الأسد أكد سورية مزارع شبعا وأسقط "مزاعم" حزب الله

المدن - لبنان

الخميس 2021/04/08
في لقاء بين الديبلوماسي الأميركي، فريدريك هوف، ورئيس النظام السوري بشار الأسد في قصر تشرين في 28 شباط 2011، أكد الأخير أنّ "مزارع شبعا وتلال كفرشوبا سورية". ففي مقال نشره في مجلة "Newline Magazine"، أمس الأربعاء، كشف هوف عن لقاء وكلام لا يُنتسى أسرّ به الأسد في ذلك اللقاء: لم يفاجئني قول الأسد إنّ ادّعاء حزب الله لبنانية مزارع شبعا زائف. لكن صدمتني صراحته وعدم تردّده في إخبار ديبلوماسي أميركي بهذا الأمر. موقف الأسد حينها أتى للدفع في اتجاه وساطة للسلام كانت بدأت بالتلاشي، وقد كان واضحاً أنه مقابل السلام واستعادة سوريا جميع الأراضي التي خسرتها في حرب حزيران 1967، فهو سيعمل على حلّ العلاقة العسكرية بين سوريا وإيران ويلزم لبنان بالتوصّل إلى سلام مع إسرائيل، وبالتالي إنهاء مقاومة حزب الله بشكل كامل.

نتنياهو والمعلّم
كان المفاوض السوري حينها، وزير الخارجي وليد المعلّم الذي توفّى عام 2020. هو مفاوض بارع ولامع ومؤمن حقيقي بالسلام مع إسرائيل لاستعادة أراضي 1967، وكان ينال ثقة كاملة من رئيسه بشار الأسد. لكن بالنسبة للطرف الإسرائيلي، لم يكن المعلّم في موقع يعتدّ به لتقديم الالتزامات. وأراد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التأكد من أن الأسد نفسه ملتزم بالسلام وإعادة ‏رسم توجهات سوريا الإقليمية. وكان نتنياهو يعرف ثمن السلام الذي تريده سوريا وهو استرداد كامل أراضيها. وقد أثار احتمال قطع سوريا علاقتها بإيران وحزب الله وحركة حماس اهتمامه الشديد، إلا أنه كان قلقاً من أي تجاوب يبديه المعلّم يتراجع عنه الأسد في وقت لاحق. لذا، كان موقف نتنياهو يشير إلى أنه على الأسد أن يلتزم شخصياً بقطع هذه العلاقات التي تهدّد أمن إسرائيل. فكان هوف أن اقترح على نتنياهو، في اجتماع عقد في القدس مطلع 2011، أن يقابل الأسد شخصياً لتقييم موقعه وموقفه من هذا الملف، فوافق نتنياهو على الاقتراح.

لقاء دمشق
يقول هوف: جاء اللقاء المنفرد بيني وبين الأسد ثمرة هذا الاقتراح، وتم في 28 شباط 2011، حيث كان الأسد صريحاً بشكل مبالغ به وغير طبيعي تجاه المقايضة. فاجأني عدم ترّدده في موقفه ولم أتوقع أن يكون حازماً. وبينما كنت أحاول استيعاب ما كان يقوله، تساءلت عمّا إذا كان قد حسب بدقة ردّ فعل إيران وحزب الله تجاه تخلّي دمشق عن الجمهورية الإسلامية ووكيلها اللبناني لتتمكّن سوريا من استعادة أراضيها والسير في السلام مع "العدو الصهيوني". تركت دمشق متوجهاً إلى القدس في الأول من آذار 2011، متسائلاً عما إذا كان الأسد تساءل كيف سيتصرّف حلفاؤه لما قد يعتبرونه خيانة جبانة. وكنت ارتحت لو قال شيئاً على غرار أنّ الخطوة "لن تعجبهم لكني على استعداد لمقاتلتهم إذا لزم الأمر من أجل المصالح السورية". إلا أنه توقع أن يلحق توقيع سلام بين سوريا إسرائيل، معاهدة سلام بين لبنان وإسرائيل وأنّ حزب الله وإيران سينصاعان للأمر. كنت مندهشاً وغير مقتنع في آن. ومع ذلك، بعد أيام على إطلاعه على الأجواء، أعلن أنّ الوساطة في مرحلة جدية وفوّض فريقه اتخاذ الخطوات اللازمة لاستمرار المفاوضات.

القرى السبع
ويكتب هوف: بعد عام 2000، أكد حزب الله على ضرورة تنفيذ انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية. فلو لم يستمرّ الاحتلال فضد من كان ليقاوم حزب الله؟ ومن دون مقاومة كيف كان لإيران أن تحافظ على ميليشيا مسلّحة في لبنان مستقلّة عن القوات المسلحة اللبنانية؟ فلجأ حزب الله أولاً إلى بالون اختباري أوّل اسمه "القرى السبع"، وهي سبع قرى شيعية شمالي فلسطين تم فصلها عن لبنان خلال الترسيم الفرنسي البريطاني للحدود عام 1924. وعام 1948 تمّ طرد سكان هذه القرى من الأراضي الفلسطينية إلى لبنان خلال هجوم عسكري إسرائيلي. واعتبر حزب الله أن الانسحاب الإسرائيلي لا يمكن أن يكون كاملاً دون إعادة ضمّ هذه القرى إلى لبنان، مدركاً أنه لا يمكن لإسرائيل القبول بإعادة هذه الأراضي، وامتناعها عن ذلك سيبرّر وجود المقاومة المسلحة. وسبق أن وجّهت سؤالاً لرئيس الحكومة اللبنانية الأسبق سليم الحص عام 2000، حول القرى السبع، فبدى حائراً ومحرجاً.

تلال ومراعي
إثارة حزب الله لملف القرى السبع قوّض الموقف الرسمي اللبناني المؤيد للحدود التي رسمتها سلطات الانتداب، وهي الحدود التي تحوّلت خط الهدنة الذي فصل بين لبنان وإسرائيل عام 1949. شئنا ام أبينا، اعتبر لبنان ‏دائماً أن القرى المعنية خارجة عن ولايته، كما أنّ في لبنان قلق من قيام إسرائيل ‏بتحويل خط الانتداب/الهدنة لصالحها. إذ إنّ المطالبة بالقرى السبع يعني المخاطرة بوضع كل ‏شيء على الطاولة من جديد. ومع ذلك، عندما قامت الأمم المتحدة بترسيم الخط الأزرق بعد الانسحاب الإسرائيلي، أتيحت فرصة لمطالبة حزب الله بأجزاء من المرتفعات في شبعا فيها مزارع ومراعي. فعاشت المقاومة.

أرادت سوريا استمرار "المقاومة" للضغط على إسرائيل، فسارعت وجارت ادعاء حزب الله. وجاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حينها كوفي عنان أنه "في اتصال ‏هاتفي أجريته مع وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع، في 16 مايو 2000، قال إن سوريا تدعم موقف لبنان". والتزمت الحكومات اللبنانية المتعاقبة بهذه المطالبة، إذ ألزمتها إيران ممثلة بحزب الله بذلك. 

نصرالله وتصفية المقاومة
أكد لي الأسد خلال اللقاء يوم 28 شباط 2011، من بين أمور أخرى، أن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، سيقوم بتصفية منظمته المقاومة ويتماشى مع أحكام معاهدة السلام اللبنانية الإٍسرائيلية التي ستبصر النور تلقائياً بعد توقيع الاتفاق السوري الإٍسرائيلي. سألت ‏الأسد عما إذا كان تخلي نصر الله عن "المقاومة" سيتطلب أولاً أن تقوم سوريا بنقل مزارع شبعا ‏والأراضي المرتبطة بها رسمياً إلى لبنان‎.‎ وجاء جوابه دون أي لبس: "لا، لا. الخرائط تظهر بوضوح أن المنطقة المعنية ‏سورية. بمجرد استعادة سوريا لأراضيها من إسرائيل، ستكون هناك محادثات مع لبنان حول ‏التعديلات المحتملة على الحدود هنا وهناك، وحول صكوك ملكية الأراضي ومن أصدرها". وقال ‏الأسد إن الأرض سورية. نقطة انتهى‎.

تابعت وتعمّقت وكتبت حول الجدل على مزارع شبعا منذ ابتداعها كمشكلة، ففوجئت (وسعدت) ليس فقط برفض الأسد المطالبة اللبنانية بالمنطقة إنما اعتراف حكومته بها أيضاً. أما ‏بالنسبة للمحادثات المحتملة مع لبنان حول التعديلات الحدودية، فقد جرت ‏بالفعل مفاوضات ثنائية رسمية قبل خسارة مرتفعات الجولان. لم تتنازل سوريا عن أي شيء ‏لجارتها اللبنانية‎. ومع ذلك لم يصدر عن الدولة اللبنانية شيء حيال احتلال أي من أراضيه عام 1967، إلا أنّ خرج الادعاء بذلك بعد 33 عاماً. كانت المنطقة التي يطلق عليها اسم "مزارع شبعا" و"تلال كفرشوبا" تحت الإدارة السورية حتى حزيران 1967 عندما احتلّها إسرائيل.

على أي حال، قرار الأسد، في ربيع 2011، بقتل المتظاهرين السلميين بدلاً من السعي لتحقيق السلام مع إٍسرائيل يؤكد على الأرجح استمرار خسارة هذه الأراضي. ومع ذلك، يبقى أنّ الأسد أسقط ادعاء حزب الله بمقاومة إسرائيل لتحرير الأراضي اللبنانية، مسجّلاً للتاريخ. نظرة الأسد إلى الأراضي التي تحتلها إسرائيل كانت واضحة: إنها سورية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024