لماذا تخلى الثنائي الشيعي عن ملف ترسيم الحدود

المدن - سياسة

الجمعة 2020/10/02
لأنني "بري أبحلاش بالرص".. فإن خلاصة المؤتمر الصحافي البالغ الأهمية لرئيس مجلس النواب نبيه بري كانت الإعلان عن نقل ملف ترسيم الحدود البحرية مع "إسرائيل" من أيدي الثنائي الشيعي إلى أياد أخرى يمكن ان "تحلى بالرص" أو يقبل بها من "يرص" . أما التوصل إلى اتفاقية إطار لبدء المفاوضات برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية، فهو إنجاز مهم ولكنه ليس بيت القصيد، فالمفاوضات جارية فعلاً منذ العام 2011، بوساطة أميركية وبرعاية الأمم المتحدة أيضاً وليس على الإطار فقط بل على تفاصيل تقاسم المنطقة المتنازع عليها، ولكن الجديد أنها ستتم من الآن وصاعداً وجهاً لوجه بين اللبنانيين والإسرائيليين ما يخفف مشقة السفر على المبعوثين الأميركيين. 

ماذا يعني نقل الملف ؟ 

تستند أهمية نقل الملف من أيادي الثنائي الشيعي إلى أياد أخرى إلى متغيرين رئيسيين هما: 

الأول: التحول في السياسة الأميركية تجاه إيران وحلفائها من المهادنة والحرب الناعمة إلى المواجهة الشاملة. ولذلك فإن تولي الرئيس بري لهذا الملف، وهو أمر كانت ترحب به أميركا بل تصر عليه، بات مرفوضاً الآن. وذلك ما يفسر ترحيب أميركا بسعي الرئيس ميشال عون قبل ثلاثة أشهر لتولي هذا الملف، مقابل رفضها للمسعى ذاته من قبل الرئيس سعد الحريري قبل سنوات. وذلك ما يفسر أيضاً رفض ديفيد ساترفيلد بحث الموضوع عند اجتماعه مع الرئيس بري خلال زيارته الأخيرة طالباً بحثه مع ديفيد شينكر. ولكن شينكر لم يلتق بأي من المسؤولين اللبنانيين عند زيارته واكتفى بعقد اجتماع أقرب إلى رفع العتب، مع أحد مستشاري الرئيس بري.

الثاني: يبدو إن الثنائي الشيعي لا يمانع بتقديم هذه الورقة إلى أميركا وإلى ترامب تحديداً قبيل الاتنخابات في محاولة لتخفيف الضغط المتصاعد عليه. وهي ورقة يستطيع حرقها متى يشاء، باعتبار أن الترسيم الفعلي يحتاج إلى مفاوضات شاقة قد تطول أو تقصر تبعاً لمتغيرات وتطورات متشعبة. ما يسمح بإعادة الإمساك بهذا الملف او تعطيل المفاوضات إذا تطلبت "المصلحة العليا" ذلك. كما ان "الثنائي" يفضل ألا يكون في الواجهة إذا تطلبت التطورات والمتغيرات تقديم تنازلات او القبول بما كان يرفضه حتى الأمس القريب كالموافقة على مبادرة هوف لإقتسام المنطقة المتنازع عليها، او الدخول في اتفاقيات مع إسرائيل لتقاسم المكامن المشتركة والتي بات وجودها مؤكداً. 

على ماذا ستفاوضون ؟

عند هذا الحد، يكون قد آن الآوان لطرح ثلاثة أسئلة تكشف الاجابة عليها كيف تكون "الدولة الفاشلة"، كما تسمح الإجابة بحفظ حقوق لبنان في استغلال ثرواته المؤكدة من النفط والغاز وهي:

1. هل "يعرف" لبنان حدوده البحرية حقاً سواء مع سوريا وقبرص أو مع إسرائيل. وقبل أن يجيب أحد جهابذة "الدولة الفاشلة" بأنه يعرف ويحيلنا إلى مرسوم العام 2011، الذي رسم هذه الحدود وحدد المنطقة الاقتصادية الخالصة. نسأل.. ماذا عن مشروع المرسوم الذي أعدته رئاسة الجمهورية قبل ثلاثة أشهر، والذي تضمن تعديلاً جوهرياً لمرسوم العام 2011 ، يرفع مساحة المنطقة المتنازع عليها مع إسرائيل من 860 كلم2 إلى حوالي 2000 كلم2. وهو المرسوم الذي رفض جميع أركان "الدولة الفاشلة" توقيعه بل مجرد البحث فيه. ونزيده من الشعر بيتاً، لنسأل ماذا عن الأثر المترتب على قيام الجيش في العام 2018، بالتعاون مع اليونيفيل، بإبعاد نقطة الحدود في الناقورة المعروفة بـ B1 بنحو 40 متراً جنوباً، بعد اكتشاف العلامة المثبتة منذ اتفاقية الهدنة، ما يحتم إعادة رسم خط الحدود، ويؤدي بالتالي إلى اكتساب لبنان لحوالي 17 كلم عند خط النهاية أي النقطة الثلاثية بين المياه اللبنانية والقبرصية والإسرائيلية. وليفسر "جهابذة الدولة الفاشلة" للشعب اللبناني التضارب بين الأرقام التي يعلنونها أو يسربونها للمنطقة المتنازع عليها، والتي تتراوح ما بين 860 و 1350 و 1700 كلم2. وعند الإجابة على هذا السؤال يستقيم الحديث عن مفاوضات. 

2. متى يتم تشكيل هيئة وطنية تضم الجيش اللبناني بالدرجة الأولى والمؤسسات الدستورية المعنية فعلاً، وتستعين بأصحاب الخبرة والمعرفة لتتولى مهام الترسيم على أسس علمية بدلاً من الاعتماد على "خبراء" وزارة الأشغال العامة والنقل الذي أرتكبوا فاحشة الترسيم الخاطئ في العام 2006 الذي قدم لإسرائيل بشحطة قلم مساحة 860 كلم2. 

3. من يضع أسس المفاوضات ومن يرسم حدود التسويات والتنازلات الممكنة لكي يلتزم بها المفاوض، بحيث لا تبقى المفاوضات رهينة الاعتبارات والمصالح السياسية لكل حزب او طائفة أو مذهب. وهل يحق للشعب اللبناني الاطلاع على هذه الأسس أم ستبقى كما كانت طوال السنوات العشر الماضية سراً من "أسرار الألهة". خاصة وان المفاوضات لن تشمل فقط ترسيم الحدود بل أمراً بالغ الخطورة والأهمية هو استغلال المكامن المشتركة مع العدو الإسرائيلي. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024