشابهة في وقت صار أبناء الشمال أكثر وعيًا، ومن الصعب وصمه كبيئة حاضنة للإرهاب".  
وبانتظار التحقيقات مع الموقوفين من مجموعة التلاوي، لكشف ملابسات عملياتها وما كانت تخطط لتنفيذه في لبنان، يبقى السؤال: لمَ يسهل استقطاب بعض الشباب في طرابلس ومحطيها، للإنضمام إلى هذه المجموعات من دون كشف خلفياتها الاستخباراتية؟  

لعنة الوصاية 
يعود ريفي لمرحلة الوصاية السورية في لبنان، حين كان يعتبر أن طرابلس معادية له، وقد ظهر ذلك منذ تنفيذ مجرزة باب التبانة المروعة في الثمانينات، وإثارة الفتنة في 21 جولة عنف بين التبانة وجبل محسن (2008 – 2014)، ثم إرسال النظام لسيارتين مفخختين في العام 2013 لتفجير مسجدي التقوى والسلام. هذا الكباش الطويل بين عاصمة الشمال والنظام السوري، وفق ريفي، وما رافقه من ممارسات ترهيب بحقّ المدينة مقابل شيطنتها وحرمانها من أدنى فرص العيش بكرامة، ولّد حالتي قهر (مظلومية) وفقر.  
قال ريفي: "هذا الواقع، دفع شريحة واسعة من الشباب المهمشين في طرابلس إما للهروب عبر قوارب الموت كما حصل مؤخراً، وإما للمخدرات والجريمة والعنف، وإمّا للتطرف الديني والإرهاب وما يتبعه من نقمة على الدولة". ويشير ريفي "بعد أن شكّل سنّة الشمال خزاناً بشرياً لثورة 14 آذار 2005، جاءت الهيمنة الإيرانية عبر حزب الله لتطويعهم، ثم أراد الحزب أن يترجم انتصاره وقوته في حرب تموز 2006 في الداخل من خلال اجتياح بيروت في 7 أيار 2008، وركّب مجموعات في المناطق السنّية كسرايا المقاومة"، وهو ما خلق وفقه حالة من الاحتقان والتوتر عند الناس.  

بؤس طرابلس 
يعتبر ريفي أن طرابلس التي تتأجج بالعنف بين حين وآخر، وتسقط ضحية صانعي الخلايا الإرهابية، تكمن مشكلتها في حزام بؤسٍ يلفّها بدءاً من باب التبانة والبداوي، إلى المخيمات ونهر أبو علي والعيرونية ومنطقة الشوك. هذا الحزام الذي شكل ممرًا لتعزيز فكر الخلايا الإرهابية، "أسقط طرابلس طبقياً لصالح توسع رقعة الفقر، وبقيت محرومة من كل المشاريع الإنمائية والاستثمارات وفرص العمل، فصارت لقمة سائغة لكل المعادين لها والمتربصين بأمنها".

زمن التسوية  
في سياقٍ آخر، يرى ريفي أنه رغم بلوغ لبنان أسوأ حالة من التأزم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وتحديداً بعد انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت، ثمّة رائحة تسوية تلوح بالأفق، في وقت يرى أن المبادرة الفرنسية سقطت، والحلول مؤجلة لما بعد الانتخابات الأميركية. قال: "بدا واضحا أن إيران لا تريد مفاوضة فرنسا، وإنما أميركا بالمباشر، وهو ما أظهرته عبر حلفائها في ملف ترسيم الحدود البحرية والبرية مع اسرائيل".  
ويعتبر ريفي أن فرنسا أخطأت بمبادرتها في ثلاث نقاط: لم تتبنَ طرح البطريرك للحياد، لم تتطرق لسلاح حزب الله، ولم تتطرق لمسألة الانتخابات النيابية المبكرة. وقال: "هذه النقاط هي المدخل الرئيسي لأي إصلاح في لبنان، ويبدو أن حزب الله صار مأزوماً نتيجة زعزعة الغطاء المسيحي، ولا يتمتع بغطاء سني أو درزي شامل، وقد يضطر في المرحلة المقبلة إلى الرضوخ لتسوية كبرى، بعد أن بدأ انسحابه التدريجي من العراق وسوريا، وصار يلتهي بصناعة حكومات من الدمى المطواعين على طريقة حكومة حسان دياب".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024