محمد الصفدي المشبوه بالفساد: نكاية جبران باسيل بطرابلس وباللبنانيين

جنى الدهيبي

الجمعة 2019/11/15

لم تمرّ ليلة الخميس خيرًا على عاصمة الشمال، منذ أن تسرب اسم الوزير السابق محمد الصفدي، كشخصية توافقت عليها القوى السياسية لتشكيل الحكومة الجديدة. ومن مسقط رأسه في طرابلس، انطلقت شرارة الغضب رفضًا لهذه التسيمة، التي ترى فيها شريحة واسعة من أبناء المدينة استفزازًا مباشرًا لهم، لا سيما أنّها ناتجة عن اتفاق سياسي مشبوه في أهدافه، عقده بمعزل عن إرادة الناس والشارع، كلّ من رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري والتيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل ومن خلفه رئيس الجمهورية ميشال عون، مع حزب الله وحركة أمل.

مهانة للناس
يبدو أنّ طرابلس بلغت درجة عالية في وعيها لدورها المحوري في الثورة، منذ يوم 17 تشرين الأول. إذ أنّها حددت خصمها في المعركة مع السلطة: "كلن يعني كلن"، من دون  أن تترك مجالًا للعب على أيّ وترٍ طائفي أو مناطقي. فخرجت للتّعبير عن رفضها حتى في تسمية "ابنها" محمد الصفدي رئيسًا للحكومة الجديدة. في الشارع، وداخل الخيم، يدور النقاش حاميًا عن مساؤى هذه التسمية، وما تشكله من استفزاز ومهانة للناس والانتفاضة الشعبية برمّتها. ومجددًا، أعادوا التذكير بتاريخ الصفدي السياسي، كونه جزءًا أساسيًا من تركيبة السلطة، وله مشاركة مباشرة في الفساد بالاعتداء على الأملاك البحرية، بدءًا من فضيحة "الزيتونة باي"، مرورًا بأدائه السيء في وزارة الأشغال، والاتهامات الكبيرة بفضائح فساد خرجت إلى العلن، إثر خلافه مع الوزير السابق غازي العريضي في العام 2013. كما أنّه أحد المشتبه بهم في التورط بصفقة اليمامة لشراء السلاح بين بريطانيا والسعودية.

العلاقة بين الصفدي وأبناء مدينته
ليل الخميس، توجه عشرات من الشبان نحو مكتب ومنزل الصفدي للاعتصام وإطلاق الهتافات ضدّه. لكنّ الحقيقة، هو أنّ الصفدي أغلق مكتبه السياسي في محلة التلّ منذ انتخابات 2018، إثر عزوفه عن الترشح، وهو غير مقيم أصلًا في طرابلس، وإنما يتنقل بين قصره الذي بناه معتديًا على الأملاك البحرية في عمشيت، وبين دارته في بيروت بمنطقة كليمنصو.

الصفدي، وهو واحدٌ من كبار الأثرياء في لبنان، ويتحدر من مدينة يعاني معظم سكانها من فقرٍ مدقع. لم تشعر طرابلس في السنوات الأخيرة بحضوره فيها، أو بسعيه لتوطيد علاقته مع أبنائها. وهو الغائب عنها بشكلٍ شبه كليّ. وبالكاد يعوّض عن غيابه ابن أخيه أحمد الصفدي، الذي يُحكى عن "صراع أجنحةٍ" بينه وبين زوجته الوزيرة في حكومة تصريف الأعمال، فيوليت خيرالله الصفدي.

حينّ تزوج الصفدي، البالغ 75 عامًا من فيوليت خيرالله البالغة 38 عامًا، في العام 2015، مطلقاً زوجته الأولى منى صيداوي، المتحدرة من مدينة صيدا، كان الأمر موضع تساؤل وجدلٍ "خفيّ" في طرابلس، قبل أن تسعى فيوليت جاهدة إلى الانخراط في المدينة، عبر مشاريع "خيرية" عدّة بواسطة مركز الصفدي الثقافي.

في العام 2018، عندما قرر الصفدي العزوف عن التّرشح للانتخابات النيابية، دعمًا للرئيس الحريري، أوقف معظم خدماته الاجتماعية والصحية، ونشاطه الخيري في شهر رمضان، وأغلق مكاتبه، وصرف عددًا كبيرًا من موظفيه، ما جعله يفقد مكانته على المستويين الشخصي والشعبي في طرابلس. لكنّ المفاجأة، كانت بـ"المقايضة" التي عقدها مع الحريري، فجاء بزوجته فيوليت وزيرةً في الحكومة الأخيرة، وهو ما كان أيضًا موضع رفضٍ في طرابلس، التي دارت فيها التساؤلات: لم يعد هناك غير زوجة الصفدي حتّى تمثل طرابلس في الحكومة وهي من خارجها؟

مجرد مفتاح انتخابي!
في مرحلة الانتخابات النيابية أيضًا، شنّ الصفدي هجومًا عنيفًا على رئيس الحكومة الأسبق، نجيب ميقاتي، ووصفه بـ"الكاذب الذي يهوى الفتنة والتفرقة بين الناس"، وأن لائحته هي "لائحة الشيطان"، ونتج عن ذلك اتهامه في طرابلس بالانحدار من رتبة "مرشح للانتخابات" إلى "مفتاح انتخابي" لدى الحريري، الذي خاض معركة انتخابية شرسة ضدّ ميقاتي في طرابلس.

أمّا ما يعزز حاليًا من رفض طرابلس للصفدي رئيسًا للحكومة، هو الدعم المطلق الذي يلقاه من خصم المدينة الأول: جبران باسيل. واليوم الجمعة، صرّح باسيل أنّ المرحلة "تحتاج إلى شخصيّة تعرف ​الدولة​ جيّداً، والصفدي سبق أن تولّى أكثر من حقيبة وزاريّة. ولم تكن عليه أيّ شبهة فساد في المهام الرسميّة التي مارسها. لذلك أجد أنّه شخصيّة مناسبة لهذه المرحلة". هذا التصريح، شكّل استفزازًا مضاعفًا في طرابلس، لأنّه جاء من خارج إرادتها وضدها، وبعيدًا من الحقائق، في وقتٍ يوزّع فيه باسيل شهادات مشبوهة وغير حقيقية بحسن السلوك على حلفائه تمريرًا لمصالحه!

في هذا الوقت، يُشهد للصفدي من قبل الطبقة النخبوية والمثقفة في طرابلس، أن "مركز الصفدي الثقافي" شكّل منارة ثقافية مهمة في طرابلس، ولعب دورًا أساسيًا على المستوى الثقافي والعلمي في المدينة. وفي سيرته الذاتية، بدأ حياته في التجارة في طرابلس، ثم انتقل إلى بيروت عام 1969، ومنها انتقل إلى السعودية في العام 1975، وتوسعت أعماله في عدد من الدول العربية وأوروبا، من خلال مشاريع استثمارية متنوعة، وأطلق في العام 2000 "مؤسسة الصفدي التنموية"، وقد انتُخب في العام نفسه نائبًا عن المقعد السني في طرابلس، وأعيد انتخابه في دورتي 2005 و2009.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024