عندما قالوا لباسيل: جعجع يمثّل سنّة البقاع

عماد الشدياق

الجمعة 2019/05/31

بعد الانتهاء من جلسات مناقشة الموازنة في مجلس الوزراء، بدأ وزير الخارجية، جبران باسيل، معركة جديدة عنوانها التعيينات الإدارية والأمنية المهمة في مناصب الدولة ومؤسساتها، مستهدفاً على نحو خاص حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل. وكانت أولى السهام التي أطلقها تدشيناً لهذه المعركة مصوبة نحو المدير العام لقوى الأمن الداخلي عماد عثمان المحسوب على تيار "المستقبل"، واعداً حسب ما نقلت أوساطه للإعلام قبل يومين، ثم نفى لاحقاً، بطرح ملف عثمان على طاولة مجلس الوزراء، بسبب أزمة "مجلس القيادة في الأمن الداخلي" والتعيينات فيه.

الأجوبة الصادمة
الرد جاء من نواب في كتلة "المستقبل"، وخصوصاً الأمين العام أحمد الحريري، بواسطة منصة "تويتر"، بسجال نُبشت فيه حقبة اتفاق الطائف وما قبله. والرد "المستقبلي" لم يكن وليد اللحظة ولا نتيجة لأحداث اليومين الماضيين وحسب، وانما يتصل مباشرة بالكلام الذي رماه باسيل يوم السبت الفائت بمنتجع Laforge، في تل ذنوب بالبقاع الغربي، أثناء لقاء حواري مع شخصيات سنية من المنطقة، دعا إليه باسيل نفسه، بواسطة القيادي في التيار الوطني الحر ميشال أبو نجم. كلام  نافر جعل اللقاء، حسب انطباع المدعوين، يشبه أي شيىء إلا "الحوار"، ولربما لتحول إلى أمر آخر لولا انتهاء الوقت المحدد له.

تمكنت "المدن" من التواصل مع عدد من أولئك المدعوين، وهم من أهل البقاع الأوسط والغربي. ولا خلفية مشتركة بينهم سوى أنهم "سنّة" فقط، منهم الصحافي أو المحامي أو الدكتور الجامعي أو رئيس البلدية أو المختار..إلخ، وقد أثنى أغلب من تواصلنا معه على حسن الضيافة ودقة التنظيم، كما احترموا بالوزير باسيل دقة التزامه بموعد اللقاء. لكنه صدمهم بإجاباته على أسئلتهم. أحد المدعوين سأل باسيل عن سبب وصم التيار الوطني الحر دوماً بالتعصب والطائفية، وسبب عدم تقبل الطائفية السنّية له؟ فقال: "أنتم ظلمتونا بالتعاون مع الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة أمل.. ما اضطرنا إلى ذلك لنعيد حقوقنا" قاصدا تيار المستقبل، جاملا الموجودين كلهم بالصبغة الزرقاء، واضعاً الطائفة السنية كلها تحت جناح تيار المستقبل. وهو ما أزعج جزء كبير من الحاضرين، حسب واحد منهم.

هذا السؤال وجوابه جرّ خلفه سلسلة أسئلة مشابهة زادت من منسوب التوتر خلال اللقاء. ضيف آخر توجه إليه قائلا: "لماذا الوجدان السني تمكن من استيعاب بشير الجميل وكذلك استيعاب سمير جعجع، بل أكثر من ذلك، السير خلفه حينما حمل لواء 14 آذار، ولم يتمكن من استيعاب الحالة العونية؟" فردّ باسيل بأسلوب أبهر الحاضرين: "جعجع صفحته سوداء لدى السنّة، وهو متهم بقتلهم خلال الحرب وبارتكاب جريمة بحق رئيس حكومة سابق (رشيد كرامي) وهدفه كله على مدى السنوات الماضية كان تبييض صفحته معهم، ولهذا كان مضطرا إلى تقديم التنازلات.. عملها شغلته وعملته".

التحريض على جعجع والحريري
على هذا النحو، جعل باسيل من القوات اللبنانية محور حديثه الذي دام ساعة وخمس دقائق مشبعة بالتشنج، معتبرا أن "القوات حزب مسيحي والتيار حزب علماني يؤيد الزواج المدني ويدعم منح الأم الجنسية اللبنانية لأولادها.. في بعض المراحل اضطررت أن أكون مسيحيا حتى أتمكن من استعادة الحقوق والوظائف في الإدارات العامة. حينما يسمي السنّة الموظف السني والشيعة يسمون الشيعي فمن حقي أن أسمي المسيحي. نحن لم يكن لدينا مشكلة مع أحد منهم وجئنا لنحصّل حقوقنا فقط".

مدعو آخر أبدى استهجانه لما قاله باسيل، فشرح لنا كيف تجهمت وجوه الحاضرين، وأردف: "لم يلطّف باسيل إجاباته، لم يحاول القول أن ثمة أخطاءً ارتُكبت، أو أننا لم نتمكن من بناء تواصل جيد في حينه، مثلاً، أو نحن حالياً بصدد بناء علاقة جديدة مع الرئيس الحريري بعد التسوية، وانما إجاباته جاءت صدامية، إذ قال: أنا لست مضطراً أن أقنع أحداً. السنية السياسية جاءت على جثة المارونية السياسية وأخذت كل حقوق المسيحين. وهو أمر طبيعي أن أسعى لاستعادتها!". قاطعه أحدهم: "لكن أنتم كتيار وطني حر كنتم رأس حربة بمواجهة سعد الحريري. كنتم أداة بيد حزب الله لهذا الهدف". رد باسيل: "شوف سعد الحريري كيف فاتح خطوط مع حزب الله، إذا نحنا فاتحين طريق، فسعد الحريري فاتح أوتوسترادات من تحت الطاولات.. روح شوف بمجلس الوزراء شو عم يعمل!"، يروي الضيف ما سمعه ثم يسألنا: "هل فعلا هدف باسيل من اللقاء هو الحوار أو التحريض على شخص سعد الحريري وسمير جعجع؟"

تربية أساتذة الجامعة
في معرض حديثه عن اقرار قانون الموازنة في مجلس الوزراء يشتكي باسيل: "جميع الأحزاب المشاركة بالحكومة تقدمت باقتراحاتها لتعديل الموازنة، لماذا الجميع أطلق نيرانه على ورقتي؟"، يقاطعه أحد الحاضرين سائلاً عن إضراب الأساتذة الجامعيين لحرمانهم من حقوقهم، فيرد باسيل: "لو كنت وزيراً للتربية كنت عرفت ربيتكم!"

وبعد أن انتهى الوقت المخصص للقاء، نهض باسيل وهمّ بالخروج، فوقف أحد الحاضرين وقال له: "جملة أخيرة معالي الوزير.. أحد أبناء ضيعتنا رُزق ببنت فسماها ستريدا وآخر سمى ابنه الحكيم، إعلم أن النائبة ستريدا جعجع والدكتور سمير جعجع يمثلانا كسنة في مجدل العنجر أكثر من سعد الحريري". بعدها نهض باسيل وشكر الحاضرين لتلبية الدعوة. وامتنع أغلب الحاضرين عن مصافحته، وخرجوا إلى الشرفة. بعدها توجه غرباً للقاء النائب إيلي الفرزلي ومجموعة أخرى في جب جنين، حيث نُقل أن التشنّج رافقه إلى هناك أيضا.

في غضون هذا كله، أصر الوزير باسيل، في بيان صدر عن مكتبه في وقت متأخر مساء الخميس، على "مظلوميته" ووضع ما نُقل عنه في "تل ذنوب" بإطار "استهداف دوره الوطني" بعملية أسماها "استعادة شعبية سنّية وشد عصب مكشوفة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024