مابعد معركة الجرود: هل يحظى حزب الله بالمشروعية السياسية؟

باسكال بطرس

الإثنين 2017/07/31

بعد مرور سنوات على محاولات إخراج المجموعات المسلّحة من سلسلة لبنان الشرقية، طويت أخيراً صفحة جبهة تحرير الشام أو النصرة في جرود عرسال.. وما هي إلا أيام أو ساعات محدودة تفصلنا عن ترحيل المسلّحين مع عائلاتهم إلى إدلب.

لكن، كيف تعاطت القوى السياسية الأساسية، وتحديداً تلك المكوّنة للحكومة الحالية، مع دور حزب الله في معركة جرود عرسال والنتائج التي أسفرت عنها، سواء أكانت استسلاماً من قبل النصرة، أم تسوية تفضي إلى انسحاب المسلّحين إلى سوريا؟

تؤكد مصادر مطّلعة، لـ"المدن"، أنّ مجمل القوى الأساسية تُبدي تحفّظاً ضمنيّاً على وجود أيّ دور لحزب الله في هذه المعركة، معتبرة أنه يخوضها كجزء لا يتجزأ من الحرب السورية، وأن هدفه الأساس لا يقتصر عملياً على تأمين استقرار لبنان، بقدر ما هو تحقيق لاعتبارات اقليمية وحسابات إستراتيجية، تترجم من خلال ربط المناطق المتصلة بالنظام مع بعضها البعض. فخلال العامين الماضيين، أنشأ منطقة عسكرية تمتد من القصير بمحافظة حمص إلى الزبداني. ومع استعادة الحزب الجبال، سيتمكّن من السيطرة على الجانب السوري من الحدود في مثلّث يمتد من حمص إلى دمشق. فضلاً عن أن محاربته الارهاب تأتي في سياق السعي لانتصار عسكري تعويضاً عن الخسائر المعنوية التي ترتبت عليه منذ لحظة تبدّل الادارة الأميركية.

وتتطرق هذه الأوساط إلى تفاصيل هذا الموقف انطلاقاً من الخلفيّات الأساسية التالية:

أولاً: لا يمكن تصنيف كل منطقة الجرود على أنها لبنانيّة، لأن جزءاً صغيراً من بلداتها يحافظ على هويّته اللبنانية، فيما تخضع بلدات أخرى لسيادة الدولة السورية. أما ما تبقى من بلدات الجرود، فتقع ضمن ميدان لبناني- سوري مشترك مُتنازع عليه.

ثانياً: التنسيق بين الجيش اللبناني من جهة، والجيش السوري وحزب الله من جهة أخرى، مرفوض في معركة أقحم الجيش السوري والحزب نفسهيما فيها لحسابات خاصة بهما وبالمحور الذي ينتميان إليه. بالتالي، لا يمكن للجيش اللبناني أن يلتحق بمعركة بدأها الجيش السوري بالقصف المدفعي والطيران، لحسابات اقليمية. فلطالما كانت أولوية الدولة اللبنانية حماية الحدود، وقد نجح الجيش اللبناني طوال ثلاث سنوات بتوفيرالحماية لها، من خلال قطع الجسر الذي أقيم لوصل الجرود بالداخل اللبناني. ما جعل عرسال نقطة عبور للسيارات المفخخة وغيرها، فمنع الجيش أي اختراق أمني أو عسكري لهذه الحدود، باستثناء عنصر المفاجأة الذي أدّى إلى خطف العسكريين والعملية الارهابية التي حصلت آنذاك.

ثالثاً: تعتبر جرود عرسال بالنسبة إلى الحكومة والجيش اللبناني، ساقطة عسكرياً. إذ ما عاد المقاتلون فيها يشكلون حالة اختراق تهدد استقرار لبنان، خصوصاً أن عددهم تقلّص من 3 آلاف إلى ألف. وهذا العدد بصدد أن يتقلّص أكثر فأكثر مع مرور الوقت. بالتالي، لا داعي لأن يتكبد الجيش مزيداً من الضحايا بهدف التخلص من بقعةٍ هي أصلاً ساقطة عسكرياً.

لا شك أن حزب الله نجح في حشد تعاطف فئة واسعة من اللبنانيين، دعماً لإزالة هذه البقعة الارهابية، والذي يحاول جاهداً استثماره بهدف الحصول على مشروعية شعبية لمقاومته، تماماً كما حصل في العراق. الأمر الذي تنفي المصادر إمكان تحقيقه في لبنان، نظراً إلى أن سلاحه كان ولا يزال مسألة خلافية، وانطلاقاً من قناعة راسخة لدى فئة واسعة من الشعب اللبناني بأنه لا يمكن لدولة أن تقوم إلا بعد تسليم الحزب سلاحه إلى الدولة اللبنانية.

وإذا فنّدنا موقف كل من القوى السياسية الأساسية، يتبيّن لنا الآتي:

منذ الساعات الأولى من انخراط حزب الله في معركة جرود عرسال، كان تيار المستقبل في موقع المتردّد في الحديث عنها بشكل مباشر، مفضلاً الوقوف خلف المواقف الداعمة للجيش اللبناني والإعلان عن عدم موافقته على ما يقوم به الحزب في الداخل السوري، وصولاً إلى تأكيده أنه لن يمنح الحزب الغطاء "الشرعي" أو "الوطني" في هذه المعركة، رغم تراجعه عن الدفاع عن المجموعات المسلحة المتمركزة في الجرود، بعدما بات هناك شبه اجماع أممي على تصنيفها منظمات "إرهابية".

فيما اعتبر حزب القوات اللبنانية أنّ عدم توريط الجيش والحكومة في المعركة هو بحد ذاته انتصار كبير ودليل على التوازن القائم في لبنان وعلى أن الحكومة تبسط سلطتها على أرضها وقادرة على حماية حدودها، مشدداً على أن كل ما يحصل خارج الحدود اللبنانية، حتى ولو كان يدور على أرض متنازع عليها، لا شك أنه جزء لا يتجزأ من حرب سورية- سورية. بالتالي، يجب على الجيش اللبناني أن لا يتورّط فيها إلى جانب حزب الله، كي لا تبدو الدولة اللبنانية كأنها تعمل على تصفية مجموعاتٍ تهدف، قبل كل شيء، إلى ضرب الحزب ومحور الممانعة. فيبدو الجيش اللبناني على الإثر كأنه حليف الجيش السوري وحليف محور الممانعة ضد فئة أخرى. وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً.

بدوره، تعاطى الحزب التقدمي الاشتراكي مع الموضوع على خلفية أن أحداً لا ينكر ارتياحه في حال قضى حزب الله على المجموعات الارهابية في الجرود. فبرز موقف النائب وليد جنبلاط المؤيد للعملية على اعتبار أن الجرود محتلة ويجب تحريرها. إلا أن موقف التقدمي الاشتراكي يبقى محصوراً ضمن هذا الاطار، من دون أن يعني ذلك إعطاء حزب الله مشروعيّة سياسيّة وتشريع سلاحه. لأن المرجعية الأولى والأخيرة تبقى للدولة اللبنانية وأي محاولة لإضعافها تضرب كيان هذه الدولة.

وفي وقت اعتبرت كتلة التنمية والتحرير على لسان الرئيس نبيه بري أنّ الحزب يقوم بعملية نيابةً عن لبنان واللبنانيين، وأنّ أقل الواجب هو دعم هذه المعركة ضد الإرهاب الذي يهدّدنا جميعاً، من الواضح أن التيار الوطني الحر يؤيد، ولو ضمنياً، موقف حزب الله، غير أنّ موقع رئيس الجمهورية لم يمنح الشرعية الرسمية أو أي غطاء لهذه العملية، تفادياً لضرب مصداقية الدولة اللبنانية. فالرئيس ميشال عون، ومن موقعه الدستوري، لا يستطيع وضعها علناً إلّا في اطار معركة تدور ضمن الأراضي المتنازع عليها، وأنها جزء من المعارك الدائرة في سوريا. بالتالي، التأكيد أن الجيش اللبناني وحده المكلّف حماية الحدود.

إذاً، معركة الجرود انتهت. لكن ماذا بعدها؟ هل يتراجع داعش بعد ما حصل مع النصرة عن خوض معركة خاسرة أساساً؟ ألن يكون الأجدر به التوصّل إلى تسوية سياسية بعدما انتهى وجوده في هذه المنطقة؟ الاجابات عن هذه التساؤلات رهن الأيام المقبلة. إلا أن مما لا شك فيه اليوم هو أن حزب الله لن يتردد من الآن فصاعداً في استثمار هذا المناخ الداخلي على المستوى الإعلامي بالحد الأدنى. ولا شك أن الحياة السياسية ستعود، بعد هذه المعركة، إلى متابعة الملفات الحياتية، المرتبطة بالموازنة وغيرها، من جهة، والتحضير للانتخابات النيابية من خلال استكمال الترشيحات من جهة أخرى.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024