المحافظ نهرا يبتّز رئيسي بلديتي طرابلس والميناء.. بملفات فساد؟

جنى الدهيبي

السبت 2018/10/27

منذ الانتخابات البلدية في العام 2016، لم تنته الخلافات والسجالات الدائرة في أروقة بلديتي طرابلس والميناء. أخيراً، شهدت البلديتان معارك كبيرة وطاحنة بسبب التعينات الوظيفية، ليصبح السؤال الجوهري الذي يتداوله أعضاء البلديتين: هل يرضخ الرئيسان أحمد قمرالدين (طرابلس) وعبدالقادر علم الدين (الميناء) لابتزازات محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا لإمساكه بملفات فساد تدينهما؟

علم الدين وملفات الفساد
أخيراً، أخذ رئيس بلدية الميناء علم الدين، قراراً بتعيين زوجة شقيق مستشار نهرا لقمان الكردي، عايدة حبلص، في منصب رئاسة مصلحة الشؤون الإدارية في البلدية بسبب شغوره، مرسلاً أوراقها إلى مجلس الخدمة المدنية، بعدما نجحت في امتحانات المجلس في العام 2016. في ذلك الوقت، رفض علم الدين تعيين حبلص، بحجة عدم سكنها في الميناء كشرطٍ قانوني لتولي هذه الوظيفة. إلا أنّ علم الدين تحوّل بقراره، من الرفض القاطع إلى السعي لتعيينها. ما دفع أعضاء البلدية إلى السؤال عن سبب تغيير علم الدين موقفه من تعيين حبلص، في الأسبوع الأخير قبل انتهاء صلاحية نجاحها في مجلس الخدمة المدنية بعد مرور عامين كاملين.

تفيد معلومات خاصة بـ"المدن" أنّ داخل أدراج نهرا، يوجد ملف فساد كبيرٍ بحقّ علم الدين أدى إلى التحقيق لدى النيابة العامة المالية من شباط 2018، وأنّ مجرد إعادة تحريكه قضائياً يؤدي بعلم الدين إلى عواقب صعبة. في ذلك الحين، توجه أعضاء من البلدية بشكوى بحقّ علم الدين لدى القاضي علي إبراهيم في النيابة المالية العامة، وهو قانونياً لا يستطيع التحقيق مع أيّ رئيس بلدية من دون موافقة المحافظ. ونتيجة التحقيقات، أرسل القاضي إبراهيم كتاباً للمحافظ لاستدعاء علم الدين، إلا أنّ الورقة بقيت في أدراج المحافظ، لتتحول لاحقاً إلى ورقة ضغط، وفق المعلومات نفسها. والسؤال الجوهري: ما هو مضمون ذلك الملف؟

تشير مصادر "المدن" إلى أنّ العلاقة بين علم الدين ونهرا ساءت عقب انتخابات المجلس الجديد في العام 2016. قبل ذلك التاريخ، استلم المحافظ نهرا وصاية بلدية الميناء لثلاث سنوات بعدما قدّم مجلسها السابق استقالته. وحين كان نهرا وصيّاً، قام بتعيين مستشارين في البلدية، من دون الحاجة إليهما، بمبلغ 20 مليون سنويّاً لكل منهما. وحين استلم علم الدين رئاسة المجلس، وضع قراراً على جدول عمله بإلغاء التعاقد مع هذين المستشاريّن، فوقع الخلاف بينه وبين نهرا، الذي ردّ له الصاع بقضية العقار 1403، حين قام شخص من آل شبطيني (يدعي امتلاك هذا العقار) برفع دعوى قضائية ضد علم الدين بعد موافقة المحافظ على ذلك. حتّى أنّ نهرا، وفق أوساط البلدية، كان يسعى لعرقلة أمور علم الدين ولو وفق المهل القانونية، إذ كان كلّ بريد يخرج من البلدية لا يحصل على موافقة المحافظ قبل 29 يوماً. فلماذا تحولت علاقتهما الانتقامية إلى علاقة إيجابية بعد شهر شباط وأصبح علم الدين يسعى لتنفيذ "طلبات" المحافظ؟

في آخر جلسةٍ لبلدية الميناء، بهدف إعداد موازنة 2019، رفض أعضاء المجلس التوقيع على قطع حساب البلدية لعام 2017، وحمّلوا المحافظ نهرا مسؤولية قرارهم، إذ تمنوا عليه في القرار الصادر عنهم، الرقم 244 والموقع بأسمائهم، البتّ في الشكوى المقدمة لدى النيابة العامة المالية بحقّ علم الدين، حفاظاً على حسن سير العمل البلدي.

وفي اتصالٍ مع "المدن"، ينفى علم الدين الاتهمامات الموجهة ضدّه، ويؤكد أنّ قضيّة النيابة العامة انتهت. أمّا في ما يخص تعيين حبلص، فيقول: "لا يوجد أي تزوير في أوراقها ومستنداتها، لكنني وافقت على تعيينها بسبب شغور هذا المنصب، ولأننا قمنا بالثبت من كلّ أوراقها القانونية ومن سكنها في الميناء".

طبيب بلدية طرابلس
بعدما أحيل رئيس الدائرة الصحية السابق في بلدية طرابلس الدكتور غسان الشامي  إلى التقاعد، في شهر تموز الفائت، وعيّن قمر الدين رئيس مصلحة الشؤون الإدارية نواف العلي رئيساً بالوكالة إلى حين تعيين بدلٍ من الشامي، تفاجأ أعضاء المجلس الأسبوع الماضي بقرار قمر الدين تعيين الدكتور وسام سعادة، وهو طبيب قضاء البترون من كسروان، عضواً ومحرراً للجنة الطبية بناءً على طلب المحافظ نهرا.

هذا التعيين، وفق مصادر "المدن"، فجّر قنبلة الخلاف بين الأعضاء ورئيسهم في جلستهم الأخيرة، واعتبروا قرار قمر الدين استسلاماً لإرادة المحافظ، لا سيما أنّ سعادة لا علم له بشؤون بلدية طرابلس وموظفيها، في الوقت الذي يوجد فيه موظفون من المدينة مرشحون لهذا المنصب، أمثال طبيب المحافظة الدكتور جمال عبدو ورئيس الدائرة الصحية في بلدية الميناء الدكتور زاهر عرابي. وقد بات السؤال: لماذا أغلبية موظفي طرابلس في الدوائر الرسمية يجري تعيينهم من خارج المدينة تلبية لرغبات نهرا؟

لكن، نتيجة الضغوط الكبيرة التي مارسها الأعضاء على قمر الدين، وأنّ الأخير كان يطلب عدم إحراجه مع نهرا، اجتمع الدكتور سعادة مع قمر الدين الجمعة في 26 تشرين الأول 2018، وقدّم اعتذاره عن تولي هذا المنصب، فأصدر قمرالدين قراراً بتعيين الدكتور عبدو بدلاً منه، بعد اجتماعه مع نهرا وتشاوره مع المراقبة المالية العامة زينة كرم.

ينفي قمر الدين، في اتصال مع "المدن"، كل ما يشاع عن تعرضه لابتزازات من المحافظ نهرا. ويؤكد أن ملف فساد المسلخ لا يطاله بأي إدانة. أما في ما يخص طبيب الدائرة الصحية، فيشير إلى أن ثمة لغطاً كبيراً، لأنه انتداب وليس تعييناً، وتقتصر مهمته على التوقيع على الملفات الصحية للموظفين، على أن يشرف لاحقاً على انتخاب أعضاء الدائرة. لكن، "تفادياً للاشكال الذي تضخم أكثر من حجمه، اعتذر سعادة وقمنا بتكليف الدكتور عبود في هذه المهمة".


علاقات ابتزاز؟
يتفق عدد من أعضاء البلديتين خلال تواصل "المدن" معهم، على أنّ رئيسي البلديتين يخضعان لضغوط كبيرة من المحافظ نهرا، لا سيما أنّ علاقة الأخير مع قمر الدين تحسنت أيضاً، بعد "فضيحة" استدعائه مع مديرة الاتحاد ديما حمصي، إلى مكتبه في تموز الفائت للتحقيق معهما بشأن المخالفات وهدر المال العام الحاصل في الاتحاد وفي المسلخ الخاص بالمدينة.

ويعتبر هؤلاء الأعضاء، أنّ بدل ممارسة نهرا دوره الرقابي في البلديات، يستغل الفساد لفسادٍ مزدوج، فيفرض التعيينات والقرارات التي يريدها، وأنّ التحدّي حاليّأً، هو بوضع حدٍّ لهذه التجاوزات من الرئيسين والمحافظ معاً.

من جهته، يقلل نهرا، في اتصال مع "المدن"، من شأن ما يُحكى عنه. وفيما يرفض تحميله مسؤولية ما يحصل في البلديتين، يصف ما يُحكى بـ"الشائعات" التي لا أساس لها من الصحة. ويقول: "لا علاقة لي بما يحدث، اسألوا قمر الدين وعلم الدين".
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024