ميشال عون.. الأسد وخامنئي

يوسف بزي

الثلاثاء 2020/01/14

المتطيّرون، المؤمنون بالنحس وسوء الطالع، يتشاءمون من الرقم 13. وعلى هذا الإيمان، باتوا مقتنعين أن الرئيس اللبناني الثالث عشر منذ الاستقلال، ميشال عون، هو أصل البلاء والأيام العجاف والمصائب التي نزلت باللبنانيين. وهؤلاء ليسوا بالضرورة أصحاب موقف سياسي ولا يصدر رأيهم بعون عن انحياز حزبي أو عن عصبية طائفية مثلاً. هم فقط يؤمنون بقراءة الظواهر والوقائع، تشاؤماً وتفاؤلاً، وفق معتقدهم الشعبي بالحظ أو سوئه.

والحق أن رأيهم لا يجانب الصواب، وإن كان يفتقد للحجة العلمية وبرهانها. فالرئيس عون، يقترن تاريخه بأحلام خلّابة ووعود زاهية هي في حقيقتها مسلسل من الكوارث والانهيارات، أصابت أتباعه قبل خصومه. والأهم أن صعود "نجمه" في أواخر الثمانينات تزامن –صدفة- مع الانهيار الكبير لسعر الليرة اللبنانية. وهذه الصدفة تكررت كمعجزة مشؤومة مع وصوله إلى سدة الرئاسة.


بعيداً عن أساطير المتطيّرين، يبقى أن ميشال عون يقترب أكثر فأكثر ليأخذ مكان جبران باسيل كهدف مفضّل للهتافات وللصرخات البذيئة والكلام المقذع والشتائم الفاحشة. الرئاسة، كموقع منزّه، بالكاد استطاعت مجموعات ثورية إقناع عدد كاف من الجمهور للحاق بها في مسيراتها تجاه قصر بعبدا.. تبدو اليوم، أكثر قابلية للاستهداف، مع وضوح دور الرئيس عون في مخاصمة الثورة ومطالبها، كما دوره كشريك في الاستعصاء السياسي والدستوري.

ولأن ميشال عون في الآونة الأخيرة، بعد استقالة الحكومة، صار يوسع دوره كأنه في نظام رئاسي، وصار قصر بعبدا بما فيه من وزراء ومستشارين أشبه بقصر النظام الحاكم على الطريقة العربية.. أصبح من الممكن في مخيلة المواطنين تصوره كأي رئيس عربي مطلق الصلاحيات، بل وشبيه ببعض أشد الرؤساء مكابرة وإنكاراً للواقع وتشبثاً بالسلطة واستخفافاً بمزاج الناس والمواطنين.


وتشاء الصدف أن عون اليوم، سياسياً وموضوعياً، هو حليف حزب الله والنظامين السوري والإيراني، و"صديق" فلاديمير بوتين. كما تشاء الصدف أن خامنئي والأسد ونصرالله وبوتين (وكل الأسماء المقترنة بهم) موجودون على لائحة الهتافات التي تصدح من طهران إلى بغداد إلى بيروت (مروراً بكل بيوت السوريين). لائحة الملعونين والمشتومين والمكروهين والمتهمين.

استثناء عون يتضاءل. وفي الأيام الأخيرة، مع "تطاول" الإيرانيين على خامنئي، كانت عودة التظاهرات إلى بيروت وطرابلس بما ينذر بتجدد الاحتجاجات والتجمعات على نطاق واسع، مترافقة هذه المرة مع تجرؤ إضافي في "التطاول" على عون شخصياً.


ويبدو تقدم اسم عون إلى مقدمة الهتافات منطقياً. فقد نال الرئيس نبيه برّي (وزوجته) حصته الضخمة من التجريح والإهانة وتلطيخ السمعة والتشهير والاتهامات الفادحة. وبالطبع، ما أصاب باسيل لن يُنسى ولو بعد مرور قرن كامل. الهزء بالحريري وصحبه كان تاماً. النواب والوزراء ما عادوا يتجرأون على تناول العشاء في أي مكان علني. حسن نصرالله مسكوت عنه نسبياً، فقط تحاشياً لحرب أهلية من طرف واحد. لذا، قد يكون بديهياً الهدف التالي: ميشال عون.

ما يساعد على تسارع فقدان هيبة الرئاسة وحصانتها، هو الرئيس عون شخصياً. إنه يمحو بإصرار أي تمايز بينه وبين باسيل. والأخطر أنه ما زال كما هو، كما عهدناه بطوره الثاني حين عودته إلى لبنان في ربيع 2005، واضطراب سلوكه بين الظن أنه شارل ديغول أو الأمير بشير الثاني.


طوال الشهرين الماضيين لم يتغير الرئيس في نهجه وسياسته. إنه ميشال عون كما نعرفه. الانهيار الذي يحدث من حواليه لا يبدل كلمة في قاموسه ولا يعدل فكرة في رأسه. رئيس ممتنع عن الزمن. وبهذا المعنى يتحول إلى نصب حيّ للاستعصاء. ويدرك أكثر جمهور الانتفاضة أن الرئيس الرابض في بعبدا يقف سداً منيعاً بوجههم. إنه يطلب خصومتهم.

وعلى امتداد الفترة السابقة، كانت الأجهزة الأمنية والمخابرات والشرطة والجيش ومكتب مكافحة الجرائم الالكترونية.. على أهبة الاستعداد للانقضاض، ولو على زمرة أطفال، في حال المس باسمه أو بصورة مهلهلة له معلقة على عمود كهربائي في قرية نائية. وكان ذلك فعّالاً في تجنيب اسم ميشال عون أي لطخة.

لكن ذلك يبدو في طور التبدد. التظاهرات الأخيرة استهدفته بكل "وقاحة"، وخصصت له هتافات راحت تتكرر وتتزايد. وهذا ما ينذر ببعض ما ستتضمنه "الموجة الثانية" المرتقبة من الثورة. حين ستتحول إلى منحى أكثر جذرية، وربما أشد صدامية.

لقد عمد بشار الأسد إلى قتل نصف مليون إنسان على الأقل وتشريد أكثر من 11 مليون إنسان وتدمير مدن وأرياف ومحافظات بأكملها منعاً لشتمه، ومحواً لشعار ضده على حائط مدرسة. خامنئي منذ العام 2009 وحتى يوم أمس لجأ أيضاً لإفلات الباسدران والباسيج لقتل الآلاف منعاً للمس باسمه، في إيران كما في العراق.  

هذا بالضبط بعض ما نخشاه من رئيس غاضب وعنيد.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024