جمهوريات التشبيح والبلطجة.. جمهورية الموت الواحد

نادر فوز

الجمعة 2020/07/10
كأنّ خلدة باتت مرتعاً للتشبيح والبلطجة. آخر أفعالها الاعتداء على واصف الحركة في الأشرفية. قبلها الاعتداء على الزميل محمد زبيب في الحمرا. وقبلها أيضاً الاعتداء على ربيع الأمين في "وسط بيروت". 5 شبيحة، 3 شبيحة، وشبيح، مجموع 9 شبّيحة (عدا غيرهم) مارسوا فعل البلطجة ولجأوا إلى خلدة بحثاً عن غطاء وحماية بعد أن أدّوا المهمة. نائب في البرلمان، زعيم حزب، ممثل طائفة يعمل على إنقاذ وجوده فيها، لا بد أن ينكر علاقته بكل ما سبق. لكنه سلّم الجناة للقوى الأمنية. ضالع في الاعتداء، أو على الأقل حزبه مسؤول عن كل ذلك، وهذا ما لا لبس فيه. "حزب" صغير، يمثّل القليل، يخوض معارك وجودية مع صحافيين وناشطين بلغة الضرب والاعتداء. أصغر أحزاب السلطة، بلطجي، فكيف أكبرها وأكثرها تأثيراً وشعبيةً وأثقلها سلاحاً وتحكّماً بالقرار؟

اعتداء الوادي الأخضر
اعتداء آخر في الساعات الماضية على يد بلطجية الأحزاب في منطقة الوادي الأخضر. عناصر حزبية اعتدت على مجموعة من خمسة مواطنين كانوا يتنزّهون في المنطقة ويستمعون إلى الموسيقى. "هنا أرض الشهداء"، قالوا واشتغل الضرب. جريحان، حجارة وعصي وسلاح وأجهزة لاسلكية، وترهيب بقنّاص. كدمات وجروح وكسور في الأيدي. أحد المعتدى عليهم يخضع اليوم لعمليتين جراحتين. "عظام يداه مهشّمتان بالكامل"، وسيتم زرع أسياخ حديد فيهما. اعتداء يصل إلى حدّ محاولة قتل، إصابة بعطل دائم، إنهاء مستقبل ووظيفة وعمل. وحوش كاسرة تعيش على طبيعتها في بيئتها، في محميّتها.

أبو دجاجة وأخواه
عرف من المعتدين أبو دجاجة وعباس اللحام وعلي بحر. هذه ألقابهم، أما أسماؤهم الكاملة فمعروفة، وكذلك صورهم المنتشرة بين مجموعات الناشطين وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. ادّعى المعتدون أنهم من "حزب الله"، ولو أنّ صورهم وحساباتهم على موقع فايسبوك تشير إلى أنهم من أنصار حركة أمل. كلمات قليلة خرجت منهم أساساً. "معكم نسوان"، "أمن حزب الله"، "أرض الشهداء"، والباقي ضرب وبلطجة فقط. ممارسة لرغبات الذات المريضة وإرضاء لملّذاتها المنحرفة. تعبير عن فحولة منقوصة. لم يتم توقيفهم بعد، ولو أنّ إفادات المعتدى عليهم باتت بحوزة القوى الأمنية. وحوش كاسرة تعيش على طبيعتها في بيئتها، في جمهوريتها.

جمهورية "أرض الشهداء"
"أرض الشهداء" جمهورية قائمة بحدّ ذاتها. لها قوانينها، عاداتها وتقاليدها، حكّامها وأحكامها. نعرف بكل هذا بالتدرّج. لا لوائح ممنوعات أو مستحبّات بعد، إنما نستشفّها ونتعلّمها من خلال الاختبارات. علينا التجريب، هذا يمرّ وذاك خطأ. والتجريب كلفته باهظة، فالخطأ يستوجب التأديب. والتأديب لا يأتي إلا بلغة الضرب والاعتداء والإهانة. نجرّب فيها ونختبر، نعرف حدودها ونلتمسها جراء أفعال البلطجة والتشبيح. في بعلبك، في صور، في النبطية، في كفررمان، عند جسر الرينغ، وغيرها. جمهورية، شعارها قبضة يدّ تخنق، نشيدها "شي عا، شي عا". جمهورية قوية من بين جمهوريات أخرى متوزّعة في المناطق، تعتمد المنطق نفسه والنهج والمسار.

جمهوريات التشبيح والبلطجة
في عاليه والشوف، المشهد نفسه. أنصار يحملون أعلام الحزب الاشتراكي يعتدون على الناس. سلاحهم ظاهر، وكذلك هويّاتهم الشخصية والحزبية. في جلّ الديب وجونيه وبعبدا، أيضاً تيار وطني حرّ له بلطجيوه. يطلقون النار، يستفردون بمواطنين "أغراب" ويوجّهون رسائل التأديب. منذ 17 تشرين، قبلها وبعدها على الأرجح، تؤكد لنا السلطة وأحزابها أنّ البلطجة مهنة وأنّ التشبيح نمط ونهج. وكل زعامة في منطقة نفوذها، ديكاً. تتوحّد هذه الجمهوريات لتصنع جمهورية واحدة للتشبيح والبلطجة. فيها كل معالم اليأس والإحباط، لا همّ. الأهمّ أن تصيح الديوك كل صباح، والصياح بلغة ترهيب واحد ولو متفاوت. إلا أنّ الأساس واحد. ميليشيات تحوّلت إلى أحزاب، إلى رجال أعمال وأصحاب قرار. اجتماعها على طاولة واحدة، اسمها السلطة، صوّره لنا كوبولا قبل خمسين عاماً في لقاء العائلات الخمس.

في اجتماع جمهوريات التشبيح والبلطجة، حكومة تكنوقراط فيها وزير اعترف أنه قتل اثنين، وآخر بلطجيون محسوبون عليه نفّذوا 3 اعتداءات على الناس. وفيها أيضاً أنصار وجمهور يحمل معه الترهيب وخطاب الموت أينما حلّ. جمهوريات متشابهة ومتناغمة، تصنع جمهورية موت واحد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024