جنبلاط الباحث عن توازن لبنان.. من مصر إلى أميركا

منير الربيع

السبت 2019/09/07

منذ سنوات ووليد جنبلاط يتعرض لمحاولات حصار متوالية. لكنه دوماً كان يخرج سالماً. قبيل قدّاس "الغفران" في سيدّة التلة بدير القمر، والذي حاول التيار الوطني الحرّ محاصرة جنبلاط في عقر داره، ومقارعته، بالتزامن مع ذكرى استشهاد والده، وتحميله وحده مسؤولية حرب الجبل.. كان الرجل يخرج من هذه الشرنقة، مستقبلاً الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند. عندها خرج من الضيق اللبناني إلى ما هو أرحب، بالسؤال عن مصير لبنان الكبير، واستمراريته. وهو الموقف نفسه الذي عاد رئيس الجمهورية وعلّق عليه في الأول من أيلول. كانت زيارة هولاند حينها إلى المختارة، إشارة إلى أن رئيس الاشتراكي عصي على الحصار، وآفاقه واسعة خارجياً، ولا يفقد حيلة في الداخل.

بين ريغان وحافظ الأسد
في حادثة قبر شمون، والتي تحولت إلى معركة سياسية، للنيل من جنبلاط والاستعجال في تطويقه، خرج منها رابحاً، مثبتاً صعوبة تجاوزه. وفي غمرة "المعركة"، جاء بيان السفارة الأميركية الشهير الذي قلب الموازين، وأعاد الأمور إلى نصابها. فرض الرجل حينها توازناً سياسياً في لبنان كان مفتقداً منذ سنوات. حادثة تذكّر بمحطات من أيام الحرب اللبنانية، فأيام الاجتياح الإسرائيلي مثلاً، وبعد هزيمة الحركة الوطنية، ودخول "القوات اللبنانية" إلى الجبل، وانسحاب الفلسطينيين من لبنان، وهزيمة الجيش السوري، كان يُفترض بجنبلاط الاستسلام أو إعلان الهزيمة، لكنه يومها لم يفقد الحيلة. ذهب إلى موسكو، واستطاع استحضار الاتحاد السوفياتي نفسه إلى لبنان، لإعادة التوازن. بل وهناك صورة مأخوذة عنه، تصفه بأنه الذي وقف بوجه بارجة نيوجيرسي (الأسطول الأميركي) والرئيس ريغان عام 1983.
وعندما حاول حافظ الأسد تطويقه والإطباق عليه ، خاض معارك "القرار الوطني المستقل". وكانت لديه خيارات عديدة، كالتحالف مع منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، والانفتاح على ليبيا والسعودية طوال فترات الحرب. وحتى في مراحل ما بعد الحرب، غالباً ما كان لدى جنبلاط خيارات أخرى لمواجهة التضييق أو محاولات الاستتباع من قبل السوريين، فكانت علاقته الممتازة مع المملكة العربية السعودية (ودول الخليج عموماً)، التي يستند إليها لتحسين العلاقة مع النظام السوري نفسه.

في مصر.. وإلى أميركا
اليوم لدى جنبلاط قراءة بعيدة عن الأفكار النمطية السائدة في الشرق الأوسط، يرفض منطق إما معنا أو ضدنا، من أي محور كان. ضدّ صفقة القرن علناً وبقوة، ويراهن على الموقف الفلسطيني بإفشالها، مع الثورة السورية وضد بشار الأسد، مع العروبة والدول العربية والخليجية، وليس ضد إيران بالمطلق، إنما مع حوار يوقف الاستنزاف والحروب المتنقلة. في لبنان يحرص على علاقة جيدة مع مختلف القوى. كم أنه يعّبر بكلامه ومواقفه عن وجدان شعبي، مكتوم أو مكبوت. 

في الشهر المقبل، يتوجه الرجل إلى الولايات المتحدة الأميركية. وبالأمس كان في القاهرة، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. استقبل جنبلاط في مصر استقبال الرؤساء، والبيان الصادر عن الرئاسة المصرية يوضح مكانة الرجل، وعلاقاته. ذهب برفقة نجله تيمور والوزير السابق غازي العريضي، والنائب بلال عبد الله. زيارة، ربما يمكن تشبيهها بزيارة كمال جنبلاط إلى الرئيس أنور السادات في العام 1976، وكان الشرق الأوسط على شفير مرحلة مفصلية، كما هو الحال اليوم، من اليمن إلى سوريا والعراق ولبنان ربطاً بصفقة القرن.

لم يكن الوفد الذي اختاره جنبلاط للزيارة عبثياً، نجله تيمور لتثبيت وتأمين استمرارية العلاقة مع مصر ودورها المستقبلي، والتأكيد على الانتماء إلى العروبة. أما غازي العريضي، فهو "خيّاط" جنبلاط في كل الملفات الحساسة، "أصيل الحزب" كما يسمّيه، وعتيق مخضرم، حاضر عربياً ودولياً. أما النائب بلال عبد الله، فإشارة من جنبلاط على تنوعه وعلى حرصه على العلاقة القوية للدروز مع السنّة والمحيط العربي.

تؤكد مصادر متابعة أن اللقاء كان إيجابياً جداً، ومناسبة ليثبت جنبلاط عمقه العربي، والحاجة إلى العلاقة مع مختلف القوى، مع الحفاظ على الموقف السياسي الذي يختلف مع القوى الأخرى من العداء. هو يؤمن بدور مصر. وهذا ما عبّره عنه أمام السيسي، مقدماً مطالعة دولية إقليمية ربطاً بلبنان. بينما لاقى اهتماماً مصرياً استثنائياً، إذ عبّر الرئيس المصري عن المساعي المصرية الدائمة لتثبيت الاستقرار في لبنان، والتوازن. وكان الموقف المصري معروفاً في المساعي التي بذلك إبان حادثة قبرشمون، بعدم السماح بالانقضاض على جنبلاط.
في القاهرة، مرر جنبلاط  مواقفه بدقة. خصوصاً برفضه لصفقة القرن، التي أكد الرئيس المصري، حسب المصادر، أنه ليس سائراً فيها ولا يوافق عليها. أما حول الوضع السوري فأكد الرئيس المصري موقف بلاده المعروف، بوجوب إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، مع احتفاظ مصر بطريقة إدارتها لهذه القضية وتعاملها معها. أما لبنانياً، فالموقف المصري معروف، بالحفاظ على التوازن والاستقرار. وهذا ما سيسعى جنبلاط إلى تكريسه من خلال اللقاء الذي سيعقد في عين التينة بعد ظهر السبت، بين الاشتراكي وحزب الله.

اللقاء الذي كان يعمل عليه غازي العريضي مع الرئيس نبيه بري، سيكون مشابهاً للقاء الأول الذي عقد في أيار الماضي، للبحث في كل الخلافات. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024