لبنان.. الحدود العابرة

مروان حرب

الثلاثاء 2020/06/02

في ظلٍّ غياب قرار فعلي لترسيم الحدود وضبطها تخالف الحكومة الحاليّة الفقرة "أ" من مقدمة الدستور. غياب هكذا قرار يثير الشّك والرّيبة لدى قسم كبير من المواطنين في وقت مؤسسات الدولة مرتهنة لخيارات حزب الله الذي يسيطر وحلفاؤه عليها، وفي وقت يوظّف فائض القوة العسكرية لديه، لتكريس خيارات وطنية ستمسي مع عاملي الزمن والتكرار أعرافاً سياسية.

تنصّ الفقرة "أ" من مقدّمة الدّستور اللبناني المعدّل بموجب القانون الدّستوري الصّادر في 21/9/1990: "لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد ارضًا وشعبًا ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها في هذا الدستور والمعترف بها دوليا." تحتوي مقدّمة الدّستور على المبادئ العامة والأحكام الأساسيّة التي اتّفق عليها اللبنانيون والّتي بموجبها ارتضوا أن يكونوا فيما بينهم كياناً أجمعوا على هويته، يجمعهم ويعيشون فيه في حرية ومساواة. يشكّل الدّستور العمود الفقري للدّولة، يحدّد هويّتها وشكل نظامها السياسي. الدّستور اللبناني الذي كلّف الشعب اللبناني حروبًا ودمارًا وتهجيرًا، كرّس في النص العقد الاجتماعي بين اللبنانيين، جميع اللبنانيين.

أهمية الحدود وترسيمها تنبع من كونها معيارًا أساسيًا ومبدئيًّا في وجود الدولة وتعريفها. لا دولة من دون حدود، فأي جهة خارجية أو داخلية تمنع ترسيم الحدود هي جهة لا تعترف بوجود الدولة اللبنانية. الدولة إقليم محدد وشعب وحكومة قادرة على المحافظة والسيطرة الفعَّالة على أراضيها، وإجراء العلاقات الدولية مع الدول الأخرى. إن الحدود في كونها مكون رئيسي لهوية الدولة لا يمكن فصله عن الميثاق المشترك بين اللبنانيين بالعيش معاً ضمن نطاق جغرافي محدد. ففي ظل حدود غير واضحة وموثّقة، وإقليم جغرافي غير معرّف، تكون الدولة غير مكتملة المعالم وغير نهائية، فيصبح العقد الاجتماعي هشاً، ما يجعله عرضة للتحوير والتعديل والتبديل وفق التوازنات السياسية المتقلبة.

للحدود أيضاً دور سياسي واقتصادي واجتماعي وبالأساس سيكولوجي، كونها تشكل حمايةً وسياجاً. فالحدود السائبة ليست مؤشراً على الفوضى في حركة الأشخاص والتهريب فحسب، بل على تزايد الشعور بعدم الأمان لدى اللبناني كأنه يعيش في بلد من سراب. مسألة ترسيم الحدود ليست قضية ثانوية عابرة تحتمل النقاش السياسي. إنها شأن دستوري يتعلق بهوية الدولة، بمصير الشعب وكيان الوطن.

بالتالي، إن إهمال الحكومة ترسيم وضبط الحدود لا يشكل فقط تعديلاً مُضمراً وغير معلن لمقدمة الدستور اللبناني ولميثاق العيش المشترك، - الذي اعتبر لبنان "وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، في حدوده المنصوص عنها" - بل يعكس إرادة في الاستمرار في إضعاف قدرة الدولة على بسط سيادتها، ما يهدد استقرارها وأمنها واقتصادها، ويُعبر أيضاً عن تعمُدٍ في إبقاء لبنان دولة معلقة، ووطناّ غير نهائي ذي حدود عابرة خدمةً لأجندات سياسية وإيديولوجية عابرة للحدود.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024