عقوبات أميركا على حزب الله: خمسة مستويات أساسية

نادر فوز

الأربعاء 2020/09/09
فتحت واشنطن باباً جديداً في ملف العقوبات على حزب الله، وعلى كل من وما يدور حوله. إضافة اسمي الوزيرين السابقين، علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، على لوائح العقوبات الأميركية، ليست إلا مقدّمة لما تنوي الحكومة الأميركية خوضه في مواجهة الحزب. فأشار محللون ومطلّعون على ملفات الحزب في واشنطن، خلال الساعات الماضية، إلى أنّ رزم إضافية من العقوبات سيتمّ فرضها على شخصيات لبنانية خلال الأسابيع المقبلة. فينشط مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزينة الأميركية على تحديث لوائحه، لمضاعفة الضغوط علّها تأتي بنتيجة. الإدارة الأميركية، التي تعمل منذ سنوات على محاصرة الحزب مالياً واقتصادياً، ضمّت عامل الضغوط السياسية على حلفاء حزب الله أخيراً لاستكمال الهجمة.

الإرهاب الدولي
في الدوائر الأميركية، تنقسم مواجهة حزب الله، وتمويله ووجوده وارتباطاته، على مستويات عديدة. وضع الحزب على لوائح المنظمات الإرهابية الخارجية عام 1997، وترقيته إلى لوائح المنظمات الإرهابية الدولية عام 2001، لم يأت بمنفعة على الأميركيين. لا بل أنه زاد من ارتباطات الحزب وعمّق صلاته بمنظّمات وحكومات مصنّفة إرهابية. ويمكن ترجمة ذلك من خلال آلاف الوثائق التي نشرتها وكالة الاستخبارات الأميركية قبل أعوام، وتشير إلى اتصالات وعلاقات الحزب بتنظيم القاعدة بعد أحداث 11 أيلول، وصولاً إلى الورود التي نثرت على بحر العرب بعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011. وهنا لا بد من الإشارة أيضاً إلى النصيحة التي وجّهها الأمين العام لحزب الله إلى تنظيم القاعدة عام 2012 بشأن القتال في سوريا فقال إنّ "الغرب وبعض الحكومات العربية نصبت لكم كميناً في سورية، وفتحت لكم ساحة لتأتوا إليها من كل العالم، حتى يقتل بعضكم بعضاً، ولو فرضنا أنكم استطعتم تحقيق إنجاز ميداني، فإن أول من سيدفع الثمن ويكون الضحية هو أنتم، كما حدث في أفغانستان وبلدان أخرى".

تمويل الإرهاب
أقرّ الكونغرس الأميركي قانون مكافحة التمويل الدولي لحزب الله، عام 2015، بصفته منظمة إرهابية تنشط على أكثر من مستوى اقتصادي. عدا تمويله نشاطه الارهابي، ربط  القانون الحزب بأعمال متّصلة بالمخدرات وتهريبها والاتجار بالأسلحة والبشر وغيرها. فوسّع القانون المذكور مجال العمل على ملاحقة الحزب، وقيادته ومؤسساته وكل شخص طبيعي أو معنوي على علاقة به. ضيّق عليه الخناق الأكثر. فمن ينشط اقتصادياً لصالح الحزب بأي غطاء كان، وبأي قطاع كان، بات عرضةً للملاحقة والعقوبات. بات كل من يدور في فلكه، متّهماً أو مشروع متّهم. الأمر الذي دفع قيادة الحزب إلى البحث عن أساليب أخرى للتمويل.

مشروع كاسندرا
بحسب محقّقين من وكالة مكافحة المخدرات الأميركية، تم رصد حركة العشرات من الأشخاص المحسوبين على حزب الله أو المقرّبين منه في إطار تجارة المخدرات، في تهريبها وتبييض أموالها. سبق للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أن نفى كل هذه الاتهامات قبل سنوات، إذ أنها أصلاً تضرّ بصورة حزب الله الدينية والشرعية أيضاً. إلا أنّ القضاء الأميركي سطّر عشرات الاستنابات القضائية بحق مقرّبين من الحزب، بتهم التجارة السوداء بين الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وأفريقيا، علّ أبرزهم أيمن جمعة المتّهم بالاتجار بالمخدرات وتبيض أموالها لصالح الحزب. يتّهم محققو كاسندرا حزب الله باللجوء إلى تجارة المخدرات وغسيل أموالها للتعويض عن الخسائر المالية التي مني بها نتيجة العقوبات المالية المفروضة عليه.

قانونا ماغنتسكي وقيصر
لم يتضّح بعد إن كانت العقوبات التي فرضت على خليل وفنيانوس تندرج في إطار قانون ماغنتسكي الذي يخوّل الحكومة الأميركية فرض عقوبات على منتهكي حقوق الإنسان في كل دول العالم، فيتم تجميد أصولهم وحظر نشاطاتهم في الولايات المتحدة. وقراءة تفاصيل النص الصادر عن الخزانة الأميركية يشير إلى اتّهام الوزيرين السابقين بالمساعدة في تمويل حزب الله وفي عمليات فساد على حدّ سواء. أي أنّ العقوبات الأخيرة تفعّل مبدأ "العقاب" على مختلف المستويات، في الفساد وسوء الإدارة وحقوق الإنسان والإرهاب وتمويله. لتصبح بذلك، المنظومة اللبنانية الحاكمة، بمسؤوليها الذي يتشاركون السلطة مع حزب الله تحت تهديد العقوبات. أما قانون قيصر، فموجّه ضد حزب الله مباشرة في لبنان، بصفته صلة الوصل الفاعلة للحكومة الإيرانية على الأراضي السورية.

عقوبات أخيرة
سبق للخزانة الأميركية أن وضعت عام 2018 مجلس الشورى في حزب الله وأعضاءه على لوائح العقوبات، منهم أمينه العام حسن نصر الله، ونائبه نعيم قاسم، ومحمد يزبك وحسين الخليل وإبراهيم أمين السيد. إضافة إلى طلال حميّة وعلي شرارة وحسن الابراهيمي وهاشم صفي الدين وأدهم طباجة وكيانات أخرى مثل مجموعة سبيكتروم وماهر للتجارة ومجموعة الإنماء والإنماء للهندسة والمقاولات. كما أضافت إلى اللوائح أسماء محمد بزي وعبد الله صفي الدين وقاسم حجيج وحسين فاعور.

وفي شهر تموز 2019، أضاف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزينة الأميركية أسماء كل من النائبين محمد رعد وأمين شري، ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا إلى لوائح العقوبات. كما أضافت إليها كل من صالح عيسى وناظم أحمد، أواخر العام نفسه.

يضاف إلى هذه المستويات، مستوى آخر يتمثّل بالعقوبات على المصارف اللبنانية، منها جمال تراست بنك قبل عام، وقبلها البنك اللبناني الكندي عام 2011. في المستويات الخمس التي تلاحق فيها الإدارة الأميركية حزب الله والمسؤولين فيه والمتمّولين حوله، تتّسع رقصة المواجهة إلى مختلف بقاع الأرض. فإن كانت العقوبات شملت قيادة الحزب في لبنان وسوريا وتواصلها مع إيران، وُضع متموّلون مقرّبون من الحزب في أفريقيا وأميركا اللاتينية على لوائح العقوبات. فاتّسعت الرقعة الجغرافية مع اتّساع  مستويات المواجهة، حتى وصلت إلى أوروبا وشرق آسيا أيضاً. بين تلك المدن والعواصم والقارات، ملايين اللبنانيين يدفعون ثمن فساد منظومتهم الحاكمة من جهة، والعقوبات المفروضة على حزب الله من جهة أخرى. وسيناريو العقوبات المستمرّ، قد يساهم في تحويل الوضع في لبنان إلى واقع جزيرة محاصرة كثرت نماذجها منذ سبعينيات القرن الماضي، ومنها من لا يزال مستمراً إلى اليوم حاملاً خطاب كسر الاستكبار والإمبريالية.

لائحة العقوبات


©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024