اختلفت الأسماء ورئيس الحكومة سعد الحريري

منير الربيع

الجمعة 2019/12/06

الحقيقة السياسية اليوم أن حزب الله يأمل أن يعود الحريري نفسه لا أحد غيره رئيساً للحكومة. وثمة احتمال أن يتم ذلك، إن استحصل الحريري على بعض الضمانات أو الشروط "البسيطة" التي تتيح له "عودة ميمونة".

لذا، لم يكن تأخير الاستشارات النيابية إلى يوم الإثنين المقبل متأتياً عن كسل أو عبث. ولم يكن بهدف البحث في توزيع الحصص والحقائب، التي أصبحت شبه ناجزة، باستثناء تفاصيل من نوع مسعى الرئيس سعد الحريري لنيل وزارتي الطاقة والداخلية مع رئيس الحكومة المفترض سمير الخطيب، مقابل رفض التيار الوطني الحرّ التنازل عن الطاقة.

الحكومة الميتة
فتأخير الاستشارات يأتي لكسب المزيد من الوقت، لعلّ متغيرات سياسية سريعة تفضي إلى إعادة تجديد "التسوية" بين القوى الأساسية، على نحو متين، تأتي باسم غير سمير الخطيب، ولو بعد كل التجاوزات الدستورية والميثاقية التي حصلت.

ثمة من يعتبر أن سمير الخطيب احترق قبل أن يصل، وحتى لو شكّل حكومته. فهذه الحكومة ستولد ميتة. يعرف الرئيس سعد الحريري أنه محرج بموقفه، وحشره حزب الله ورئيس الجمهورية في ضيق الوقت وفي اضطراره للالتزام الذي قدّمه بدعم سمير الخطيب.

وقبل إعلانه هذا الموقف، كان كثر ينظرون إلى الحريري بأنه يناور سياسياً، وأن أدائه تحسّن على نحو لافت. لكن هؤلاء صعقوا كيف حشر الرجل نفسه بتأييد الخطيب، وسط رفض رؤساء الحكومة السابقين له، إضافة إلى رفض الشارع له. بينما لم يعد الحريري قادراً على الإقدام ولا على الإحجام.

في المقابل، بقي حزب الله على رغم من عمله على نسج حكومة الخطيب، متمسكاً ومتأملاً بعودة الحريري رئيساً للحكومة. وهناك قناعة أساسية لدى قوى مختلفة أن الحريري راغب في العودة، إن توفرت شروط مناسبة له. وبالطبع، هي غير الشروط التي أعلنها، ومنها حكومة تكنوقراط كاملة، وصلاحيات واسعة، وإعداد قانون إنتخابي جديد والتحضير لانتخابات مبكرة. فشروط الحريري مغايرة تماماً.

ورطة الحريري
عانى الحريري في حكومته السابقة من جبران باسيل، الذي يتحكم بمفاصل قرارها، ويعاني من أداء الوزير وائل أبو فاعور الحاد في مواقفه والرافض للتنازلات. فالحريري لا يحتاج إلى معارضين، بقدر ما يحتاج لمن يسايرونه ويسيرون وفق ما يريد ويسوقون لمنطقه ويظهرونه دائماً على حقّ، ويضعونه دوماً في خانة المنتصر والمنجِز. ولذلك، يصرّ على وزراء تكنوقراط كي لا يكون لهم مواقف سياسية حادة، تماماً على شاكلة معظم أعضاء كتلته النيابية، الذين لا يبدون آراءً و"لا يوجعون الرأس". كما أن الحريري كان يأمل إخراج "اللقاء التشاوري" من الحكومة، الذين أخذوا منه مقعداً سنياً.

تورط الحريري بموقفه من تأييد سمير الخطيب، لكنه بقي يأمل أن يبقى هو "الرقم الصعب". فهو يعلم أن حكومة سمير الخطيب ستكون حكومة حزب الله وحكومة جبران باسيل شكلاً ومضموناً. فحتى لو شارك فيها بوزير تكنوقراط أو أكثر، ستبقى حكومة حزب الله المواجِهة للمجتمع الدولي وللشعب اللبناني المنتفض. وقد يكون ارتضى هذا الخيار، للهروب من مسؤولية الانهيار الإقتصادي. لكن للهرب من ذلك، وقع في أكثر من فخ ومطب. وهو ضرب صلاحيات رئاسة الحكومة، وأحدث شرخاً بينه وبينه مكونات سنّية أخرى، وابتعد عن تطلعات البيئة السنية ومشاعرها.

 كل هذه الحسابات تدور في رأس الحريري، كما في رأس حزب الله ورئيس الجمهورية. ولذلك تم خرق بروتوكول الاستشارات، ليكون الموعد الأول من نصيب الحريري، ليتخذ قراره ويسمّي مرشحه لتشكيل الحكومة. وعلى أساسه، سيسمي حزب الله وحركة أمل وتكتل "لبنان القوي" مرشح الحريري. والنقطة الأساسية هنا، هو تحسب هذه القوى لإمكانية تغيير الحريري لرأيه بمن سيختار لرئاسة الحكومة.

الصورة الضبابية 
يعرف الحريري أن خيار سمير الخطيب، لا يرضي بيئته ولا معظم نوابه ولا رؤساء الحكومة السابقين، ويعرف أيضاً أن ذلك سيكون استمراراً لخسارته الشعبية، وربما السياسية، طالما تكرس مجيء رئيس حكومة لا ينتمي لتيار المستقبل، وهو بالأساس مرشح التيار الوطني الحر. وقد لا يوفر ذلك مستقبلاً فرصة ليعود هو رئيساً للحكومة، خصوصاً إذا لم يكن لديه الأكثرية النيابية. ولكن بما أنه "تورّط" بتسميته وقدّم الالتزام العلني، لم يعد قادراً على تغيير موقفه، فهو يأمل بتغيير هذا الخيار خلال هذه الأيام.

إذا لم يتمكن الحريري من تغيير الخطيب، فهو يريد على الأقل الحصول على وزارة الداخلية، والإتصالات. ويطالب بالطاقة. ويعتقد بعض "المستقبليين" أن على الحريري تسمية الخطيب من دون المشاركة في الحكومة لتتحمل مسؤولية وحدها ما سيحدث. أما إذا حصلت متغيرات وأدت إلى تكليف شخص آخر غير الخطيب، فحينها الحريري سيعمل على تسمية شخصية أخرى من قبله لرئاسة الحكومة، أو ربما يعود هو نفسه إذا توفرت له الظروف، فيحقق بها أكثر من هدف: استبعاد باسيل وأبو فاعور، وغيرهم من الوزراء المستفزين، واستبعاد وزير اللقاء التشاوري. وكذلك هو يعلم أن خيار سمير الخطيب لا يرضي وليد جنبلاط الذي يعتبر أن باسيل كان ينتهز أي فرصة للتسلل إلى الشوف. فهل سيتحمل جنبلاط رئيساً للحكومة من إقليم الخروب؟ ربما يحاول الحريري إرضاء جنبلاط وإبقائه إلى جانبه من خلال استبعاد الوزير المحسوب على طلال ارسلان في الحكومة الجديدة.

لا تزال الصورة ضبابية بالنسبة إلى مختلف القوى السياسية، التي تترقب مواقف بعضها البعض، وتتحسب لتحركات الشارع، وسط تقديرات أن ثمة شيئاً سيتغير حتى موعد الإستشارات يوم الإثنين المقبل. وقد يعيد الحريري حساباته. فإما ليعود بنفسه أو ليختار أحد المحسوبين عليه ويحظى بغطاء سنّي، ويعالج عندها ما جرى من تجاوزات للطائف ومن انتهاك لصلاحيات رئاسة الحكومة.رغم أن  آخرين يؤمنون أن حسابات الحريري مختلفة، فلا يريد أن يكون في واجهة الانهيار، ويفضل البقاء بعيداً بانتظار تغيّر الظروف.

همّ حزب الله 
بمعزل عن بقاء سمير الخطيب وتشكيله للحكومة، أو تغييره، ستكشف هذه الحكومة في حال ولادتها، هزال السلطة، وابتعادها عن طموح المواطنين ومطالبهم. وهي بالتأكيد ستكون حكومة حزب الله، الذي سيدافع عنها لحسابات إقليمية وسياسية لا علاقة لها بمطالب الناس ولا بالشعارات التي كان يرفعها. فهو يخوض معركة وجود وبقاء كمهيمن على السياسة اللبنانية ضمن اللعبة الإقليمية. وهو حريص على البعد السياسي للتركيبة السلطوية، الذي لا يمكن في ظلاله فتح ملفات الفساد ومكافحتها. وإذا كان حزب الله يلعب لعبة رفع شعارات الناس ومطالبها في مكافحة الفساد، فسيظهر من خلال الحقائق الجديدة أنه حامي السلطة وتركيبتها. وفي الأثناء، سيبقى مسلسل الأزمات مستمراً. والأزمة المعيشية تحديداً آتية بقسوة، ولا أحد سيكون قادراً على مواجهتها والحدّ منها، وهذه كلها ضائعة أو غير منظورة في حسابات السياسة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024