الشرعيّة الشعبية لانتفاضة 17 تشرين تلغي الطائفية السياسية

علي مراد

السبت 2019/11/02
هل تتجاوز المطالبة بإلغاء الطائفية السياسية الدستور وتناقض العقد الاجتماعي اللبنانيين؟

على عكس الرأي السائد أن التعديلات الدستورية للعام 1990، والمستندة إلى وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف) قد كرست الطائفية، فإن القراءة الشاملة للدستور تظهر العكس تماماً.

قامت التعديلات على الفلسفة التالية: إنهاء الحرب الأهلية من خلال تعديلات دستورية تكرّس المناصفة الطائفية بين المسيحيين والمسلمين (بعدما كانت المعادلة 6/5). على أن تستمر المناصفة لمرحلة انتقالية، يجري بعدها إلغاء تدريجي للطائفية السياسية، بصفتها المبتغى النهائي. ويمكن الاستدلال على ذلك من نصوص عدة في أكثر من بند من الدستور:

أولاً: تنص الفقرة (د) من مقدمة الدستور على أن "إلغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية". هذا يعني أن هدف إلغاء الطائفية السياسية ليس مطلباً أيديولوجياً، أو سياسياً، بل هو هدف مكرس صراحة، على أن يكون تطبيقه وفق خطة متدرجة.

 ثانياً: تنص المادة (22) على: "مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية (الطوائف)، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية". أهمية هذه المادة أنها تنزع عن النظام الطائفي الصفة الوطنية. كما أنها تكرس مجلس الشيوخ كغرفة ثانية في السلطة التشريعية، بصفته "الضامن" للطوائف في مرحلة ما بعد إلغاء الطائفية، التي سماها النص العائلات الروحية، كدليل على تجاوز دورها السابق في السياسة. نجد هذه الحال في دول فيدرالية، إذ تتمثل الولايات أو المناطق تمثيلاً متساوياً في مجلس الشيوخ، ويُترك التمثيل الشعبي للمواطنين لمجلس النواب.

 ثالثاً: تنص المادة (24) على أن "يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفاقاً للقوانين المرعية الإجراء. على أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي، توزع مقاعده وفقاً للقواعد الآتية: أ - بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. بين طوائف كل من الفئتين. ب - نسبياً بين المناطق".

أهمية هذه المادة أنها تشير بوضوح إلى الطبيعة الموقتة للنظام الطائفي في توزيع مقاعد المجلس النيابي. فوضع قانون انتخاب خارج  القيد الطائفي، هو الوضع الطبيعي، في حين تكون الطائفية السياسية هي الاستثناء المرحلي.

 رابعاً: تنص المادة (95) على أن "مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين يتخذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية.

وفي المرحلة االانتقالية: أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة. ب- تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء لمقتضيات الوفاق".

تشكل هذه المادة حجر الزاوية في خريطة الطريق لتجاوز الطائفية السياسية من خلال:

- المجلس النيابي المنتخب على أساس المناصفة هو مجلس 1992، أي أنه كان يتوجب على هذا المجلس أن يبدأ باتخاذ إجراءات الغاء لطائفية، وهذا ما لم يحدث منذ أكثر من 27 عاماً.

- تصبح الأمور أكثر وضوحا في الفقرة الثانية من هذه المادة، مع استعمال مصطلح بالغ الأهمية، وهو "المرحلة الانتقالية". وهذا يؤكد بشكل حاسم أن النظام الطائفي هو مرحلة إنتقالية، وليس الوضع النهائي للنظام السياسي اللبناني.

- أوكل الدستور هذه المهمة إلى ما سماه هيئة وطنية صالحة لوضع خطة مرحلية لدراسة واقتراح سبل الغاء الطائفية.

بناء على هذا كله، يكون هدف الإلغاء التدريجي للطائفية السياسية، هو التطبيق الصحيح للدستور، لا تجاوزاً له. أي أن السلطة السياسية التي أدارت لبنان مذ العام 1992 هي من خالفت الدستور، في تقاعسها عن البدء بهذه الإجراءات المرحلية والتدريجية. وهذا كان يقتضي انتخاب نسبة معينة من النواب خارج القيد الطائفي، في كل دورة انتخابية منذ العام 1992، على أن ترتفع هذه النسبة تدريجياً في كل انتخابات.

واليوم، وبناء على شرعية ثورة 17 تشرين الأول 2019، يصبح مطلب البدء بتفعيل مسار الغاء الطائفية السياسية مسألة راهنة، في ظل اللحظة التأسيسية الشعبية. وأي تأخير في تفعيل هذا المسار هو مخالفة متجددة للدستور، وكذلك لمرجعية ثورة 17 تشرين الدستورية. وذلك لأن الفقرة (د) من الدستور تنص صراحة على "أن الشعب هو مصدر السلطات، وصاحب السيادة، ويمارسها عبرالمؤسسات الدستورية".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024